د. عبد العظيم الديب

شارك فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي- رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- في الندوة الثانية للتراث التي أقامتها إدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف القطرية مساء الإثنين 5-5-2008 بقاعة المحاضرات بإدارة الدعوة، والتي حضرها سعادة السيد فيصل بن عبد الله آل محمود وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ، ود. عبد العظيم الديب محقق كتاب"نهاية المطلب".

وأدار الندوة الشيخ محمد التميمي عضو لجنة إحياء التراث بإدارة الشؤون الإسلامية وحضرها عدد من قيادات الأوقاف ودعاتها وأئمتها.

وخصصت الندوة للاحتفال بانتهاء تحقيق أحد أهم مراجع فقه الإمام الشافعي وهو كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب تأليف إمام الحرمين الجويني ويقع في (21) مجلداً.

وتحدث د. القرضاوي في الندوة مؤكدا أننا أتباع أمة أصيلة تتميز برسالتها العظيمة .. رسالة الإسلام الخالدة التي بعث الله نبيها - محمد - رسولا للناس كافة. ونحن أمة الرسالة العالمية الخالدة التي ختم الله بها كل الرسالات حيث لم يدع رسول قبل محمد صلي الله عليه وسلم أنه بعث للعالمين لأن الرسل والأنبياء كانوا يبعثون لأقوامهم فقط مبينا أنه لا نبي بعد محمد صلي الله عليه وسلم فهو النبي العاقب - الأخير - الذي لا نبي بعده. ولا شريعة بعد الإسلام. ولا كتاب بعد القرآن .

طائفة منصورة

وقال إن الله عز وجل ضمن الخلود والبقاء لأمة الإسلام فلا يستأصلها ولا يستطيع أحد إبادتها بأي حال من الأحوال. وقد كتب الله لها أن تظل فيها طائفة منصورة كما قال النبي صلي الله عليه وسلم : "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين علي الحق لا يضرُّهم من خذلهم حتي يأتي أمر الله وهم كذلك .

وذكر أن أمة الإسلام لا تجتمع علي ضلالة كما قال الله عز وجل : "أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين "

وأشار إلي حديث النبي صلي الله عليه وسلم : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين وتأويل الغالين .وقول الإمام علي بن أبي طالب " لا تخلو الأرض من قائم لله بالحجة "

وأكد الشيخ القرضاوي أن المستقبل للإسلام مهما صادفته العقبات ومهما تجبر عليه الجبابرة وتكالب عليه المتكالبون وذكر أن الله يأبي إلا أن يتم نوره وينصر دينه مهما كان كيد الأعداء عظيما مستشهدا بقوله تعالي " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَي اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

التشكيك

وعلق على الآية مبينا أن "الإباء الإلهي "هو الذي يطمئننا علي نصرة الإسلام ويطمئننا على أن الله سيتم نوره وسيظهر الإسلام على الأديان كلها، وأوضح أن الهجمات الصليبية واليهودية والوثنية المتتالية على الإسلام والمتمثلة في التشكيك في القرآن وفي التطاول على مقام النبي صلى الله عليه وسلم والكيد للمسلمين تؤكد حيوية الإسلام لأن الناس لا يكيدون ولا يخافون من ميت.

وقال : إن كيد الله عز وجل فوق كيد أعداء الإسلام إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا وسيرتد كيدهم على نحورهم .

وتابع د. القرضاوي مؤكدا أن الإسلام بخير طالما يمتلك تراثا عظيما متمثلاً في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. مطالبا بفهم كلام الله وتطبيق شرعه وإتباع سنة نبيه وإحياء تراث الأئمة السابقين .

وقال: إنه لا يكفي أن نعتز بالماضي وحده بل يجب علينا أن نصل الحاضر بالماضي ونستشرف آفاق المستقبل سعيا للوصول إلي غد أفضل لأمتنا.

وأوضح أن قيادة الأمة للغد الأفضل مسؤولية العلماء والدعاة المخلصين الأتقياء الذين يعملون لنصرة الدين في صمت.

كنز مطمور

وأثنى د. القرضاوي في كلمته على الإنجاز الذي قام به د. عبد العظيم الديب في تحقيق كتاب " نهاية المطلب في دراية المذهب" وتحدث عن المؤلف والمحقق والكتاب.

وقال: إن الكتاب يعتبر ذخيرة ثمينة من ذخائر تراثنا الفقهي الزاخر يعرفه المشتغلون بفقه المذهب الشافعي ويدركون قيمته فهو أحد الأعمدة التي يستند إليها ويعول عليها وهو ينشر لأول مرة فقد كان كنزا مطمورا برغم شهرته، ولكنه لم تكن منه نسخة كاملة مجموعة في مكتبة واحدة يسهل تناولها والعكوف عليها.

وذكر د. القرضاوي أن إمام الحرمين ألّف كتاب النهاية في سنواته الأخيرة بعد أن اكتمل نضجه وأخرج زرعه شطأه واستغلظ واستوى علي سوقه وأراد أن ينهض بمهمة في المذهب لا يقوم بها غيره وأورد ما قاله الجويني في مقدمته للكتاب أنه : نتيجة عمري، وثمرة فكري في دهري".

وأشار إلي أن من قرأ لفقهاء الشافعية بعد إمام الحرمين وجدهم مزهوين كل الزهو فخورين كل الفخر بكتاب إمامهم هذا فطالما نوهوا به وعظموا قدره وأشاروا إلي تفرده وتميزه، وقد قال عنه ابن عساكر " ما صنف في الإسلام مثله".

وتحدث د. القرضاوي عن الإمام الجويني فقال: هو إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت 478هـ) احد عمالقة الفكر الإسلامي والعلم الإسلامي الذي شرّق صيته وغرّب واعترف بفضله القاصي والداني وأثنى عليه السابقون واللاحقون والمحدثون إلى يومنا هذا وهو إمام وابن إمام وفقيه وابن فقيه أخذ العلم كابرا عن كابر.

عقل وقلب

وتابع د. القرضاوي معددا مناقب الجويني فقال: كما تميز الإمام بعقله الكبير تميز بقلبه الكبير، فقد اتفق مؤرخوه أن الرجل كان من أصحاب القلوب الذين لهم مع الله تعالي حال ومقام، وكان إذا ذكر الناس في مجلسه بكي وأبكى الحضور.

وهذا مع أن الذين يشتغلون بالقضايا العقلية، والمجادلات الكلامية يصابون بجفاف الروح وقسوة القلوب إلا من رحم ربك، من القلائل الذين احتفظوا بقلوبهم حية لم تمت، سليمة لم تسقم، صافية لم تشب، ومنهم إمام الحرمين.

ولع بالمؤلف

وتحدث د. القرضاوي عن محقق الكتاب فقال هو الأخ الصديق الصدوق: الأستاذ الدكتور عبد العظيم محمود الديب الذي أعرفه منذ كان طالبا في القسم الابتدائي بمعهد طنطا الديني وتربطني به منذ ذلك الزمن صلة وثيقة، لم تزدها الأيام إلا قوة، وإن كان يصغرني ببضع سنوات.

وقال : لا تمنعني أخوتي وصداقتي له أن أوفيه حقه من التقدير، فقد قال تعالي وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي.

وذكر د. القرضاوي أن د. عبد العظيم قد عكف منذ دخل ميدان التحقيق على تراث إمام الحرمين فهو مولع بالرجل منذ عرفه في دراسته عنه بالماجستير والدكتوراه بدار العلوم.

بل هو في الحقيقة (عاشق) لإمام الحرمين، كما تحس بذلك إذا تحدث عنه أو كتب عنه. والعاشق تهون عليه الصعاب، ويجد البعيد قريبا، والحزن سهلا، في سبيل معشوقه.

ولقد بلغ من إعجاب الدكتور الديب بشيخه بل من عشقه له أنه لا يطيق أحدا ينكر عليه بعض هفواته ولو كان من الشافعية أنفسهم، مثل ابن الصلاح وابن حجر العسقلاني وأمثالهما.

وأشار إلى أن تحقيق (النهاية) أو نهاية المطلب قد كان حلما وأمنية للدكتور الديب، منذ عرف إمام الحرمين، ثم غدا أملا ورجاء، ثم تحول إلى حقيقة منذ بدأ يبحث عن نسخة منذ سنة 1975م.

وذكر أن د. الديب ظل أكثر من عشرين عاما، وهو عاكف علي (النهاية) أو (نهاية المطلب) أعظم آثار الإمام الفقهية، وأبرز ما يعرف بقدره في الفقه، ومنزلته في التأصيل والاستنباط. عايشه هذه السنين ورافقه: يقرؤه على مهل، ويجتهد أن يفهمه علي الصواب ما أمكن، وأن يفسر غامضه، ويفك طلاسمه.

20 نسخة

وقال د. القرضاوي: أنا أدرى الناس بما عاناه الدكتور الديب في تحقيقه لهذا المخطوط، من حيث جمع أصوله المبعثرة في شتى مكتبات العالم، فقد ظل يقرأ فهارس المخطوطات، ويتتبعها، ويزور المكتبات هنا وهناك بنفسه، ويسأل العارفين؛ حتى جمع من الكتاب أكثر من عشرين نسخة صورها من مكتبات العالم.

وأشار إلى أن الدكتور الديب قدم من قبل دراسة عن إمام الحرمين، حياته وآثاره، حصل بها علي درجة الماجستير من كلية دار العلوم، وأخرى عن (فقه إمام الحرمين) حصل بها علي درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف، والتوصية بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات وقد ساعده ذلك علي فهم إمام الحرمين، وكتابه المتميز (نهاية المطلب).

كما قدم أكثر من دراسة، عن كل كتاب حققه من كتبه: من (البرهان) و(الغياثي) و(الدرة المضية) إذ كتب لها مقدمات علمية مستفيضة، تلقي أضواء كاشفة عليها لمن يقرؤها.

خدمة جليلة

وذكر أنه بين د. الديب وإمام الحرمين نسب جامع، وصفات مشتركة، جعلته ينجذب إليه، كما قال الشاعر: شبيه الشيء منجذب إليه. وصح في الحديث الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف .

ووصف د. القرضاوي عمل د. الديب في تحقيق الكتاب بأنه" ليس هينا " وذكر أنه قدم للمكتبة الإسلامية خدمة جليلة بتحقيق الكتاب واستشهد بقول العلماء (من نشر مخطوطة ،فكأنما أحيا موؤودة.) فكيف إذا كانت المخطوطة كتاب "نهاية المطلب".