في حواره مع صحيفة الأخبار المصرية يتحدث فضيلة العلامة عن رؤيته لتطورات الأوضاع في مصر، متطرقا إلى الفرق بين الحالة المصرية والتونسية والدور الذي لعبه الإسلاميون في الحالتين...
أجرت الحوار/ شيماء قنديل
بداية نحب أن نتعرف علي موقف فضيلتكم من الدعوة للعصيان المدني التي أطلقتها بعض القوي السياسية؟
هذه الدعوة مرفوضة تماما، فنحن نطالب المصريين في هذا الوقت الراهن الذي تمر فيه البلاد بأزمة مالية، أن يتعبدوا لله بأعمالهم الدنيوية والمعيشية من زراعة وصناعة وتجارة، وإدارة، وغيرها من الأعمال الإنتاجية والمعيشية كلها، وأن يخلصوا في أعمالهم لله، فالبركة بالإنتاج الوافر، وبالإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالي: »وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَي آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ« الأعراف:56.
ولماذا لا تحاول فضيلتكم أن تتبني أفكارا لمساعدة مصر في أزمتها المالية؟
أنا أتبني أفكارا كثيرة لمساعدة مصر في أزمتها المالية، وأعرف كيف نزلت احتياطاتها، وإنتاجها، وتوالت خسائرها، وشحّت مواردها في عهد الثورة، ولابد لنا جميعا من أن نفكر في هذا الأمر الذي يهم كل رجل وامرأة وشيخ وشاب وطفل، وقد روي عن سيدنا أبي ذر أنه قال: (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج علي الناس شاهرا سيفه؟!)، وقال علي بن أبي طالب: (لو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته)، واستعاذ رسولنا العظيم من الفقر والكفر، فقرن بينهما.
ولهذا نحن نطالب أول شيء بإعادة ما سرق وما نهب من المصريين في عهود الظلام والظلم الفائتة، وإعادتها إلي الشعب، وإلي خزينته العامة.
ونطالب بإيقاف كل ما كان يصرف عبثا وترفا إلي فئات بعينها بغير حق، كالوزراء والكبراء، وأولي بها الآن الفئات التي لا تجد طعاما يكفيها، ولا مسكنا يؤويها، ولا عملا يكفلها.
ونطالب بتحديد الحد الأدني للأجور، الذي لا يجوز أن يعيش أحد بأقل منه، ونسعي جاهدين لتوفيره لكل مواطن، فلا يجوز أن يوجد في الوطن الواحد من يضع يده علي بطنه يشكو من عضة الجوع، وبجواره من يضع يده علي بطنه يشكو من زحمة التخمة.
كما نطالب المصريين جميعا أن يقتصدوا في نفقاتهم، وألا يسرفوا فيها، وخصوصا الوزراء والكبراء ووكلائهم ومن الذين نطلب منهم أن ينفقوا ويضربوا المثل للشعب في هذه الفترة، كما قال علي بن أبي طالب: »إن الله يحب من أئمة العدل أن يخشوشنوا حتي يهون علي الفقير فقره«.
وعلي الشعب عامة أن يعمل علي تقليل الاستهلاك ما استطاع حتي أن النبي صلي الله عليه وسلم ليقول: »إذا سقطت اللقمة من أحدكم، فليمط عنها الاذي، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان«. رواه مسلم عن أنس.
ربما قال بعضهم: »ما قيمة لقمة حتي يلتقطها ويميط عنها الأذي والتراب ويأكلها« ونقول لأنه شرع لأمة عددها اليوم ما يقارب المليار وثلثي المليار، فلو أن كل واحد أضاع لقمة، أو ترك لقمة في الصحن في كل وجبة، فاضرب ذلك في عدد الأمة، وانظر كيف تكون الخسارة.
ثم علي الأمة العربية والإسلامية أن تشد أزر مصر في هذه المحنة الطارئة بالمعونة والقرض والمشاركة، وهذا فرض عليها، حتي تنهض مصر، وينهض العرب، وينهض المسلمون، وقد تحدثت مع بعض كبار المسئولين في قطر، فرحبوا بذلك وهم جادون، والأفكار في هذا الجانب وفيرة.
لكن مشاكل مصر ليست مادية فقط ، هناك - أيضا - مشكلة أخري وهي بعض من التوتر الذي يشيعه الإعلام حول علاقة الجيش بالشعب؟
في جمعة الاحتفال بإسقاط نظام مبارك، أشدت بالجيش المصري ولا زلت أشيد به، وأعتز به، وأري أنه لن يكون أقل وطنية من جيش تونس الذي وسع الثورة وحماها وساعد الشعب علي التخلص من زين العابدين وإن بدت بعض التصرفات في بعض الأحيان من المجلس العسكري المصري الأعلي للقوات المسلحة أزعجت بعض المراقبين وأقلقتهم علي مصير مصر، حيث يريد العسكريون أن يكون لهم وضع متميز خاص يميزهم عن غيرهم، ويفصلهم عن سائر الأمة وهو ما لا يقبله حر من أحرار مصر، فالكل مصريون، عسكريون ومدنيون، لا يستغني أحد عن الخضوع للقوي السياسية التي أنتجتها وانتخبتها الأمة كافة بملاينها الثلاثين، فلا بد للمجلس أن يكون كغيره من المصريين، علي أن يظل له وضعه وصيغته وتسليحه وإعطاؤه من الإمكانات المادية والبشرية ما يحتاج إليه، وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها، وما احتاج إلي السرية عومل في سريته.
بمناسبة المقارنة بين الجيش المصري والتونسي، هناك من يقارن - أيضا - بين الإسلاميين في تونس ومصر، ويرون أن إسلاميي تونس أكثر انفتاحا علي الآخر من إسلاميي مصر، وهذا هو سبب استقرار الأوضاع هناك إلي حد ما بشكل أفضل من مصر، هل تتفق فضيلتكم مع هذه الرؤية؟
نحن نحيي إخواننا وأحبتنا في تونس، ونهنئهم علي ما وفقهم الله إليه، فقد شرح الله لهم صدرهم، ويسر لهم أمرهم، وأسلس لهم عملهم، فانتخبوا رئيس المجلس، ورئيس البلد، ورئيس الحكومة، بسهولة ويسر، وانتقلت البلاد إلي مرحلة العمل والإنتاج والأداء في توازن وتكامل وإيجابية فذة، وإن كان هناك جوانب يشكو منها التونسيون، مثل سيطرت إعلام ابن علي حتي الآن، وأنا أقول لتونس: الفضل للمبتدي وإن أحسن المقتدي.
ولكن ثورة مصر، وإن جاءت بعد ثورة تونس، قد أثبتت وجودها وأبلغت الناس أنها ثورة معلمة، وجعلت من ميدان التحرير معهدا لتربية الناس علي معاني الثورة الحقة، وفيه تعلم الناس التضحية بالنفس والمال والراحة، وإيثار الأخ أخاه أو أخته بغطائه أو طعامه، بل عرض نفسه لتلقي الرصاص دفاعا عنهم.
وأري أن مصر مؤهلة أن تستمر في هذا الدور في مرحلة البناء المقبلة، لنضرب المثل للناس والعرب والمسلمين، وتسبق في هذا كما هو معهود، ولقد سمعت من كثير من إخواننا المنتخبين والناجحين من الإخوان والسلفيين والوسط والوفديين وغيرهم، من الكلمات الطيبة، والوعود الكريمة، ما يثلج الصدر، ولله الحمد والمنة ، اللهم ابعد عنا الفتنة وأسباب الفتنة.
بما أننا عدنا بالذاكرة مع فضيلتكم لجمعة الاحتفال بسقوط مبارك، هل تري فضيلتك أن العلاقة بين مسلمي وأقباط مصر لا تزال قوية، كما وصفتها في خطبة جمعة الاحتفال واعتبرتها أحد أسباب نجاح الثورة؟
هذا ما أتمناه، وأحسب أنه فريضة وضرورة، ولقد مرت بعض فترات حدثت فيها أحداث لا نرضي عنها جميعا، كدرت صفاء العلاقات، وغامت سماء المودة بين الإخوة المصريين بعضهم وبعض، مسلمين ومسيحيين ثم زالت هذه الغشاوة، وأظن أن الجو اليوم صاف وصالح لنؤكد هذه العلاقة القوية، ونفيد منها، وندخل الأزهر والكنيسة فيها، ونعمل علي إزالة الذين يريدون دائما التعكير والتكدير، فإن الأخوّة القومية هي الأساس، وقد رأيت الإمام حسن البنا يصحب أحد الأقباط في مؤتمر بطنطا ليتحدث عن قناة السويس، ورأينا الأستاذ لويس فانوس عضوا في اللجنة السياسية للإخوان في أيام المطالبات الوطنية، ورأينا وكيلة الشيخ السباعي في دمشق أيام الانتخابات ،ورأينا الدكتور حسان حتحوت كتب مقالا عنوانه: (إلي أخي جرجس)!، ونريد أن تحيا هذه الروح وتستمر، فالمودة خير من الخصام.
في تقييم فضيلتكم من المرشحين للرئاسة قادر علي الحفاظ علي هذه الروح بين عنصري الأمة ؟
كل الإخوة الذين رشحوا أنفسهم للرئاسة محترمون في نظري، وكلهم أهل لأن يقود ويتحمل المسئولية، وقد كان منهم الدكتور محمد البرادعي، الذي أعلن انسحابه من الترشيح، وكنت أري أن يستمر ولا ينسحب، وإن كنت أري بحكم تكويني وتجربتي: أن الإسلاميين المعتدلين المعروفين بالكفاية والأمانة، وبحسن الخلق، والمصابرة، والتجمل، والألفة مع الناس، هم أولي من غيرهم. وهم ثلاثة، صديقي الأستاذ الدكتور محمد العوا - حفظه الله - ، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور حازم أبو اسماعيل، ابن صديقنا العزيز الراحل، الشيخ: صلاح أبواسماعيل.
ولكني أفضِّل أخانا الحبيب الدكتور أبا الفتوح، لما أري فيه من صفات جمة، تؤهله لقيادة مصر في هذه المرحلة بالذات، فسنه أقرب إلي الملاءمة من كثير من المرشحين، ومواهبه وشخصيته السلسة مكنته من تحمل مسئوليات مصرية وعربية كثيرة، وأصبح لديه من الإمكانات والقدرات علي ملاقاة المشقات والعلاقات الصعبة بابتسامة هادئة، ومواجهة الملاحم بما يلزمها من إيمان وصبر علي الناس، وهو يمتلك ثقافة واسعة، وقدرة علي التجاوب مع أنواع البشر.
وقد جربته في مواطن كثيرة فوجدته الرجل الكفء الأمين كل ما أرجوه أن لا تخذله الإخوان وحزب (الحرية والعدالة) الذي يمثلهم بحكم أنهم لا يريدون أن يرشحوا إسلاميا للرئاسة، ولا أدري لماذا يتعصبون لهذه الفكرة، مادام الشعب قابلا لذلك، وقد جربوا في انتخابات البرلمان، فليتركوا لإخوانهم حق التصويت والاختيار، ولا يفرضوا عليهم وضعا مخالفا، وخصوصا في حالة الإعادة، وأحسب أن ترك الإسلاميين لهذا الأمر قصد لا يخلو من إثم، هذا رأيي أقوله لله تعالي، وأرجو من إخوتي أن يدرسوه ولا يضربوا به عرض الحائط.
وهل تري فضيلتكم أن الإعلام يقوم بدوره كما ينبغي في المرور بالثورة المصرية لبر الأمان؟
أري أن الأعلام المصري يقوم بدور كبير في التوجيه والإعلام والأخبار، وهو الواسطة بين الناس وبين ما يجري في الواقع، وهو متفاوت في موقعه، وأهله متفاوتون كثيرا فيما بينهم، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله.
ورأيي أن الإعلام مرت عليه سنة كاملة علي سقوط مبارك ونظامه الظالم المظلم، ولكن لم نر فيه شيئا تغير، إلا قليلا من أهل الإدارة، ولكن لم نر الإدارات الكبري في الصحافة والتليفزيون والإذاعة والقنوات المختلفة وكل أجهزة الإعلام تغير فيها شيء ذو بال، أو دخلت فيها عناصر جديدة، كل ما نراه أن مجلس الدولة قرر مشروعية دخول المحجبات إلي التلفزيون، وهل دخل أحد؟ لم نر ذلك.
ورأيي أنا لكي ننصف مصر الإسلامية، وننصف ثورتها باتجاهاتها وموازينها وصورها الرجالية والنسائية، علينا أن نفتح الأبواب واسعة أمام دخول الشباب والشابات الملتزمين بالإسلام، والفاقهين له، والقادرين علي إيصاله إلي الناس سليما بلا غرض، قويا بلا خلل ، سمحا بلا غش، وسطيا بلا قابلية للغلو والانحلال، ليراهم الناس مع إخوانهم وأخواتهم مثابرين ومثابرات، هذا ما أرجوه وأتمناه للإعلام المصري، وأرجو له من أعماق قلبي دوام التطور والإنتاج والتقدم للأمام، وأدعو الله العلي العظيم له بالتوفيق والسداد، وكل عام والأمة كلها بخير. »رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ« التحريم:8.
نأخذ الحوار مع فضيلتك لبعض المسائل الشخصية، وأسأل فضيلتكم هل تشعر أن الثورة أخذت حقك من نظام مبارك، الذي ظلمك كثيرا، واضطررت بسببه إلي ترك مصر؟
نحن قد تعلمنا في دعوة الإخوان المسلمين من قديم، ألا نطلب تعويضا عما أصابنا في مِحننا في دنيانا من ظالمينا، وإلا لطال طلبُنا، وطالتْ محنتنا، وإنما نقدم ذلك لله سبحانه، سائلينه أن يعوضنا عنه خيرا في دنيانا وآخرتنا، كما قال الله تعالي لرسوله: »يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَي إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ« الأنفال:70. الله تعالي أهل أن يعوضنا عما فاتنا من سنوات تقصر أو تطول، وعما أصابنا في أجسامنا وأنفسنا من آفات وجراحات، وعما أصاب أهلينا وأولادنا، وهو أهل أن يجزينا عنه خيرا في الأولي والآخرة، كما قال تعالي: »وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ« النحل:41.
وأنا أعتقد أن قيام الثورة في حد ذاته وانتصارها علي أهل الظلم والباطل، وإزالتهم من الوجود، هو أكبر انتصار لي ولأمثالي، وبزوال الظلم والظلمات قد أخذت الثورة بحقي.
وأحب أن أقول: إني لم أترك مصر بسبب الظلم الذي أصابني، لقد غادرت مصر سنة 1961م معارا من الأزهر إلي قطر، ثم في سنة 1965 طلبتني مصر، لتودعني مرة أخري في السجن الحربي، ولكني لم أسافر إلي مصر في تلك السنة، فقد جاءني من الأحداث ما أزعجني وأرقني، فلم أنزل مصر في تلك الإجازة، فحدث فيها ما حدث، ونجوت بفضل الله تعالي، واحتضنتني قطر. والإنسان يحمد الله علي العافية، ويرجو تفريج الكرب عن إخوانه.
ومتي سيعود الشيخ القرضاوي إلي مصر ليقيم بها إقامة دائمة؟.
سأعود إلي مصر حين يريد الله ذلك، ولكني أحب أن أقول: إني أعتبر البلاد العربية بل البلاد الإسلامية، كأنما هي بلد واحد، ويجب إزالة الحدود فيما بينها، كما بين دول الاتحاد الأوربي، فلا أشعر بالغربة وأنا في قطر، ولا أجدني بعيدا عن مصر، وأستطيع أن أقترب من مصر أكثر عن طريق الإعلام، علي أنه لا يسعدني كثيرا أن أقول للناس الذين آووني ونصروني في ساعة الشدة، وغمروني بعواطف الحب والمودة: سأترككم وأرجع إلي بلدي الأصلي، فكلها بلادي. كما قال الشاعر:
إذا كان أصلي من تراب فكُلها بلادي وكل العالمين أقاربي
ما موقف فضيلتك من منع دخولك لأمريكا، والاتهامات التي تلقيها إسرائيل علي فضيلتك بسبب تأييدك للعمليات الانتفاضية الفلسطينية؟
أمريكا حاربتني بطرق شتي، فقبل أن تمنعني من الدخول إلي أراضيها، قبل أحداث سبتمبر 2001 بفترة، كانت تتهمني بأني أثير المسلمين علي اليهود، وتتفنن في جمع كلمة من هنا، وكلمة من هناك، وكنت أذهب في ذلك الوقت سنويا إلي أمريكا، لحضور مؤتمرات المسلمين هناك، وكان يحضرها مسئولون من المخابرات وغيرها، ويسمعون كلامي ويثنون عليه.
وقبل أن يمنعوني بشهر واحد، أقمت هناك مؤتمرا لعلماء المسلمين، اختارني رئيسا له، وحضره ممثلون من الأزهر وغيره من مسلمي الشرق، وانتهينا إلي قرارات رائعة في صالح مسلمي أمريكا، وعلاقتهم بغيرهم من أهل أمريكا. ثم فوجئت بعيدها بمنعي من دخول أمريكا، فكان الذي أبلغني بذلك الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وزير خارجية قطر، وطلب مني أن أكتب لهم بعض كلمات ترطب قلوبهم، فلم أستطع ذلك، وحاولتْ قطر أن تخفف من غلوائهم فلم يمكنها ذلك.
ولست وحدي الذي يجيز هذه العمليات الاستشهادية للفلسطينيين فكثير من العلماء يجيزونها, ولكنهم يعتبرون إجازتي هي الأشد خطرا والأبعد أثرا علي أمن إسرائيل، ووقفتْ ضدي في كل مكان، وحاولت أن تمنعني من دخول أوربا نفسها، وهو ما نجحت فيه إلي حد كبير، فلم أعد أستطيع أن آخذ تأشيرة (الشنجن)، حيث تعترض بعض البلاد، فلا أستطيع الذهاب إلي لندن، مع أن ثلاثة من بناتي حصلن علي الدكتوراة في العلوم من لندن وجاراتها، لا أستطيع الذهاب إلي ألمانيا، ولا إيطاليا، ولا سويسرا، ولا غيرها، كل ما سمحتم لي به فرنسا، وهو شهر للسفر والعلاج.
وقد قلت للتليفزيون البريطاني في لندن حين أرادوا إخراجي منها سنة 1994م، بوساطة اللوبي الصهيوني، وقد سألوني عن موقفي من العمليات الاستشهادية، فقلت لهم: إنها عملية أوجدتها الضرورة للفلسطينيين، لحمايتهم من أعدائهم، الذين يضربونهم من البر والبحر والجو، ويستخدمون أقصي العقوبات عليهم، أعطوهم من دبابات البر، ومن زوارق البحر، ومن أسلحة الجو بعض ما عندكم، وفي هذه الحالة تتوقف العمليات، أما إذا كان عندكم كل ذلك وأكثر منه، فاسمحوا لهم أن (يقنبلوا) أنفسهم، لينقذوا قومهم.
ماذا تفعل لتُبرِّئ ساحتك من كل الاتهامات المتلاحقة التي تواجهها؟
أنا أفعل ما أقدر عليه، ولا أستسلم لما يقوله هؤلاء الأفّاكون، الذين يفترون علي الله وعلي الناس الكذب وهم يعلمون، لقد اتهموني في وقت من الأوقات في أمريكا بأني شديد التعصب، وأني أفعل كذا وكذا، وساقوا أكاذيب وتلفيقات يروجون بها كذبهم، وكلها فرية، وقد وكّلت محاميا قديرا من قطر، هو الشاب الواعد الصاعد الدكتور خالد محمد العطية وزير الدولة للشئون الخارجية اليوم، معه الدكتور سعد ـالجزائري الذي يعيش في لندن، ويعمل علي مستوي القارات، وقد ترافعوا في القضية التي دامت مدة طويلة، ثم انتهت ببراءتي، ولله الحمد.