السؤال: لي إخوة غير أشقاء من والدي، توفي والدي وهم أطفال، حتى إن أصغرهم وُلِد بعد وفاة الوالد عليه رحمة الله، وهم يعيشون مع والدتهم التي هي زوجة أبي، ولا يوجد لهم أي مصدر دخل، وأنا أعمل في وظيفة محترمة، وأعطيهم ما يعيِّشهم في مستوى معيشة أهل بلدي.. قبل زواجي كنت أعطيهم ثلثي راتبي، ثم أكرمني الله بالسفر إلى السعودية، وكانت عليَّ ديون كثيرة لظروف الزواج، والحمد لله سددت كل ديوني، وفي خلال مدة تسديد ديوني لم أتأخر عن واجبهم عليَّ، وأحمد الله على ذلك.
والآن أنا أملك مبلغًا من المال تعدَّى النصاب، وسؤالي هو: هل يمكن اعتبار المبلغ الذي أعطيه لإخوتي هؤلاء غير الأشقاء زكاة عن مالي؟ عِلمًا بأن ما أُرسله لهم أكثر مما يجب عليَّ من زكاة، حوالي الضعف، وللعلم أكبرهم قد تخرج هذا العام من دراسته، وبقي اثنان في الدراسة، فهل يمكن اعتبار المبلغ هذا من الزكاة؟
جواب سماحة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
نعم، يمكن اعتبار هذا المبلغ الذي ترسله لإخوتك من الآن من الزكاة، ما مضى لا يُحسب من الزكاة؛ لأنك لم تكن تنوي به الزكاة، بل كان من قبيل البر بأبيك وصلة الرحم وإنفاق الأخ على إخوته، فلك أن تنوي من الآن أن نفقتك على إخوتك غير الأشقاء من الزكاة، وحتى لو كانوا إخوتك الأشقاء يجوز لك أن تجعل ما تنفقه عليهم من الزكاة، وسواء أكانوا إخوة ذكورًا أم أخوات إناثًا.
الذين لا يجوز للإنسان أن ينفق عليهم من الزكاة؛ هم الأصول والفروع، أي: الأب والأم والأجداد والجدات وإن علوا، والأبناء والأحفاد، وإن سفلوا، وكذلك الزوجة، أما الإخوة والأخوات، وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات وأولادهم، كل هؤلاء الأرحام يجوز أن يعطيهم الإنسان من الزكاة، فإذا كانوا محتاجين وكان قد تعوَّد أن يعطيهم مالًا؛ فيمكن أن ينوي أنَّ هذا المال الذي يرسله إليهم من الزكاة.
وإذا نوى بالنفقة على الأقارب الزكاة فله بذلك ثوابان، كما جاء في الحديث المعروف: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صلة، وصدقة"(1)، أي فيها أجران: أجر الصدقة، وأجر صلة الرحم.
ومِن هنا شاع عند المسلمين هذه الكلمة: الأقربون أولى بالمعروف. وهذا له أصل في كتاب الله تعالى، حيث يقول الله عز وجل: {يسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة:215)، فالأقربون أولى من غيرهم، فلا حرج على الأخ أن ينوي بما يرسله من مال لإخوته من الزكاة المفروضة؛ ما داموا مستحقين للزكاة، هذا هو الشرط، فلو أنهم تخرّجوا في جامعاتهم، وتوظفوا، وأصبح عندهم كفايتهم؛ فلا يجوز في هذه الحالة أن يعتبر ما يعطيه لهم من الزكاة، أما إذا كانوا من أهل الحاجة، وليس لهم دخل، أو كان لهم دخل لا يكفيهم، كأن كان أحدهم موظفًا في وظيفة راتبها ضعيف، ولا يكفيه، وليس له دخل آخر؛ فممكن أن يعطيه ما يتمم كفايته، وممكن أن يعطيه ما يتزوج به؛ لأن الزواج حاجة من حاجات الإنسان.
فإعطاء الزكاة للإخوة والأخوات أشقاء أو غير أشقاء لا حرج فيه إن شاء الله.
.....
(1) رواه أحمد (16233)، وقال مخرجوه: صحيح لغيره، والترمذي (658)، والنسائي (2582)، وابن ماجه (1844)، ثلاثتهم في الزكاة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3858)، عن سلمان بن عامر الضَّبي.