تلقى فضيلة الإمام يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين دعوة من أخيه المجاهد الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة، لزيارة تونس، ولقاء أهلها وجماهيرها، الذين يكنون للشيخ الجليل كل حب وتقدير، ومودة.
ولم يتردد فضيلة الإمام في الموافقة على هذه الدعوة الكريمة، خصوصا أنها جاءت من أخ قريب إلى قلبه، كما أنها لزيارة بلد حبيب إليه، كم تاقت نفسه لزيارته، وملاقاة أهله.
فقام الشيخ بتشكيل وفد من علماء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرافقه، ضم علماء من بلاد شتى: منها: مصر، وقطر، والكويت، والسعودية، وسوريا، والسودان، وموريتانيا، ، وباكستان، والصين وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.
وعرض الشيخ القرضاوي الأمر على سمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، فأبدى سمو الأمير ترحيبه بهذه الدعوة المباركة، وأمر سموه بأن تصحب الوفد في هذه الرحلة طائرة خاصة على نفقة سموه الخاصة.
غادر وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى تونس ظهر يوم الخميس الموافق 3/5/2012م برئاسة فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد.
وضم الوفد:
1. د. علي محي الدين القره داغي - الأمين العام للاتحاد (قطر).
2. د. عصام أحمد البشير - مساعد الأمين العام للاتحاد (السودان).
3. الشيخ عبد الرحمن المحمود - عضو مجلس الأمناء (قطر).
4. د. خالد مذكور عبد الله المذكور - عضو مجلس الأمناء (الكويت).
5. د. عبد الغفار عزيز - عضو مجلس الأمناء (باكستان).
6. د. محمد الحسن الددو - عضو مجلس الأمناء (موريتانيا).
7. د. أحمد محمد أحمد الحمادي - عضو الاتحاد (قطر).
8. د. علي محمد يوسف المحمدي - عضو الاتحاد (قطر).
9. الشيخ عبد السلام البسيوني - عضو الاتحاد (مصر).
10. أ. وضاح عارف أمين خنفر - المدير العام السابق لشبكة الجزيرة (قطر).
11. د. معتز عبد اللطيف الخطيب - عضو الاتحاد (سوريا)
12. د. أكرم عبد الستار كساب - عضو الاتحاد (مصر).
13. الشيخ مجد أحمد مكي - عضو الاتحاد (سوريا).
14. الشيخ عبد الله سليمان السكرمي - عضو الاتحاد (مصر).
15. الأستاذ خالد عبد الله عبد الرحمن القفاري - عضو الاتحاد (السعودية)
16. إسماعيل إبراهيم متولي - مرافق الشيخ القرضاوي (مصر).
17. د. حسن فوزي الصعيدي - عضو الاتحاد (مصر).
18. أ. محمد السعيد - عضو الاتحاد (الصين).
19. أ. محمد عيادي - صحفي جريدة العرب.
20. أ. العربي الصامتي – صحفي جريدة الشرق.
استقبال حافل
وقد وصل الوفد إلى مطار قرطاج الدولي عصرا، وكان المطار مزدحما بالمستقبلين الذين وفدوا لتحية العلامة القرضاوي والوفد المرافق له، وكان في مقدمة المستقبلين الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية، والأستاذ الدكتور نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية، والأستاذ الدكتور عبد المجيد النجار رئيس فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتونس، والأستاذ الدكتور عبد الجليل سالم رئيس جامعة الزيتونة، والشيخ عبد الفتاح مورو أحد مؤسسي حركة النهضة، ومجموعة من العلماء والشخصيات العامة..
وما كادت قدم الشيخ تطأ أرض تونس، ليرى شباب تونس وشيوخها، ورجالها ونساءها، يرفعون اللافتات، ويرددون الهتافات، التي تحيي الشيخ القرضاوي والوفد المرافق له، وترحب بهم؛ ليجد الشيخ مكانته في قلوب أهل تونس، من أول ساعة لامست قدمه أرضها.
ورفع التونسيون المحتشدون خارج مطار قرطاج الدولي أصواتهم مرددين:
الشعب مسلم.. ولا يستسلم.
القرضاوي شيخ الإسلام.. الأمة معاك على الدوام.
يا عالمنا يا نبراس.. فلسطين لن تداس.
في حماك ربنا.. في سبيل ديننا.. لا يروعنا الفنا
فتول أمرنا.. واهدنا.. إلى السنن.
واجتمع الصحفيون حول فضيلة الشيخ الذي ألقى فيهم كلمة قوية معبرة، نبض بها قلبه، فنطق بها لسانه، وكانت كلمته تحمل الشوق والحنين إلى بلد من بلاد المسلمين، له في التاريخ الإسلامي أعمق الجذور، وفي قلب الشيخ المكانة المتميزة.
حيا فيها فضيلة الشيخ القرضاوي الجماهير التونسية، المتعطشة إلى الإسلام وعلمائه، والعائدة إلى جذورها الإسلامية، وقيمها الأصيلة، بعد رحلة طويلة تجرع فيها التونسيون مرارة التغريب والتضليل.
وقد بثت هذه الكلمة عبر الإذاعات والقنوات المحلية والعالمية، وترددت أصداؤها في الصحف المختلفة.
وكان الاستقبال الجماهيري الكبير بالقاعة الرياضية برادس، حيث استقبل التونسيون وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بحفاوة بالغة وحشود كبيرة بالقاعة المغطاة بالملعب الأوليمبي برادس جنوب العاصمة تونس، مساء ذلك اليوم.
ورحب الدكتور عبد المجيد النجار - رئيس فرع تونس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد ومجلس الأمناء، بوفد الاتحاد وبزيارته لتونس، وقال: إنه لشرف لتونس عامة ولفرع الاتحاد خاصة أن يستقبل كوكبة منيرة من العلماء يتزعمهم الكوكب الأكبر الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، موضحا أن هذا اللقاء كان حلما، ولكن نعمة الله جعلته واقعا معيشًا.
وأكد أن العهد البائد وضع خطة لتجفيف المنابع وقطع الشعب عن أصوله الدينية من القرآن والسنة وقطعه عن علماء الأمة، لكن فاتهم أن جذور الشعب الدينية تضرب في أعماق التاريخ.
أما الفيلسوف الدكتور أبو يعرب المرزوقي، فرحب في مداخلته بوفد الاتحاد، معتبرا الشيخ يوسف القرضاوي مربي الأجيال وشيخ الإسلام، وأجاب في مداخلته على سؤال واحد كان دائما يؤرقه ويؤرق جميع المسلمين منذ عصور الانحطاط إلى اليوم؛ ما الذي جعل هذه الأمة تصمد أمام جميع الهجمات من المغرب والمشرق. وقال أعتقد أن رموز المقاومة الإسلامية اليوم في جمعها بين بُعدي ولاية الأمر العلم والعمل، ذلك هو السر.
وقد اعتبر الشيخ راشد الغنوشي زيارة وفد العلماء من أيام تونس وأيام الثورة والإسلام بتونس، منوها بدور الشيخ القرضاوي في دعم الثورات العربية، قائلا: الشيخ ليس فقيها أصيلا فقط في علوم الشريعة، بل في السياسة والثورة.
وقال: لقد تعلمنا منه فقه الإسلام، وفقه الواقع، والفكر الوسطي الذي تلتقي عليه الأمة، وتونس تحتاج للفكر الوسطي، مرحبا بوفد العلماء بقيادة الدكتور القرضاوي الذي جاء ليرى ثمار زرعه الذي رعاه وأسهم في غرسه، شاكرا للشيخ مساندته لأبناء النهضة أيام محنتهم عبر أكثر من عقدين.
أحب تونس
من جانبه أكد الشيخ القرضاوي في كلمته التي ألهبت الجماهير، وتدافعت فيها الكلمات الممتزجة بالحب والبشاشة: إنني أحب تونس الشقيقة بإسلامييها وغيرهم من المناصرين والمعارضين، من الذين يحبونني والذين لا يحبونني؛ لأني أعلم أن هذا البلد بلد عربي إسلامي أصيل، إلا فئة قليلة سرقت البلد، ونهبت أمواله، وتركت الناس لا تجد عملا ولا سكنا ولا وظيفة، فإني أكرههم وأكره من يعادون الله ورسوله، والبقية كلهم أصدقائي..
هجم السرور عليَّ حتى إنه من فرط ما قد سرَّني أبكاني
وأضاف الشيخ: نريد لهذا الشعب أن يحيا حياة طيبة كريمة، فهو أول من أشعل الثورة وتبعتها دول أخرى؛ موضحا أن الفضل للمبتدي وإن أحسن المقتدي.
وحيا الشيخ الثورات في مصر وليبيا وسويا واليمن، وقال: إن ثورة سوريا ستنتصر إن شاء الله، ولا بد أن تنتصر؛ لأن الله يأبى أن ينتصر الظلم على العدل، وأن ينتصر الفساد على الحرية والصلاح، ولأن سنة الله أن يأخذ الظالمين أخذ عزيز مقتدر. وزاد: الشعب السوري يضحي كل يوم، ولن يخذله الله أبدا.
وأكد أن تونس تريد دولة ديمقراطية وإسلامية، وأن الديمقراطية في جوهرها أن يقرر فيها الناس مصيرهم بأيديهم، ويختارون من يريدون، فالإسلام يكره للإمام أن يؤم الناس في الصلاة وهم له كارهون، والإمامة في الصلاة صورة مصغرة من الإمامة الكبرى والعظمى.
وزاد: الإسلام يريد أن يختار الناس من يحكمهم، وأن لا يفرض عليهم من يقودهم بالسوط والسيف، منبها في الوقت نفسه إلى أن القرآن لا يلوم الفرعون وحده؛ بل يلوم من فرعنه وألَّهه، وجعله يستكبر على الناس لقوله تعالى عن فرعون:
{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } [ الزخرف:54].
وتحدث فضيلة الشيخ عن أهمية الديمقراطية والشورى وحث الإسلام عليها، داعيا للتمسك بديمقراطية حقيقية في تونس ترفض التزوير، موضحا في الوقت نفسه أن الدولة التونسية يجب أن تكون ديمقراطية وإسلامية أيضا.
القيروان
وفي صباح يوم الجمعة 4/5/2012م توجه الوفد إلى القيروان حيث خطب فضيلته المصلين في صلاة الجمعة بجامع عقبة بن نافع، وقد اكتظ المسجد بالمصلين كما امتلأت الساحات الخارجية بالتونسيين الذين حرصوا على لقاء الشيخ ورؤيته، وكما قال أحد علماء تونس: جاءوا ليجمعوا بين شرف اللقاء وفضيلة المعاصرة على شرط البخاري..
وأوضح فضيلته أن وفد العلماء زاروا تونس لتحية شعبها على ثورته وإعلان دعمه له، والوقوف إلى جانبه فهو الذي صنع ثورة شكلت قدوة لشعوب أخرى، مؤكدا أن الثورة السورية - وإن طالت معاناة الشعب السوري- ستنتصر بإذن الله ومشيئته.
واستهل القرضاوي خطبته مناديا: يا أبناء القيروان: المدينة الإسلامية التي بناها الرجل الصالح والفاتح الإسلامي عقبة بن نافع، الذي دخل هذه الأرض التي كان يسكن فيها السباع والدواب والأفاعي، لكنهم رحلوا عنها بعد أن أمرهم بالرحيل أمام أعين الجميع، ليسكن بها المسلمون.
وطالب التونسيين بحماية ثورتهم والعمل مع التواصي بالحق والتواصي بالصبر، والتمسك بالقيم الدينية، وتقوية العلاقات بين الشعب التونسي، والقيام بالخير والتعاون عليه في كل مجالات الحياة لبناء تونس المستقبل.
إلى سوسة
وفي مساء يوم الجمعة 4/5/2012م انتقل الوفد إلى مدينة سوسة الساحلية، بدعوة من الجمعية التونسية لأئمة المساجد؛ حيث ألقى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي كلمة جامعة بالجامع الكبير بسوسة بين المغرب والعشاء وقد اكتظ المسجد أيضا بالمصلين وامتلأت ساحات المسجد بالمحبين من أبناء تونس..
وقال الشيخ القرضاوي: إن الإسلام في تونس أصيل والشعب التونسي مسلم، ولن ينحرف عن إسلامه، الأمر الذي أفشل خطط العهد البائد فعادت لأصلها بفضل ثورة الشعب التونسي.
أبو لبابة الأنصاري
وفي يوم السبت 5/5/2012م انتقل الوفد إلى مدينة قابس في الجنوب الشرقي لتونس، حيث استقبل الوفد والي المدينة وأقام مأدبة غداء لهم بأحد فنادق المدينة، ثم انطلق الوفد في زيارة إلى جامع الصحابي أبي لبابة الأنصاري رضي الله عنه.
ثم انطلق أعضاء الوفد إلى مهرجان جماهيري ضخم، يجمع محافظات الجنوب في ملعب كرة القدم بالمدينة؛ ليلقى حفاوة بالغة، واستقبالا حارا، وصيحات مدوية، بالتهليل والتكبير والحمد: أن حقق الله آمال أهل تونس في أن تشرق عليها شمس العلم والعلماء من جديد.
وعبر فضيلته عن سروره، للاستقبال والحفاوة التي لقيها مع وفد الاتحاد في كل المناطق التونسية التي زارها انطلاقا من تونس العاصمة فالقيروان ثم سوسة حتى قابس.
ودعا فضيلته التونسيين للحفاظ على ثورتهم وحمايتها، معبرا في الوقت نفسه عن حبه لأهل تونس وتقديره لثورتهم التي تابعها يوما بيوم.
وأجهش الشيخ بالبكاء وهو يتحدث عن زيارته لجامع عقبة بن نافع، وصلاة الجمعة به، وزيارته لقبر الصحابي الجليل أبي لبابة الأنصاري بقابس، لافتا إلى أن هذه المعالم وغيرها، تدل على أن الإسلام في تونس أصيل، والشعب التونسي مسلم ولن ينحرف عن إسلامه، الأمر الذي أفشل خطط العهد البائد فعادت لأصلها بفضل ثورة الشعب التونسي.
وبارك فضيلة الشيخ القرضاوي لأهل تونس نجاح ثورتهم، مشيرا إلى ضرورة أداء واجب المسلمين نحوهم في أن يشدوا من أزرهم ويقووا ظهورهم، لكنه طالب التونسين أيضا بأن يقوموا بواجبهم نحو دولتهم، وأن يحيوا رسالة هذه الأمة: أمة الإسلام، أمة القرآن، أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يبنوا مستقبلهم ومستقبل بلادهم وأن يزرعوا الغد بجهادهم وجهدهم، خاصة بعد أن هيأت الثورة لهم سبل تحقيق ذلك.
تجديد الفقه السّياسي
وفي صباح الأحد 6/5/ 2012م افتتح المؤتمر الدولي: «نحو تجديد في الفقه السّياسي الإسلامي» الذي نظمته جامعة الزّيتونة بالاشتراك مع الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين بقصر المؤتمرات بالعاصمة تحت إشراف الدكتور المنصف بن سالم وزير التعليم التونسي..
حضر افتتاح المؤتمر إلى جانب الدكتور عبد الجليل سالم رئيس جامعة الزيتونة، رئيس فرع اتحاد علماء المسلمين بتونس الدكتور عبد المجيد النجار، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور المنصف بن سالم، والأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور علي القره داغي، ورئيس الاتحاد الدكتور يوسف القرضاوي، والأستاذ راشد الغنوشي وعدد كبير من السفراء والأساتذة والعلماء والمفكرين والباحثين والجامعيين من تونس ومن عدد من البلدان العربية والإسلامية.
وقد كان للشيخ كلمة رئيسية في الافتتاح، جدد فيها التعبير عن سروره بزيارة تونس وهي حرة بعد طول معاناة أهلها، وخاصة العلماء، ورجال الإصلاح منهم، مشيرا إلى أن حكام العهد البائد كانوا أشرس من الاستعمار في قطع صلة البلد بدينه وشريعته وقيمه.
وقال: زرت تونس قبل سنتين للاحتفال بالقيروان عاصمة للثقافة الإسلامية، لكن دون السماح لي بالكلام، إلا تصريحا تليفزيونيا قُطع وحُرف.
وقال: أحمد الله أن مد في العمر حتى رأيت تونس حرة، وقد عادت لأهلها ورأيت ما يشرح الصدر مشيرا لزيارته لكل من القيروان وجامع عقبة بن نافع وسوسة وقابس، مضيفا: جئنا لندعم تونس الثورة.
وأعرب أن الثورة التونسية لكل التونسيين، فهي ليست لأحد بعينه ولا لحزب أو حركة بعينها، داعيا التونسيين للدفاع عنها، وعدم السماح بتحريف أهدافها من تحقيق الكرامة والعزة والحرية.
وأكد أن عددًا من الدول رفضت استقبال مقر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأن الدوحة احتضنت مقره أخيرا، وبات له فرع في تونس ومصر، وغيرهما من البلدان، وهو يمثل كل دول العالم العربي والإسلامي، مؤكدا أن مقر الاتحاد الرئيسي في دولة قطر.
وقال الشيخ القرضاوي: إن التجديد في الدين أمر مشروع على أساس أنه لا يعني الهدم بقدر ما يعني إعادة البناء وإصلاح المفاسد والعودة بالدين إلى أصله، مشيرا إلى أن التجديد في الفقه السياسي مطلب ملحٌ، وبخاصة أن النصوص التي وردت فيه قليلة لكنها موجهة ومحكمة، ويجب النظر إليها والاهتداء بها وفق ما يقتضيه العصر والتطورات الجارية، وعدم الالتفات إلى الاجتهادات الماضية التي خالفت بعضها الأصول والنصوص القرآنية الواضحة.
وأوضح أن هناك دراسات عديدة في مجال الديمقراطية ويجب الاهتمام بها بما ينفع الأمة ويحل مشاكلها بالاهتداء بالشريعة.
وقال: تجديد الفقه السياسي الإسلامي يحتاج منا إلى العمل بقوة وأن يجتهد المعنيون ويضعوا ما يخدم الأمة ويحفظ لها كرامتها وحريتها، مؤكدا أن الشورى ملزمة بنص القرآن. وقال: إنه يرى أن النظام البرلماني ليس نظاما إسلاميا، ولا يمثل الأمير في الإسلام.
ودعا الشيخ التونسيين إلى بناء بلادهم بتحمل كل فرد مسؤوليته والقيام بدوره ومحاربة المفسدين والظالمين، وأن يحموا الثورة بالوحدة والتآخي رغم الاختلاف الفكري والسياسي.
تمكين الشعب
وفي صباح يوم الاثنين 7/5/2012 التقى الوفد بمعالي رئيس الوزراء الأستاذ حمادي الجبالي بقصر الحكومة بالقصبة.
ودعاه فضيلة الشيخ إلى العمل على رفع المظالم وتمكين الشعب من العمل والبناء لتنهض تونس، ودعا إلى عمل ملموس يراه الناس على أرض الواقع، وأن يثبت الإسلاميون أنهم قادرون على إدارة البلاد، وأن الإسلام دين الحق والعدل والإنصاف.
وأضاف فضيلة الشيخ أنه لمس في محادثاته مع رئيس الحكومة إرادة صادقة في خدمة البلاد، ورغبة ملحة في إرساء منظومة مبنية بعقلانية؛ تؤمن تحسنا مطردا للأوضاع في تونس.
وعبر فضيلته عن سعادته الكبيرة بزيارة تونس في أعقاب ثورتها المجيدة التي ألهمت العديد من دول الربيع العربي.
وعصر ذلك اليوم أجرى فضيلة الشيخ لقاء تلفزيونيا مع القناة الأولى التونسية، حول الثورات العربية، وعلاقة الشيخ بالزعماء العرب قبل الثورات، حيث أكد فضيلته أن علاقاته بالحكام إنما تبنى على مصالح المسلمين، وأنه كان يشفع للمستضعفين، ومنهم من حكم عليه بالإعدام في عهد القذافي، وكان لتدخل فضيلة الشيخ الأثر في العفو عنهم، وكذلك الوساطة من أجل الإخوان المسلمين في سوريا.
وتناول الحوار الحديث عن طبيعة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكيف ضُيق عليه، ولم تقبل دولة إسلامية أو عربية استضافة مقره، إلى أن استضافت مقره دولة قطر، وأصبح له فروعٌ في مصر والسودان وتونس وماليزيا وغيرها.
كما جاء الحديث عن حركة النهضة الإسلامية وزعيمها راشد الغنوشي، حيث أكد أنها حركة إسلامية وسطية، تحسن رد الفروع إلى الأصول، ولهم فهم مستقيم، يجمع ولا يفرق.
وفي مساء هذا اليوم التقى الوفد بعدد من الوزراء، منهم: د.رفيق عبد السلام وزير الخارجية، والمهندس علي العريض وزير الداخلية، ود. نور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية، ود. منصف بن سالم وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ود. عبد اللطيف المكي وزير الصحة، ود. محمد بن سالم وزير الفلاحة، والمهندس رضا السعيدي وزير الشؤون الاقتصادية، والمهندس رياض با الطيب وزير الاستثمار والتعاون الدولي، والمهندس عبد الكريم الهاروني: وزير النقل.
وقد ذكر الوزراء في هذا اللقاء بعض ما تعرضوا له من تضييق من قبل النظام السابق حتى كانوا جميعا بين سجين وطريد، وهو ما عبر عنه الوزراء بعبارة: (مدرسة يوسف) و(المهاجرون). وعبروا عن عزمهم المضي قدما نحو خير تونس والتونسيين.
بينما أكد الشيخ القرضاوي أهمية أن يرى المواطنون التونسيون شيئا ملموسا على أرض الواقع، وأن يرى من هؤلاء الوزراء شيئا جديدا، أن يجد الجائع الطعام، وأن يجد الخائف الأمن، وأن يجد العاطل العمل.
وثمن فضيلة الشيخ اختيار الشعب التونسي لحزب النهضة، وذكر أن هذا التمكين جاء مصداقا لقول الله تعالى: { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل:41] فهذا وعد للمستضعفين الذين حرموا من أوطانهم بغير حق أن يبوئهم الله في الدنيا، ثم يدخر لهم الجائزة الكبرى يوم القيامة.
الزيتونة
وفي صباح الثلاثاء 8 /5/2012 اختتم وفد الاتحاد برئاسة د. القرضاوي زيارتهم إلى تونس، بزيارة إلى جامعة الزيتونة..
وقال فضيلة الشيخ القرضاوي: إن نشأة جامعة الزيتونة أقدم من الأزهر الشريف، مشيرا لما تعرضت له من الظلم والإهمال والتضييق في عهد الرئيس الهارب الذي لا يعرف العلم والعلماء ولا يقدرهما، مؤكدا أن الشعب التونسي شعب مسلم لا يستطيع أحد أن يخرجه من الإسلام.
ودعا فضيلته إلى بناء جامعة الزيتونة من جديد لتستعيد دورها الحضاري، موضحا أنه على أبناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يساهموا في دعم الجامعة لتخدم تونس وإفريقيا، وتنفتح على كل العلوم ولا تقتصر فقط على العلوم الشرعية.
ثم غادر الوفد إلى مطار قرطاج الدولي، ومنه إلى الدوحة.
وقد تنقل فضيلة الإمام القرضاوي بين مدن عديدة في تونس، وكان كلما التقى بمحبيه في ولاية احتشد أهلها فامتلأت القاعة الرياضية برادس في العاصمة تونس، وكان فضيلة الإمام كلما انتقل من مدينة إلى أخرى ازداد إقبال الجماهير التواقة إلى الإسلام وعلمائه ورموزه، فكان الحشد الكبير في جامع عقبة وامتلأت ساحته، وظننا أن هذا هو أكبر عدد يمكن أن يأتي للقائنا، فإذا بالتونسيين في جامع سوسة الكبير - تلك المدينة الساحلية الخلابة - يأتون من كل صوب وحدب، يلتمسون ضياء العلم ونور العلماء، حتى ضاقت بهم ساحات المسجد الكبير، فحمدنا الله تعالى على ذلك، وأن تونس المسلمة قد خلعت عنها ثوب التغريب وارتدت حلة الإسلام الوسطي من جديد.
وعندما انتقلنا إلى ولاية قابس في الجنوب الشرقي من تونس، فاجأنا أهلها بالإستاد الكبير وقد كاد يمتلئ بالجماهير التونسية التي جاءت لتحيي شيخ الثورة، وإمام الوسطية، وترحب بالوفد القادم معه.
لقد كانت أياما رائعة، لم يهون عناء الرحلة، ولا مشقة التنقل، ولا كثرة الكلمات التي ألقاها الشيخ إلا روعة الاستقبال، وحفاوة اللقاء، ونضارة الوجوه.
لقد رأينا وجوها مشرقة، وقلوبا مخلصة، وعزائم صادقة، وهمما عالية، تزخر بها تونس، ورأينا تصميما قويا على النهوض بهذا الوطن وعلى تحمل هذه الأمانة.
وقد قامت الصحف العربية والعالمية بتغطية هذه الفعاليات، وأذاعت قناة الجزيرة وقنوات أخرى كثيرا من الفعاليات الجماهيرية.