السؤال: نرجو إلقاء الضوء على قضية إفشاء السلام، فبعد الصلاة لا يسلم المصلي إلا على من يعرفه فقط، والأصل أن من أغراض صلاة الجماعة أن يصل الناس بعضهم بعضًا، ويتعرف بعضهم إلى بعض، حتى إذا غاب أحد المصلين أو مرض سأل عنه بقية المصلين، فيكون أهل المسجد الواحد إخوة متحابِّين متباذلين متعاونين، لكن -للأسف- في الحياة المادية التي نعيشها الآن ترك الناس هذا الأدب العام والأمر الهام.

ولذلك أرجو منكم التنبيه على هذا الأمر، أن يسلم بعضنا على بعض، وأن نلقي السلام على من نعرفه ومن لا نعرفه، حتى يعم الحب والألفة والوَحدة بين المسلمين، وجزاكم الله خيرا.

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..

ما يقوله الأخ صحيح، الإسلام جاء بإفشاء السلام، وطلب منا أن نفشي السلام، فعن عبد الله بن سلام، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم انجفل الناس عليه، فكنت فيمن انجفل، فلما تبينتُ وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يقول: "أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام"(1).

وجاءت عدة أحاديث تطلب إفشاء السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا(2) حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"(3). دخول الجنة لن يكون إلا بالإيمان، والحب دليل الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"(4) .

والطريق إلى التحاب بين الناس: "أفشوا السلام بينكم"، انشروا السلام وأشيعوه. فحيثما لقيتَ مسلما سلِّم عليه، قل له: السلام عليكم. فهذا مما يشيع الحب، ومن حق المسلم على المسلم إذا لقيه أن يسلم عليه، وليس من الضروري أن يعرفه، كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَن عرفتَ، ومن لم تعرف"(5).

بل إن من الصحابة من كان يسلم على كل من يلقاه، مسلما كان أو غير مسلم، فقد كان أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه، يسلم على كل من لقي من مسلم وذمي، ويقول هي تحية لأهل ملتنا، وأمان لأهل ذمتنا، واسم من أسماء الله نفشيه بيننا(6).

لأنك حينما تقول للنصراني أو اليهودي الذي يعيش في دار الإسلام: السلام عليكم. فقد أمَّنته، فالسلام فيه تأمين.

وروي عن ابن مسعود(7) وأبي الدرداء وفضالة بن عبيد(8): أنهم كانوا يبدؤون أهل الذمة بالسلام.

ومن لطائف الإسلام أنه جعل التحية بين المسلمين السلام، وهي تحية المسلمين في الدنيا والآخرة، {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} (الأحزاب:44).

فالإنسان يلقي السلام على من عرفه ومن لم يعرفه، ويرد السلام على من عرفه وعلى من لم يعرفه، كما قال الله عز وجل: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (النساء:86)، فإذا قال لك شخص: السلام عليكم. وجب عليك أن ترد عليه بمثله أو أحسن منها، تقول: وعليكم السلام ورحمة الله. إذا قال لك: السلام عليكم ورحمة الله. تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. إذا قال لك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وترفع صوتك بالسلام، لتشعره بالتهلل والاستبشار، وأنك مسرور برؤيته ولقائه؛ لأن الأحسنية ليست فقط في زيادة الألفاظ، ولكنها أيضًا في الإشعار بالترحيب والإشعار بالمودة، حتى يسود الإخاء بين المسلمين، فالإسلام أمر بإلقاء السلام، ورد السلام، على الناس جميعًا، على من عرفتَ ومن لم تعرف.

وقد قال الفقهاء: إن إلقاء السلام سنة، ورد السلام فرض. من السنة أن تفشي السلام، ولكن رد السلام فرض، فرض كفاية، لو أن واحدًا ألقى السلام على مجموعة، يجب أن يرد عليه أحدهم على الأقل.

تحية الإسلام السلام، وصلاتنا نختمها بالسلام عن اليمين وعن الشمال، فهذه تحيةعظيمة، هي تحية المؤمنين في الدنيا والآخرة.

.....

(1) رواه أحمد (23784)، وقال مخرجوه: إسناده صحيح، والترمذي في صفة القيامة (2485)، وصححه، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1334)، والحاكم في الهجرة (3/13)، وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي.

(2) كذا الرواية: "ولا تؤمنوا" بحذف النون من آخره، على لغة من يحذف نون الأفعال الخمسة من غير ناصب ولا جازم، وهي لغة معروفة صحيحة.

(3) رواه مسلم في الإيمان (54)، وأحمد (9709)، عن أبي هريرة.

(4) متفق عليه: رواه البخاري (13)، ومسلم (45) كلاهما في الإيمان، عن أنس بن مالك.

(5) متفق عليه: رواه البخاري (12)، ومسلم (39)، كلاهما في الإيمان، عن عبد الله بن عمرو.

(6) التمهيد لابن عبد البر (17/91- 92).

(7) عن تميم بن سلمة، قال: مشى مع عبد الله ناس من أهل الشرك، فلما بلغ باب القصر سلم عليهم. رواه الطبراني (9/193)، وقال الهيثمي في المجمع (12790): رواهالطبراني، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن تميم بن سلمة لم يدرك ابن مسعود.

(8) عن ابن عجلان: أن عبد الله وأبا الدرداء،وفضالة بن عبيد: كانوا يبدؤون أهل الشرك بالسلام. رواه ابن أبي شيبة في الأدب من مصنفه (26266).