الدوحة - دعا العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى إطلاق الأحزاب والنخب والجماعات ورجال الأزهر والكنيسة في مصر حملة عامة للمطالبة بتعديل الدستور ليعطي فرصة متساوية للجميع من أجل الترشح للرئاسة.

واعتبر أنه ليس من حق جمال مبارك نجل الرئيس المصري الترشح للرئاسة في ظل الأوضاع الدستورية التي تقيد حق غيره من المصريين في الترشح، ناصحاً إياه ألا يترشح حتى لو تم تعديل الدستور بما يكفل حق الترشح للجميع.

ورأى القرضاوي في حوار شامل مع جريدة "الشروق" المصرية نشرته اليوم الأربعاء 20-1-2010 أن مصر تعيش "في كابوس" و"لن تستعيد دورها ومكانتها إلا بالديمقراطية الحقيقية، وبفتح نوافذ الحرية".

وتعرض القرضاوي في حواره إلى العديد من قضايا السياسة الداخلية والخارجية لمصر مثل الانتخابات الرئاسية وانتخابات جماعة الإخوان المسلمين ومشاكل الأقباط، والجدار الذي تبنيه مصر تحت الأرض على حدودها مع غزة، وانتقل منها للأوضاع في غزة والخلافات الفلسطينية الداخلية.

تعديل الدستور

فيما يتعلق بقضية التوريث، اعتبر الشيخ القرضاوي أن من حق جمال نجل الرئيس محمد حسني مبارك والأمين العام المساعد للحزب الوطني الترشح للرئاسة، ولكن "كواحد من المصريين... وأن يختاره الشعب بحرية وشفافية"، مشيرا إلى أن هذا لن يتم إلا بتعديل الدستور وتغيير الأوضاع الدستورية المقيدة لغيره من الترشح.

وشدد القرضاوي على أن الرئيس القادم لمصر يجب ألا يكون بالوراثة وإنما "يختاره الشعب بكل حرية وبملء إرادته ولو مرة".

ودعا في هذا الصدد إلى إطلاق "حملة عامة تشمل الجميع؛ الأحزاب والنخب والجماعات ورجال الأزهر والكنيسة والجميع، للمطالبة بضرورة تعديل الدستور حتى يعطي فرصة متساوية للجميع من أجل الترشح للرئاسة، وإلا فمعنى ذلك أننا نضحك على أنفسنا".

وفي السياق نفسه وجه نصيحة لنجل مبارك بأن ينسحب قائلا: "أنا لو من جمال أنسحب وأريح نفسي".

وبين أنه على أولاد الرئيس مبارك: "أن يقولوا (لأنفسهم) لقد أخذنا نصيبنا ثلاثين عاما (مدة حكم الرئيس مبارك)، فعلينا أن نعطي لغيرنا فسحة، وإذا كانت مغنما فقد حصلنا على المغانم، أما إذا كانت مغرما فحسبنا ما تحملناه".

مكانة مصر

وربط القرضاوي بين الانتخابات الرئاسية وتوفير الديمقراطية وبين استعادة مصر لمكانتها.

وردا على سؤال حول كيفية استعادة مصر لمكانتها التي تراجعت على جميع المستويات داخليا وخارجيا، أكد القرضاوي أن مصر "لن تستعيد مكانتها وعافيتها ودورها إلا بفتح نوافذ الحرية، واستخراج الطاقات الكامنة والمكبوتة"، حتى "تظهر الشخصيات وتتنافس (في انتخابات الرئاسة)، فالديمقراطية الحقيقية هى الحل وليست المزيفة".

وشدد على أن "مصر ولادة وبها من الكفاءات والخبرات الكثير"، ولكنه رأى أن "الكبت لا يجعل أي شخصية تظهر".

وأعرب عن اعتقاده بأن النظام الحالي لن يسمح بفتح نوافذ الحرية، معربا عن توقعاته بأن يكون هناك مرشحون في الانتخابات الرئاسية القادمة بالاتفاق مع الحكومة "يلعبون دور الديكور ليكون هناك شكل للديمقراطية".

واعتبر القرضاوي أن الحل هو "الضغط الشعبي حتى يستطيع الشعب أن يقول لا وبقوة، ولابد أن يشعر الشعب المصرى بأن الحرية والإرادة السياسية الوطنية أهم من المأكل والملبس".

وشدد مجددا على ضرورة "توعية الشعب عن طريق الإعلاميين والتربويين وكل من لديه فكر وحكمة".

وأجمل القرضاوي وصف الوضع في مصر بأنه "كابوس"، داعيا الله أن يخلصها منه، قائلا: "ربنا يأخذ بأيدي مصر ويخلصها من الكابوس، فمصر قوة لها ثقلها بالمنطقة إلى جانب تركيا وإيران"، مشيرا إلى أنها "البلد الوحيد الذي أرتاح فيه وأحب أن أستقر به".

الإخوان والأقباط

وفيما يتعلق بانتخابات الإخوان المسلمين الأخيرة، دعا الدكتور القرضاوى د.محمد بديع المرشد الثامن لجماعة الإخوان المسلمين "أن يكون مرشدا لكل الإخوان بكل اتجاهاتهم، وأن تكون مهمته هي حماية راية الإصلاح والتجديد، وألا يكون أسيرا لفكر واحد أو مدرسة واحدة".

وبرغم اعتباره أن الأزمة التي أعقبت "استبعاد" د.محمد حبيب ود. عبد المنعم أبو الفتوح من انتخابات مجلس شورى الإخوان قد انتهت بانتخاب بديع مرشدا، لكنه نصح بديع بأن يستعين بـ"أبو الفتوح وحبيب إلى جانب عصام العريان وبكل الإخوة جميعا".

لا مشكلة طائفية

وفي شأن داخلي آخر يتعلق بما يثار حول التوتر الطائفي بمصر، رأى الشيخ القرضاوي أنه ليست هناك مشكلة بين المسلمين والأقباط في مصر، معتبرا أن "هناك تهويلا من البعض، وهناك من يتعمد الإساءة للعلاقة بين المسلمين والأقباط".

وأشار إلى أن "حادث نجع حمادى حادث فردي قام به رجل لا متدين ولا أي شيء"، مبيناً أن "الثأر" يقف خلف معظم أحداث التوتر الطائفى.

ولفت إلى أن الإشكالية أن الكنيسة تأخذ أحيانا "دور الانكماش والتخويف والتهويل، مثلها في ذلك مثل دول الغرب التي تخشى من ظاهرة أطلقوا عليها "الإسلاموفوبيا" وهذا لا أصل له".

قضية غزة

وبشأن الأوضاع في غزة، اعتبر الشيخ القرضاوي أن أحد أسباب تفاقم قضية غزة هو "ضعف الحكام وعدم استطاعتهم أن يقولوا (لا) للأمريكان ولإسرائيل".

واعتبر أن المظاهرات والمسيرات التي جابت الشوارع العربية والإسلامية تنديدا بحصار غزة هي "استفاقات جزئية"، معربا عن أمله بأن تتحول "إلى شيء عام يرفض هذه الأوضاع ويحاول تغييرها ويجبر الحكام على التغيير، لأنه مهما كانت ملاحظتنا على الحكام فهم إفراز الشعوب".

وتابع: "الشعوب عليها أن ترفض هذا الوضع ولا بد أن ندعمها ونقوي من مظاهراتها والعمل على تجميعها بحيث تضغط على الحكام والفلسطينيين لتغيير موقفهم".

كما شدد أيضا على أن اختلافات الفلسطينيين مع بعضهم البعض أحد أسباب مشكلة غزة، داعيا إياهم إلى "لمّ الشمل وجمع الصف وتوحيد الكلمة والوقوف صفا أمام العدو".

واعتبر أن المقاومة هي الأساس لنيل الحقوق "فإسرائيل لا تعطي لمن يريد أن توهب إليه الحرية"، مشيرا أن "الذين صاروا في طريق التفاوض من مدريد إلى اليوم لم يحصلوا على شيء".

ورأى أن المخرج إزاء اختلاف الفلسطينيين حول المقاومة أو التفاوض بأن "يكون لنا موقف نحن العرب والمسلمين في نصرة الحق ورفض الباطل، لكن أن يظل موقفنا مائعا فهذا لا يصلح، كما يجب أن نقول للمخطئ أنت مخطئ وعليك تغيير طريقتك".

غزة.. تركيا ومصر

وفي رده على تساؤل حول ما إذا كانت تركيا بدأت في سحب البساط من مصر بشأن دورها في المنطقة العربية، أوضح القرضاوي أن "مواقف تركيا القوية الحقيقية ظهرت بقوة في المرحلة الأخيرة"، مشيرا إلى أنه "كانت لهم مواقف عديدة مشرفة ضد إسرائيل كانسحاب أردوغان من بعض المؤتمرات احتجاجاً على ممارسات إسرائيل، وفي أيام محنة غزة العام الماضي شكلنا وفدا من علماء المسلمين وزرنا بعض البلاد منها تركيا التي استقبلتنا وكان لها موقف مشرف".

وبين أن هذا جاء في الوقت الذي رفضت فيه مصر استقبال الوفد، وتقوم حاليا "ببناء جدار لتجويع أهل غزة وتمويتهم".

وتعرض الشيخ القرضاوي لعدد من الفتاوى التي تتعلق بغزة بشكل أو بآخر، ففيما يتعلق بتحريمه للجدار الذي تبنيه مصر رفض ما ذهب إليه البعض بأنها "فتوى سياسية"، مشددا على أن "العالم إذا سئل في أي موضوع عن حكم الشرع فيه فعليه أن يفتي بما يراه، فبإجماع المذاهب والفرق المختلفة أن الشريعة تطبق على جميع أفعال المكلفين فلا يخرج فعل من المكلفين سواء كان صاحبه حاكما أو محكوما عن أحكام الشرع".

وبين أنه "لا يوجد بالشرع ما يسمى بأن السياسة بعيدة عن الدين"، ورد على من يقول بهذا الأمر: "ولماذا تلجأ الدولة لاستفتاء علماء الدين لاستشارتهم في أمور بعينها عند الحاجة كما حدث في قضية زرع الأعضاء وختان الإناث".

وتابع: "فيما يخص الجدار، فالأمر لا يحتاج إلى الرجوع لمتخصصين، فالمسألة بديهية.. هل يجوز للإنسان أن يحاصر إخوانه حتى يموتوا جوعا؟!".

وبين أنه "من الخطأ القول إن الجدار دفاع وحماية لأمن مصر القومي"، مشيرا إلى أن "هذا خطأ يكرس القطرية ولا تقوم به عروبة ولا إسلام".

وشدد على أنه "لا يمكن أن تأمن مصر وغزة غير آمنة، والحكم الشرعي يقول في ذلك: إن احتل بلد على أهله أن يقاوموا ويقاتلوا العدو، فإذا قدروا فبها، وإن لم يقدروا فعلى جيرانها الأقرب فالأقرب حتى يشمل المسلمين جميعا، والأقرب لغزة هي مصر".

ورفض القول بأن مصر قد وقعت تحت ضغوط أمريكية فيما يخص بناء الجدار، قائلا: "أمريكا لا تستطيع أن تفرض شيئا على أي دولة إذا لم يكن لدى هذا البلد قابلية للاستجابة، ويمكن أن تستجيب لضغوط في مقابل تمرير كذا أو غض الطرف عن كذا أو تأييد كذا، بمعنى شيلنى واشيلك".

على صعيد متصل، أجاز القرضاوي توجيه فوائد البنوك للتبرع بها لأطفال غزة؛ "لأنهم مشردون يستحقون الزكاة، فهم فقراء ومساكين وأبناء سبيل، كما أنهم في سبيل الله ويجوز أيضا أن تنفق الأموال المحرمة عليهم".

كما أجاز أن تدخل عوائد العمليات المشبوهة كالمخدرات وغيرها ضمن هذه التبرعات في حال توبة من يقومون بهذه التجارة "بشرط أن تكون نية صاحبها هو التطهر منها، علما بأنه لن يكون له ثواب الصدقة... لكنه له ثواب من جهة أخرى حيث إنه تعفف أن يدخلها جيبه أو بيته".