الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين يدعو المصريين مسلمين وأقباطا الى الوحدة الوطنية ونبذ الصراعات والحذر الشديد من كل ما من شأنه أن يخل بنظام وأمن بلدهم مصر ويؤكد على حل كل الإشكالات القائمة في ظل القانون والتوافق

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على سيدنا وإمامنا محمد رحمة الله للعالمين، وسائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، ومَن اتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد،،

فللمرة الثانية بعد ثورة 25 يناير المجيدة تشهد أرض الكنانة مصر توترات طائفية عنيفة تميزت هذه المرة بتصاعد العنف بشكل أكبر وأخطر مما أدى الى سقوط ما يقرب من 25 قتيل بين مدنيين وعسكريين، كما تميزت هذه الأحداث بأنها موجهة من قبل الطائفة القبطية ضد الدولة وبعض المسؤولين فيها مطالبين بحقهم القانوني في بناء كنيسة لهم في محافظة أسوان بجنوب مصر ولم تكن بينهم وبين عامة المسلمين كما حدث في المرة الأولى، ومن ألطاف الله تعالى بهذا البلد الطيب وشعبه أنه لم يحدث هذا الأمر وإلا لكانت الكارثة أعظم وأخطر.

ولكن دعنا نتساءل هل بالفعل هذه الأحداث هي أحداث بريئة وليس لها من أجندة سوى تحقيق مطالب مشروعة وحق مكفول قانونا وشرعا للطائفة المسيحية بحرية العبادة وحرية بناء أماكن عبادتهم؟ أم أن خروج هذه الاحداث عن السلمية والمطلبية الى العنف والحرق مما جعل هذه الحصيلة الثقيلة من القتلى والجرحى وراءه بعض العناصر المندسة بين المتظاهرين تريد أن تحرق مصر وتدخلها في حالة من الفوضى والحرب الطائفية انتقاما من هذا الشعب البطل الذي نجح في اسقاط نظام الفساد والظلم والافساد بثورة سلمية رائعة تجسدت فيها الأخوة بين مسلميه ومسيحييه في أبهى صورها؟

إن دولة مصر وثورة مصر وشعب مصر كلهم مستهدفون من قبل قوى داخلية وخارجية غاظها أن ترى هذا الشعب البطل ينهض ويسعى في همة عالية ووحدة وطنية كاملة لاعادة بناء دولته على أسس من العدل والحرية والاختيار الحر لمن يحكمه، فأرادت أن تفسد عليه هذا التوجه وتدخله في سلسلة من الحرائق الطائفية حتى يتسنى لها هي أن تقوم بدور رجل الاطفاء على طريقتها وبما يخدم مصالحها التي ترى أن الخطر الكبير عليها اذا ما نجحت هذه الثورة واستكملت أهدافها واختار هذا الشعب من يحكمه بإرادة حرة ونزيهة.

وأمام هذه التطورات الخطيرة وهذه الأحداث المؤلمة والمكائد الخفية التي تعيشها مصر الثورة، مصر العروبة والاسلام فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرى ويدعو الى ما يلي:

1- يدعو المسلمين والمسيحيين في مصر الى مزيد الانتباه إلى الخطر الذي يمكن أن تؤدي إليه مثل هذه الاحداث إذا ما تكررت، وهو ضرب وحدة هذا الشعب والسلم الاجتماعي التي كانت سائدة بين مكوناته على امتداد قرون طويلة دون أن تؤثر فيها كل محاولات الاعداء، ونذكر المسلمين بالمكانة الخاصة لقبط مصر وتوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خيرا ففي الحديث عن عبد الله بن يزيد، وعمرو بن حُرَيث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... استوصوا بهم خيرًا، فإنهم قوَّة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله" رواه أبو يعلى. يعني قِبْط مصر، كما ندعو الأقباط الى التعقل وعدم التصعيد والعنف في طرح مطالبهم المشروعة وليحافظوا على سلمية مطالبهم تأسيا بثورة 25 يناير السلمية التي كان لهم دور فيها إلى جانب إخوانهم من المسلمين.

وللتاريخ نقول أن مصر لم تمر أبدا بأزمة طائفية على الرغم من محاولات الأعداء المكثفة، بل ظلت على وحدتها الجامعة، وأخوتها الوطنية.

2- يطالب الاتحاد السلطات المصرية وعلى رأسها المجلس العسكري والحكومة إلى الإسراع في حل الإشكالات المتعلقة بمسألة بناء دور العبادة لوضع حد لمثل هذه الأحداث، ومن ثم يقع معاقبة كل من يخل بالقانون في اطار الشفافية والنزاهة من أي جهة كان، والتأكيد على المسؤولين الالتزام الكامل بهذه القوانين، مع الحرص على تجاوز المرحلة الانتقالية بتعجيل الانتخابات واستعادة الشرعية لمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية.

3- يحذر الاتحاد كل الجهات والأيادي الخفية التي تريد اللعب بأمن مصر وحرمان شعبها من التمتع بنتائج ثورته من مغبة المواصلة في هذا الطريق ويدعو كافة فئات الشعب المصري إلى الحذر والانتباه لمثل هذه المخططات والمؤامرات التي تحاك بالليل والنهار ضد وحدته الوطنية وأمن وسلامة بلادهم.

يقول تعالى: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" (البقرة:12)

يقول تعالى: "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف:21)

حفظ الله مصر، وحفظ أمنها ومكانتها وحفظ ثورتها وحقق لها الأمن والأمان آمين

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

أ.د علي القره داغي                           أ.د يوسف القرضاوي

الأمين العام                                                 رئيس الاتحاد

الدوحة في 14 ذي القعدة 1432هـ

11 أكتوبر 2011م