السؤال: بعض الناس يقول: إن نسيان آية من آيات القرآن الكريم التي حفظها الإنسان من الذنوب العظيمة. بل إن بعضهم يقول: إنها كبيرة من الكبائر؛ لذلك فإني أرى ويرى الكثيرون أن تلاوة القرآن بغير حفظ أولى، خوفًا من أن ينسى الإنسان ما حفظه، فيقع في هذا الذنب الكبير، فما رأي فضيلتكم في ذلك، وخصوصًا إذا كان النسيان بغير قصد؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

الذين يقولون: إن نسيان أي آية من آيات القرآن الكريم التي حفظها الإنسان من الذنوب العظيمة، يعتمدون على حديث رواه الترمذي وأبو داود عن أنس بن مالك: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَتْ عليَّ أجورُ أمتي، حتى القذاةُ يُخرجها الرجلُ من المسجد، وعُرِضَت على ذنوبُ أمتي، فلم أرَ ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتِيَها رجلٌ ثم نَسِيها"(1).

لكن أصحاب التحقيق من العلماء، وأئمة الحديث العارفين بصحيح الحديث وضعيفه قالوا: إن هذا الحديث ضعيف. والحديث الضعيف لا يؤخذ منه حكم شرعي، وهذا مقرر عند أهل العلم، وإن رَخَّص بعضهم في العمل بالأحاديث الضعيفة في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال، فيما ثبت أصله بالكتاب والسنة الصحيحة، واشترطوا لذلك ألَّا يكون الحديث شديد الضعف، بل ضعفه ضعف يسير، أما هنا ففي الحديث حكم بأن نسيان القرآن من أكبر الذنوب، وهذا لا يكفي فيه حديث ضعيف.

ومما يدل على ضعف هذا الحديث أننا لو أخذنا به، لمنع الناس من الحفظ؛ فحفظ القرآن ليس فرضًا، الفرض أن يحفظ الفاتحة وبعض آيات أو سور ليقرأها في صلاته، وما عدا ذلك ليس فرضًا، فإذا كان نسيان شيء مما حفظت كبيرة من الكبائر، أو ذنبًا من الذنوب العظيمة!! فسيقول كثير من الناس كما قال الأخ السائل: الأولى أن لا أحفظ القرآن!!

وعلى تقدير صحة الحديث فهو ليس في النسيان الذي يطرأ على الإنسان ويعرض له، ولكنه النسيان بمعنى الإعراض عنه وترك العمل، فيكون معنى الحديث على معنى قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طه:126).

قال ابن عيينة: النسيان المذموم هو ترك العمل به، وليس من انتهى حفظه وتفلت منه بناسٍ له إذا عمل به، ولو كان كذلك ما نسي صلى الله عليه وسلم شيئًا منه، قال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} (الأعلى:6-7)(2)، وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يقرأ في المسجد، فقال: "رحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، أسقطتهن من سورة كذا وكذا"(3).

ومع ذلك، فمطلوب من المسلم أن يحفظ القرآن لحديث عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه"(4)، وفي رواية: "إن أفضلكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه"(5)؛ وعليه أن يحرص على أن لا ينساه، وأن يتعاهده، كما جاء في الحديث المتفق عليه: "تعاهدوا القرآن، فوالذى نفسى بيده؛ لهو أشد تفصِّيًا (أي تَفَلُّتًا) من الإبل فى عُقُلها"(6). وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما مَثَل صاحب القرآن كمَثَل صاحب الإبل المعقَّلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت"(7)؛ فالقرآن يحتاج إلى تعهُّد ومراجعة مستمرة؛ ولذلك حفاظ القرآن يقولون: القرآن غلَّاب، أي: مهما حفظته قد يغلبك وتنسى منه شيئًا، وتشتبه عليك الآيات.

وعلاج النسيان أن يداوم الحافظ لكتاب الله على مراجعة القرآن ما استطاع، والأولى بحافظ القرآن أن يقرأ كل يوم بعضا من القرآن،  أن يقرأ من القرآن يوميًّا، ويقرأه في الصلوات، في كل صلاة يقرأ شيئًا مما يحفظ، حتى يظل القرآن حاضرًا حيًّا في ذاكرته ولا يضيع منه. أما إذا حفظ الإنسان الآية من القرآن ثم نسيها بغير تقصير منه فلا شيء عليه، ولم يصح ما ورد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكرنا.

...................

 (1) رواه أبو داود (461)، وابن خزيمة (1297)، كلاهما في الصلاة، والترمذي في فضائل القرآن (2916) وقال: حديث غريب، وضعف إسناده النووي في خلاصة الأحكام (884)، وضعفه الألباني في الجامع الصغير (8139)، عن أنس بن مالك.

 (2) شرح الزرقاني على موطأ مالك (2/11).

 (3) متفق عليه: رواه البخاري في الشهادات (2655)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (788).

 (4) رواه البخاري في فضائل القرآن (5027)، وأحمد (500)، عن عثمان بن عفان.

 (5) رواه البخاري في فضائل القرآن (5028).

(6) متفق عليه: رواه البخاري في فضائل القرآن (5033)، ومسلم في صلاة المسافرين (791)، عن أبي موسى.

(7) متفق عليه: رواه البخاري في فضائل القرآن (5031)، ومسلم في صلاة المسافرين (789)، عن ابن عمر.