د. يوسف القرضاوي

رحب فضيلة العلامة د.يوسف القرضاوي-رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- بخطاب اوباما الى العالم الاسلامي، وقال في خطبته للجمعة بجامع عمر بن الخطاب: نحن لا نرحب به على انه سيحل المشاكل بل على انه بداية للتعامل مع العالم الاسلامي على اساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مقرين بانه رجل حاول التودد للمسلمين محاولا ان تكون لغته غير مستفزة خلافا لما قبله مثل بوش الذي قال يوما اننا نخوض حربا صليبية ثم اعتذر، منوها الى جذور اوباما الاسلامية والافريقية راجيا أن تؤثر تلك الجذور عليه، وملمحا في ذلك لاستنكاره بوضوح الاستيطان الاسرائيلي ولم يصف حماس بأنها ارهابية، ورد فضيلته على وصف اوباما لحماس بالعنف بينما لم يصف اسرائيل بالعنف ورأى ان ذلك عجب، مقارنا بين الموقفين موقف حماس الذي هو موقف الدفاع عن الارض والحرمات ومن حق المدافع ان يستخدم القوة للدفاع عن ارضه وعرضه وحماه، غير اسرائيل العدوانية التي قامت من اول يوم على العدوان والاغتصاب وهتك الحرمات. وتابع فضيلته: ان محاولته المساواة بين القرآن والتوراة في الدعوة للسلم غير موفقة و ما رأيت في التوراة آية او فقرة او جملة تدعو للسلام حتى انهم يسمون الله سبحانه رب الجنود، وليس رب العالمين! مستبيحة كل اهل اي بلد يدخلونها ما داموا ليسوا من اليهود.. انها فكرة استئصال (أبِدْهم عن بكرة ابيهم) وقال: نحن على كل حال لا نسرف في التفاؤل بهذا الخطاب ولكن نقول لعله خطوة من الخطوات ولعل الرجل يغير من سياسة امريكا ولو تغييرا جزئيا على مراحل، ولكن ما رأيناه يدعو للاسف: يخرج الجنود من العراق ليبعث بهم الى افغانستان: يستبدل حربا بحرب مع المسلمين.. وقرر: نحن لا نعتمد الا على الله وحده ثم على انفسنا فاذا رأى خصومنا قوتنا ووحدة صفنا احترمونا وحاولوا ايجاد حلول لمشاكلنا، اما اذا حارب بعضنا بعضا فان من لم يحترم نفسه لم يحترمه غيره.. مشيرا الى ان هناك أناسا اسرفوا في التفاؤل حول خطاب اوباما للعالم الاسلامي ظنا بان امريكا قد غيرت سياستها، وهو من السذاجة التي لا يصح ان تقابل بها مثل هذه الخطب السياسية، وآخرون يرفضون الخطاب من اساسه بل يدعون لطرد الرجل وعدم السماح له بالمجيء اصلا الى ديارنا. وقال: يجب ان نعلم ان امريكا لا يحكمها رجل واحد، فهو بلد مؤسسات، ثم هناك مواريث تحكم البلد ولا اظنها تهمل بسرعة.

في ذكرى النكبة

ووجه فضيلته كلمة في خطبته الثانية عن ذكرى النكبة الثانية فاستنكر فضيلته في ذكرى النكبة الاولى تهنئة بعض الزعماء العرب لاسرائيل بذكرى استقلالها، يهنئهم بالنكبة الكبرى! وفي النكبة الثانية هذه قال ان بعضهم سماها النكسة ولا ادرى لماذا؟ كأنهم كانوا منتصرين ثم انتكسوا، لكنهم ما انتصروا للاسف في معركة ضد اسرائيل، سمها كما تسميها فقد حدثت منذ اثنتين واربعين سنة وقبلها كنا نملأ الدنيا صراخا اننا سنؤدب اسرائيل ومن وراءها وسنفعل وسنفعل ثم ما اسرع ما كانت الهزيمة: حرب الايام الستة لكنها في نظري حرب الساعات الست فقد ظهرت الحقيقة للعيان وانتصرت اسرائيل، وضربت المطارات وتحتل ما تريد بسرعة البرق وذهبت الصيحات التي كنا نسمعها ولم تغن شيئا لاننا دخلنا المعركة ولسنا مع الله ولم يكن الله معنا، كنا ننظر الى كل جهة الا جهة السماء، فلم نقل يارب، ولم يوزع المصحف ووزع على الجنود الا صور الممثلين والممثلات ودخلنا المعركة وليس معنا القرآن ودخل اليهود المعركة ومعهم التوراة، دخلوا يهودا ولم ندخل المعركة مسلمين فانتصروا علينا؛ انتصرت القلة على الكثرة وكانت النكبة الثانية.. واحتلوا ما احتلوا من مصر والاردن وسوريا، واصبحت فلسفة العرب ازالة آثار العدوان — عدوان 67، لا ازالة اسرائيل التي تأسست على الباطل! ومازالت اسرائيل تحتل الضفة والقدس وتفعل ما تشاء بالقدس وتغير معالمها وتهود المدينة ويهدد المسجد الاقصى بالخطر بحثا عن هيكل مزعوم بالحفريات والعرب والمسلمون في غفلة عن القدس والمسجد الاقصى حتى ان بعضهم يحاولون التطبيع مع اسرائيل! لابد للامة ان تتنبه للخطر وما يحيق بالقدس وبالمسجد الاقصى.

الوحدة المفقودة

وفي الوحدة الاسلامية قال فضيلته: ماذا أصاب المسلمين؟ نقرأ الصحف كل يوم ونطالع نشرات الأخبار فنجد أن المسلمين وحدهم هم الأمة المتفرقة حيث يتجمع العالم ويتنادى الناس بالوحدة والتقارب في كل مكان والمسلمون وحدهم هم الذين يتباعدون بل يتجافون ويتقاتلون، متسائلا: ماذا حدث لهذه الامة؟! وداعيا للنظر الى فلسطين والصومال والعراق والى افغانستان وباكستان للنظر الى اقتتال المسلمين بعضهم بعضا، متحسرا على وصول الامر الى ان يقاتل الاسلاميون دعاة الحركة الاسلامية بعضهم بعضا! وقال: أليس هذا ما يجري للاسف في الصومال؟معلقا: يا قوم الا يجوز ان يحتكموا الى من يصلح بينهم؟ ان افساد ذات البين هي الحالقة.. تحلق الدين؛ التفرق هو الكفر، منوها الى دعوة الاتحاد العالمي لعلماءالمسلمين للمتفرقين والمقاتلين الى ان يجلس بعضهم الى بعض ولكن لا حياة لمن تنادي!

القدوة

في خطبته الاولى واصل فضيلة الشيخ القرضاوي سلسلة خطبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم كأنموذج للقدوة من خلال سيرته صلى الله عليه وسلم وبعد ان تناول فضيلته سيرة الرسول معلما من جوانب مختلفة تناول سيرته وكيفية كونه معلما صلى الله عليه وسلم فقال ان له منهجه واساليبه في التربية غير ما عرفناه من تلك الاساليب مما استوردناه من الغرب الذي يرى اننا عالة على غيرنا.. ووصف ذلك بانه جهل بتراث هذه الامة وما عندها من كنوز في الحكمة والمعرفة.. قال: من درس منهجه عليه الصلاة والسلام في التربية عرف ان هذه القيم التي يرونها حديثة هي قيم قديمة وقد قدمتها في كتاب لي: "الرسول والعلم" قدمته في المؤتمر العالمي للسيرة النبوية الذي عقد بالدوحة بمناسبة القرن الخامس عشر الهجرى كان هو اسوة للناس في حسن التربية، في الطريقة المثلى في تربية المتعلمين وتربية الناس اجمعين فكان يربي الشخصية المسلمة المتكاملة المتوازنة لا يربي انسانا للدنيا وحدها ولا لحياته الفردية والاسرية ولا علاقة له بالجماعة والامة ولا يربي انسانا روحيا واخرويا منزها عن الحياة الدنيا وتياراتها؛ انه يربيه لهذا كله: للدين وللدنيا للاولى وللآخرة للفرد وللجماعة للاسرة وللامة.. انه انسان سورة العصر فلا يكفي ان يكون الانسان صالحا في نفسه ولا يهتم باصلاح غيره، انت مسؤول عن غيرك انت لبنة في بنيان وعضو في جسم كبير فلا يسعك ان تعيش وحدك بعيدا عن الامة وهو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي المسلم عليه..

سؤال واثارة

وتحدث فضيلته عن اساليب التربية التي كان يتخذها صلى الله عليه وسلم فقال انه كان يربيه على كل الاساليب التي تصنع منه انسانا متوازنا بغير طريقة الالقاء وكفى كما اصنع الآن، لا بل احيانا وهو يخطب يثير السائلين الحاضرين ويشركهم معه ففي حجة الوداع سألهم: اي يوم هذا يومكم؟ قالوا: الله ورسوله اعلم فقال: اليس هذا يوم النحر؟ وسال: اي شهر هذا؟ اليس شهر ذي الحجة؟ واي بلد هذا اليس البلد الحرام؟ ثم قال: ان الله حرم عليكم دماءكم واموالكم واعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.. بهذا الاسلوب الحواري كان يعلمهم اكثر الامور.. ويسألهم ليعلمهم كما في سؤاله: ايكم مال وارثه احب من ماله؟ حتى قال: فان مال وارثه ما اخر وماله ما قدم.. واحيانا يذكر اللفظة تثير السؤال: انصر اخاك ظالما او مظلوما فقالوا يارسول الله ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ فقال تأخذ على يديه تمنعه من الظلم فذلك نصره.. وروي ايضا: اذا التقى المسلمان فالقاتل والمقتول في النار فيسالونه: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ ويرد: نعم انه كان حريصا على قتل صاحبه.. كان يسألهم عن بعض الالفاظ ثم يشرح لهم معنى آخر غير المعنى المتبادر منها كما يقول لهم: ما تعدون الصرعة فيكم؟ ثم يقول انما الصرعة من يملك نفسه عند الغضب.. هذا هو الرجل الشديد القوي. ثم ايضا: اتدرون من المفلس؟ ويحدد هو المفلس: من جاء يوم القيامة ومعه صلاة وصيام وزكاة وحج ولكنه شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار. والعياذ بالله.

رفق وتوجيه

وقال ان ابي بن كعب سأله الرسول: اي آية في كتاب الله اعظم؟ قال: الله ورسوله اعلم ثم ساله مرة اخرى قال: الله لا اله الا هو الحي القيوم...آية الكرسي ورد: ليهنك العلم ابا المنذر. وعرف ان ابي بن كعب التفت الى معاني الآيات وعرف ان هذه الآية التي فيها الثناء العظيم على الله.. ومن طريقته ان يثني على من له موقف طيب او جواب حسن او علم نافع او عمل صالح حتى يشجعهم.. قال لسعد بن ابي وقاص: ارم فداك ابي وامي، وقال لعمر: اذا سلكت فجا سلك الشيطان فجا آخر، وقال لخالد بن الوليد: سيف من سيوف الله.. وقال لعلي بن ابي طالب: انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي.. ومن اخطأ منهم ينبهه برفق..

وتابع فضيلته لفت النظر الى مواقفه صلى الله عليه وسلم في امور تربوية مؤثرة.. فقال انه كان يشفق على المخطئ اذا اخطأ خاصة اذا كان حديث عهد بالاسلام او من اهل البادية كالاعرابي الذي جاء ودخل المسجد وقال: اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم معنا احدا فقال النبي: يا اعرابي لقد تحجرت واسعا ثم هم هذا الاعرابي ان يبول بالمسجد فهاج به الصحابة فقال لهم لا تزرموه اي لا تقطعوا عليه بولته وصبوا عليه ذنوبا من ماء، فانما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين..

وقال فضيلته ان رسول الله كان يشفق على المخطئ خاصة اذا كان اهلا للاشفاق عليه، ولكنه اشتد على من ليس كذلك كما قال لعائشة وقد ذكرت ضرتها صفية بنت حيي قالت ما يعجبك من صفية الا انها كذا وكذا قال الراوي تشير الى انها قصيرة قال الرسول ياعائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته.. وهذا ايضا اذا تعلق الامر بالعقيدة كما رأى عند عمر بن الخطاب صحائف من التوراة فقال أمتهوكون فيها يابن الخطاب — أمتحيرون؟ والله لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعي. ويشتد اذا كان هذا يمثل اتجاها كما رأى بعض الصحابة سألوا عن عبادته انه كان يصوم بعض الايام ويفطر بعض الايام وينام ويقوم الليل قال احدهم وما لنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر فقال احدهم: اما انا فاصوم الدهر ولا افطر وقال الثاني: واما انا فاقوم الليل ولا انام ابدا وقال الثالث: واما انا فاعتزل النساء ولا اتزوج ابدا، فعلم النبي بما قالوه فجمعهم وقال: انما انا اخشاكم لله واتقاكم له ولكني اصوم وافطر واقوم وانام واتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.. لا يريد غلوا للمسلمين.

التدرج

واضاف: كان يربي اصحابه بالتدرج الذي هو من سنن الله الكونية وسننه الشرعية ويعلم اصحابه اذا ارسلهم ايضا كما حدث حين ارسل معاذ بن جبل الى اليمن وقال له انك تأتي قوما اهل كتاب نصارى وعندهم شيء من علم الدين فليكن اول ما تدعوهم اليه شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله، اصّل الاصول ثم ابنِ الفروع؛ الكليات قبل الجزئيات، فان شهدوا بذلك فاعلمهم ان الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فان اطاعوك لذلك فاخبرهم ان الله افترض عليهم في اموالهم صدقة تؤخذ من اغنيائهم لترد عى فقرائهم... يبدأ بالركن الديني اليومي ثم بالركن الاجتماعي..

سؤال واجابات

وقارن فضيلته بين التربية الحديثة التي تنادي بمراعاة الفروق الفردية وما طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته للصحابة رضي الله عنهم، فوزارات التربية تعمل مدارس خاصة للمتفوقين فكان يجيب صلى الله عليه وسلم كلا على قدر سعة واديه ومن هنا يعطي هذا ما لا يعطي هذا ولا يكلف القوي بما يكلف به الضعيف، ولذلك فان السؤال الواحد يجيب عنه باجابات مختلفة.. لانه يراعي حال السائل فالمجيب للسائل كالطبيب مع المرضى لا يعطي المرضى دواء واحدا، لذلك كانت اجوبته تختلف باختلاف السائلين: اي الاسلام افضل يارسول الله؟ فيجيب واحدا بالصلاة وآخر: تطعم الطعام وتفشي السلام، ويوصي بما يقرب من الجنة وآخر يقول له بر والديك وواحد يجيبه: لا تغضب.. انه يلمح بفراسته وصدق نظره ان هذا نوصيه بكذا وللآخر بكذا.. مختتما بقوله: كان صلى الله عليه وسلم نعم المربي ونعم المعلم.. كان اسوة لكل البشر المثل البشري الاعلى ليقتدى به وليتعلم الناس منه المنهج الوسطي لا الافراط ولا التفريط.

________

نقلا عن الموقع الإلكتروني لجريدة الشرق القطرية