كلمات صريحة في التقريب بين المذاهب أو الفرق الإسلامية

تحميل الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم                                            

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين، وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آلهم وأصحابهم أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فقد علم الفريقان من الشيعة والسنة: أني عشت دهرًا من عمري أدعو إلى التقريب بين الطوائف والفرق الإسلامية، الذي نعبر عنه أحيانًا بالتقريب بين المذاهب الإسلامية، وربما لامني لائمون - أو قدح في قادحون - من الفئات المتشددة من أهل السنة، واتهموني بما يعلم الله أني منه براء.

 

ولقد شاركت في عدد من مؤتمرات التقريب: في الرباط بالمغرب الذي دعت إليه المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «الإسيسكو»، وقد قدمت فيه ورقة قصيرة، لكنها مهمة. وفي مملكة البحرين شاركت في المؤتمر الذي دعت إليه وزارة الشؤون الإسلامية تحت رعاية ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. وقدمت فيه ورقة غير قصيرة، تضمنت ركائز أساسية للتقريب، سميتها: «مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية»، لخصتها في عشرة مبادئ لا بد أن ترعى وتنفذ إذا كنا نريد تقاربًا حقيقيًّا، منها: حسن الفهم، وحسن الظن، والتركيز على نقاط الاتفاق، والتحاور في المختلف فيه، وتجنب الاستفزاز، واجتناب تكفير كل من قال: «لا إله إلا الله»، والبعد عن شطط الغلاة، والمصارحة بالحكمة، والحذر من دسائس الأعداء، وضرورة التلاحم في وقت الشدة.

 

كما حضرت مؤتمرًا آخر في دمشق دعا إليه مجمع الشيخ كفتارو مع بعض الجهات الشيعية في سورية، وزرت الإخوة في طهران سنة 1998م في الولاية الأولى للرئيس خاتمي، وقد استقبلني الرئيس استقبالًا حسنًا، واحتفى بي احتفاء خاصًّا، كما احتفى بي المسؤولون وكبار المشايخ والملالي من آيات الله وحجج الإسلام، وأقاموا الأحفال في كل مدينة زرتها، ومنها: طهران، وقم، ومشهد، وأصفهان، وكانت كل اللقاءات تقوم على المودة والبشاشة وشدة الترحيب، والإشادة بدوري العالمي في نصرة التقريب.

 

كما كنت في كل لقاءاتي بالسياسيين مثل: خاتمي ورفسنجاني، وبالدينيين مثل: صديقنا آية الله محمد علي التسخيري، وآية الله واعظ زادة، وآية الله الشيخ جعفر سبحاني، وغيرهم، لا أكف عن المصارحة بضرورة تذليل العقبات أمام التقريب، وإزاحة العوائق التي تقف في وجهه. وتصارحنا حول هذه الأمور التي تعكر جو التقارب أو التقريب.

 

وقد عرض علي المشايخ الكبار هناك: أن أقبل عضوية مجمع التقريب بين المذاهب في طهران، وقالوا: إن مثلك في منزلته العلمية والدعوية والعالمية لا يجوز أن يخلو منه المجمع العالمي للتقريب، وقد كلمتهم بصراحة حول هذا الموضوع، ولم أجامل. قلت: إن مجمع التقريب لم ينبثق عن مؤتمر جامع لأهل المذاهب المختلفة، قرروا فيما بينهم إنشاء هذا المجمع.

 

ولكن المجمع أنشئ بقرار إيراني منفرد، صدر من السلطة السياسية الإيرانية، فهو مجمع إيراني بحت، توجهه إيران، وتنفق عليه، وقد قبلوا مني ذلك، عن رضا أو غير رضا. الله أعلم بالسرائر.    

وفي كل مؤتمرات التقريب التي حضرتها كان هذا موقفي، وهو موقف صريح، قد يغضب بعض الناس، ولكن الجميع يعرفون تاريخي في السعي من أجل التقريب بين أبناء الأمة، وإصلاح ذات البين، ومقاومة كل أسباب التفريق بين أبناء الأمة الواحدة.

 

ولكن كان يغلب على معظم المشاركين المجاملة، وعدم لمس الأمور الحساسة، أو الاقتراب منها، حتى لا تثير حساسيات أو مواقف غير محسوبة.

لهذا رأيت من واجبي في مؤتمر الدوحة الأخير «1 - 3 محرم 1428هـ الموافق 20 - 22 يناير 2007م» ومن موقع شعوري بالمسؤولية نحو أمتي الكبرى: أن أدع أسلوب المجاملات وتبادل المدح والثناء، وأن أتجه بالمؤتمر وجهة إيجابية يجابه فيها الأمور بوضوح، ويضع يده على مواضع الجراح، ويقول كلمة الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، مع رعاية أدب الخطاب، وأدب الحوار، وأدب الخلاف.

 

وقد قلت كلمتي في الافتتاح والاختتام مرتجلة على عادتي، ولكني هنا رأيت أن أسجل خلاصة محررة لما قلته في هذا المؤتمر، حتى لا يتناقله الناس على غير حقيقته، وهو مسجل بالصوت والصورة، ولكن أردت أن أسجله كتابة حتى يقرأ، وحتى يبقى.

 

ولا أنسى أن أنبه على أن في كلمتي هذه بعض الاقتباسات من رسالتي: «مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية» فهي تكملة لها.

 

وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.

الدوحة في: ربيع الآخر 1428هـ

إبريل 2007م

الفقير إليه تعالى

يوسف القرضاوي