الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى إخوانه من رسل الله جميعًا.

(وبعد)

ففي الحقيقة أني أتابع هذه المسيرة من يومها الأول، وهذا هو اليوم التاسع، والواقع أني كنت أتابع هذه المسيرة، مسيرة المتظاهرين المحتجين، بكثير من الاعتزاز والفخر، فهؤلاء الشباب الأبطال الشرفاء، كانوا على مستوى من الإيمان والأخلاق والمروءة بحيث لم يرتكبوا شيئا يعاب، وكان كل همهم أن يرفعوا صوتهم، وأن يرفعوا شأن بلدهم، وأن يحتجوا على المظالم التي تمت خلال سنين طويلة، منذ ثلاثين سنة، ربما كانت السنين الأولى منها كانت أقل ظلما، ولكنها ازدادت ثم ازدادت، وكل شيء زاد عن حده، انعكس إلى ضده، فطفح الكيل، وبلغ السيل الزبى كما يقول العرب. فكانت هذه الاحتجاجات.

لم يعتدِ الشباب في هذه المسيرات على أحد، لم يعتدوا فيها على مِلْك عام أو خاص، بل كانوا مثالا حيا للأخلاق الكريمة، لتسعة أيام.

بالأمس كانت هناك مسيرات مليونية، قدَّر بعضهم عدد المتظاهرين في أنحاء الجمهورية بثمانية ملايين، لم يحدث منهم أي شيء، إلى أن رأينا اليوم ما رأينا، رأينا أناسًا من (البلطجية) الذين تستخدمهم وزارة الداخلية المصرية دائما، في إفساد الانتخابات، في الاعتداء على الآمنين، في تخويف الناس، رأينا اليوم وزارة الداخلية، التي تخلت عن الأمن، وأخلت مصر تمامًا بعد يوم الجمعة الماضي، فلم يكن هناك أحد يحرس شيئا. حتى المرور لم يعد موجودا.

واليوم يظهرون في ميدان التحرير، بـ(جمال وحمير وخيول، وعربات كرو) ويحملون السكاكين والأسلحة البيضاء، ويرمون الناس بالمولوتوف من فوق الأسطح، ويستخدمون كل شيء ليقتلوا الناس، أو يصيبوهم بغير حق. ولذلك نقول ما قال الشاعر قديما:

ملكنا فكان العفـو منا سجية فلما ملكتم سـال بالـــدم أبطح
وحللتمو قتل الأسارى وقبلها مررنا على الأسرى نمن ونصفح
فحسبكمو هذا التفـاوت بيننا فكل إنــــاء بالذي فيه ينضح

نضح إناؤهم بكل ما فيه من شر ونجاسة، فعلها مبارك وبدأ يذبح شعبه، إذا كنتَ حقا محبا للشعب كيف تقتله، وكيف تسلط بعضه على بعض؟ كما فعل فرعون موسى، وقال الله عنه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:4].

الرسالة الأولى: إلى الشعب المصري:

ولذلك نحن هنا نتوجه أولا إلى الشعب المصري، أن يتوجه إلى ميدان التحرير بكلِّ ما يسعف الناس، من مواد إسعاف، وتضميد الجراحات، وبكل ما يحتاج الناس إليه من أغذية وأغطية، وأن يذهبوا بكثافة، وأن يذهبوا في مجموعات، حتى لا يصطادهم هؤلاء الناس، ويحاولوا أن يناولوا منهم.

ندعو الجميع أن يؤيدوا إخوانهم هؤلاء فهم منهم، وهم جزء من هذا الشعب. ندعو الشعب المصري كله أن يقفوا مع هؤلاء الشباب الذين يعتبرون فخرا لمصر، والذين ضربوا الأمثلة في التضحية بأنفسهم، وبكل غال لديهم.

أدعو الجميع القضاة، وأدعو المحامين، والصحفيين، والإعلاميين، والأزهريين، وعلماء الدين، أدعوهم أن يقفوا بجوار هؤلاء الشباب، لقد دعوت شيخ الأزهر من أيام، وطلبت منه أن يقف مع الشعب، ولا يقف مع أعداء الشعب، ولكنه – للأسف- صدر منه تصريح اليوم، يدين المظلومين ولا يدين الظالمين، ويقول أن الذي يدعو إلى هذه المظاهرات، ليس في قلبه ذرة من إيمان. ولماذا لا تقول هذا عن الذين يقفون ضد هذه المظاهرات.

كل ما يطلبه أصحاب هذه المظاهرات، أن يتعيشوا من حلال، يطلبون الحرية، يطلبون الكرامة، أهذا ممنوع على الناس؟

نحن ننادي الإخوة العلماء الأزهريين، أن ينزلوا إلى الشارع بعمائمهم، وجببهم، ويقفون مع هذا الشعب، خصوصا يوم الجمعة.

أدعو أئمة المساجد وخطباءها أن ينزلوا مع المصلين إلى الشارع، وينزلوا إلى الشارع، وأدعو الشعب المصري كله بكل فئاته، أن يقفوا مع هؤلاء الشباب الذين يدافعون على الشعب كله.

وأنا أحيي هؤلاء الشباب الذين رفضوا أن يتركوا أماكنهم، ومواقعهم حتى يحققوا مطالبهم المشروعة، ولو سقطوا شهداء، وقد سقط منهم مائة وخمسون، ولم يسقط شرطي واحد، لأن هؤلاء الشباب لا يحملون سلاحا، فسقط منهم مائة وخمسون وجرح منهم حوالي أربعة آلاف. وفيهم عشرات مختفين.

أنا أشد على أيديهم، وأقول لهم بارك الله فيكم، استمروا واثبتوا مكانكم، قفوا في أماكنكم إما أن تعيشوا كرماء سعداء أو تموتوا شهداء.

الرسالة الثانية: إلى الجيش المصري:

وكلمتي الثانية أوجهها إلى الجيش المصري، فأقول: عهدنا بالجيش المصري، أنه سند الشعب، وفخر الشعب، وكم سررنا حينما قال المتحدث الرسمي باسم الجيش: إننا نقدر مطالب هذا الشعب، ونتفهمها، ومن حقه أن يعبر عن نفسه، ولم ولن نستخدم القوة ضده. وهذا لا شك موقف رائع وجميل يشكر عليه. ولكن عليه أن يكمِّل هذا فلا يترك أولاد البلد يقتلون، وقد ضبط هو بعض الناس من الشرطة السرية، حتى حجزهم عنده، وكما سمعنا أن بعض المتظاهرين حجز بعض هؤلاء، فهم إما مجموعة من الشرطة السرية، أو مجموعة مستأجرة من البلطجية، أرأيت إنسانا يحمي البلد، بأن يسلط البلطجية القتلة المجرمين، على الشعب؟!

فأنا أنادي الجيش المصري، وأدعوه أن يحمي الشعب، أن يتدخل ليحمي الشعب، ولا يتركهم فريسة لهؤلاء البلطجية والمجرمين.

الرسالة الثالثة: إلى الرئيس مبارك:

وأما الكلمة الثالثة فأوجهها إلى الرئيس مبارك نفسه، وقد وجهت له كلمة منذ أيام، وأنا أكرر ما قلته: حرام عليك يا مبارك، أن تقتل شعبك، إذا كنت راعيا ومسؤولا عن رعيتك، فالواجب أن تحمي الشعب، لا أن تقتله، ولكن هو كما قال الشاعر:

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب

يا مبارك، حرام عليك أن تترك الشعب للمجرمين والبلطجية، إن دموع اليتامى الذين فقدوا آباءهم، والثكالى اللائي فقدوا أبناءهن، والأرامل اللائي فقدن أزواجهن، دموع هؤلاء ودعواتهم ستصيبك وأنت في قعر بيتك، سنستعدي عليك سهام القدر، ونستعين عليك بدعاء السحر، وكل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، وهذه الدعوات لن تتركك أبدا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"، ولهذا يقول الشاعر:

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظـلوم منتبه يدعو عليك، وعين الله لم تنم

لا تسخر من الأدعية، وتقول ماذا فعلت هذه الدعوات، فالشاعر يقول:

أتهزأ بالدعـاء وتزدريه وما يدريك ما صنع الدعاء
سهام الليــل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي ويرسلـها إذا ذهب القضاء

الرسالة الرابعة: كلمتي إلى الجهات المعنية ومؤسسات العالم:

مذيع الجزيرة: فضيلة الشيخ: هل من رسالة رابعة توجهها إلى المعارضة، التي أيَّد جزء منها اليوم التفاوض مع نائب الرئيس مبارك، والجزء الآخر يعارض ذلك.

الشيخ: قبل هذه الرسالة للمعارضة، أريد أن أرسل رسالة إلى الجهات المعنية، ارسل رسالة إلى الجامعة العربية وعمرو موسى، أرسل رسالة إلى المنظمة الإسلامية؛ منظمة المؤتمر الإسلامي، والدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، أرسل رسالة إلى الأمم المتحدة وبان كي مون، وأرسل رسالة إلى كل مؤسسات العالم ليتدخلوا ويرفعوا الظلم عن هذا الشعب، ولا يتركوا هذا الشعب فريسة لهذا البغي، ولهذا العدوان.

الرسالة الخامسة: إلى القوى السياسية المصرية:

أما رسالتي إلى القوى السياسية المصرية عامة، فأرسل إليها رسالة ليقفوا صفا واحدا، فلا يجوز أن يختلفوا فيما بينهم، وهؤلاء الشباب يعرضون صدورهم للرصاص، ويعرضون حياتهم للموت، لا يجوز أن يختلفوا، بل يجب عليهم أن يتفقوا على مطالب هذا الشعب، فهؤلاء الشباب هم الحَكَم، والكلُّ ينبغي أن ينزل على رأيهم، أصبحوا هم السادة، بدمائهم وليس بكلامهم، فأنا أرجو من القوى السياسية المختلفة (قوى المعارضة) أن يشد بعضها أزر بعض، ويقفوا موقفا واحدا لحماية هؤلاء الشباب الذي ضحى بنفسه، والذي يصر على أن يستمر في موقفه.

أحيي هذا الشباب وأدعو لهم، وأطلب من الأمة كلها أن تدعو لهم، وأطلب من الأئمة في المساجد أن يدعو دعاء القنوت (قنوت النوازل) في ركعاتهم الأخيرة من الصلوات، وخصوصا الصلوات الجهرية. فأدعو الأئمة، وأدعو الناس أن يتوجهوا بدعائهم لأن ينصر الله هذا الشباب، وأن لا يضيع سعيه هباء، وأن لا تضيع هذه الدماء الطاهرة سدى، وأنا اعتقد أن الله سبحانه وتعالى لن يخذلهم، فسنة الله تعالى أنه لا يخذل العاملين الجادين الأطهار البرءاء، بل إن سنة الله أن يخذل أعداءهم، وتكون العاقبة لهم، ربما تتباطأ قليلا، ولكن في النهاية، العاقبة للمتقين، {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هود:49]، {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132]، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران:160].

إن الدعاء عندنا سلاح من الأسلحة، الدعاء سلاح المؤمن، والقرآن يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:186]، ويقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60]، ويقول: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[النساء:32].

فنحن نتعبد لله تعالى بالدعاء، وخصوصا في الشدائد، عند الكربات يلجأ الناس إلى الله، ويقولون: يارب.

ونحن في شدة، الشعب المصري الآن في شدة؛ لأنه يعاني من هذه المكايد والمؤامرات التي تريد أن تفشل عمله، وسعيه خلال هذه المدة، فنحن نتوجه إلى الله بالدعاء، وأنا الآن سأدعو وأرجو من كل من يسمعني أن يؤمِّن على دعائي.

اللهم إنا ندعوك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك.

اللهم كن لأبنائنا في مصر، ولا تكن عليهم، اللهم كن لإخواننا المحتجين على الظلم والعدوان، كن لهم ولا تكن عليهم، أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، امكر لهم ولا تمكر عليهم، واهدهم ويسر الهدى إليهم، وانصرهم على من بغى عليهم.

اللهم شد أزرهم، واسند ظهرهم، اللهم إنا نسألك أن تمدهم بروح من عندك، وأن تؤيدهم بجند من جندك، واحرسهم بعينك التي لا تنام، واكلأهم في كنفك الذي لا يضام.

اللهم كن لهذا الشباب الطاهر المضحي المجاهد في سبيلك، الراغب في رحمتك، الخائف من عذابك.

اللهم إنا نسألك لهم فتحا مبينا، اللهم افتح لهم فتحا مبينا، واهدهم صراطا مستقيما، وانصرهم نصرا عزيزا، وأتم عليهم نعمتك، وأنزل في قلوبهم سكينتك، وانشر عليهم فضلك ورحمتك.

اللهم عليك بالطغاة الظالمين، اللهم عليك بالطواغيت الفراعين، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم خذهم ومن ناصرهم أو عاونهم أخذ عزيز مقتدر.

اللهم خذهم أخذا عزيزا أليما شديدا، اللهم إنهم طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصُب عليهم يارب صوت عذاب، وكن لهم بالمرصاد.

اللهم رد عن المصريين كيدهم، وفل حدهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم سلط عليهم جندك، اللهم سلط عليهم ما يحجزهم عن عبادك المؤمنين، وشبابك الطاهرين الصادقين.

اللهم يا رب العالمين، ويا أمان الخائفين، ويا غوث المستغيثين، ويا جار المستجيرين، خذ بأيدي شبابنا المؤمنين الطاهرين، وخذ واضرب على أيدي هؤلاء الفاسدين المفسدين.

اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، يارب العالمين،

اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، اللهم يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث، برحمتك نستغيث، فأغث لهفتنا، واكشف غمتنا، وفرِّج كربتنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك.

اللهم يا من أهلكت ثمود بالطاغية، وأهلكت عادًا بريح صرصر عاتية، خذ هؤلاء الظالمين الفراعين الطاغين أخذة رابية.

{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:4، 5].

اللهم آمين، وصل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

مذيع الجزيرة: فضيلة الدكتور العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هذا دعاء منكم يصل مباشرة، إلى جميع من قادوا هذا الاحتجاج في مصر في يومه التاسع، وليس بين الأرض والسماء حاجب، شكرًا جزيلا لكم فضيلة الشيخ.

----------

- على قناة الجزيرة في 2 فبراير2011م.