وجه العلامة الشيخ يوسف القرضاوي نداء إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس _أبو مازن_ حثه فيه على ضرورة الحوار مع حماس من أجل الوصول إلى حل للأزمة الراهنة..
وقال القرضاوي: "أنا أنادي الأخ محمود عباس وأنا أعرفه منذ ما يقرب من خمسين عاما، أدعوه لأن يعلم أنه رئيس لكل فلسطين، وليس رئيسا لفتح وحدها.. كل هؤلاء أبناؤه، لا بد أن يحاور الجميع.."
جاء ذلك في حلقة برنامج الشريعة والحياة، والذي بثته قناة الجزيرة مساء الأحد 24/6/2007.
وشدد القرضاوي على أن الحوار ضرورة يجب التمسك بها، حيث إنه "لا مفر من الحوار.. لا يمكن أن يقول واحد أنا لا أحاور.. لا.. هذا غير مقبول.. لا يمكن لا أحد أن يقول لن أحاور.."
وتابع: "فالحوار منهج إسلامي أمر به الله عز وجل حتى مع المخالفين، وسماه جدالا.. آمرا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحاورهم بطريقة طيبة، وهم على غير الإسلام قائلا: "َجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..." فما بالنا بالمسلم؟!"
مصر والسعودية
كما وجه القرضاوي نداء إلى كل الزعماء العرب، وخص منهم من أسماهم "الشقائق الكبرى" لفلسطين والعرب، وهم مصر والسعودية، حيث دعاهم إلى ضرورة "أن يتدخلوا لإنهاء هذا الأمر"..
مشددا على أنهم "لا بد أن يضعوا أيديهم في يد بعض، فكل مشكلة قابلة للحل، شريطة أن تصفو النفوس وتصح النيات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..."، فلو صحت النيات وصفت القلوب ستتحقق الوحدة، مصداقا لقوله تعالى: "فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا".
وألمح القرضاوي إلى أن "الإسلام أمر المجتمع أن يتدخل حينما تشتعل تلك الفتن بين أي فصيلين.. الإسلام أمرنا أن نتدخل من أجل أن نطفئ لهيب تلك الفتنة، ولا نترك النار لتأكل الأخضر واليابس.."، والقرآن يقول: " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات:9)
ولفت إلى أن الإصلاح المقصود في الآية "ليس فقط مجرد "لملمة" الأمور، وإنما "بالعدل" أي أن نعطي كل ذي حق حقه..
وبناء على هذا الفهم طالب الشيخ بضرورة وجود "لجنة لتقصي الحقائق، لا بد أن يقف كل إنسان عند حده، وليس هناك شخص أكبر من أن يؤخذ منه الحق، وليس هناك من هو أقل من أن يؤخذ له الحق، كل الناس أمام الحق سواء"..
وتساءل الشيخ متعجبا: "الأمة الإسلامية أكثر من مليار ونصف، والعربية تربو على الثلاثمائة مليون، أفلا يستطيعون حل تلك القضية التي هي قضية الأمة كلها.. القضية المحورية، القضية الجوهرية، القضية المركزية.. قضية فلسطين.. أتتركها الأمة هكذا؟!!"
وشدد على أن "الشيء الذي يجب أن نُصرَّ عليه في تلك القضية هو الوحدة.. الشعب الفلسطيني شعب واحد، لا بد أن يبقى الوطن الفلسطيني وطنا واحدا.. لا يمكن أن نقبل أن تكون غزة بمفردها، والضفة بمفردها.. هذا ما يريده أعداؤنا.. نحن لا نقبل تلك التجزئة إطلاقا".
لست منحازًا لأحدٍ
وقد أوضح القرضاوي أن البعض استبطأه في التعليق على الأحداث الأخيرة، وما آلت إليه الأوضاع في فلسطين، لكنه شدد على أنه بتأخره أراد أن يستجلي الحقيقة، وأن تتضح له الصورة كاملة.. مؤكدا أن "الحوادث الأخيرة قد وقعت عليّ كما تقع المصيبة على الإنسان".
وقال: "لم أرد أن أصب الزيت على النار، ولم أرد أن يقال إنني منحاز لفريق دون آخر.. فأنا الذي يهمني هو فلسطين.. فلسطين الأرض، فلسطين الشعب، فلسطين القضية.. هذا هو ما يهمني".
ولفت الشيخ إلى أنه "طالما اهتممت بهذه القضية شخصياً في برامجي المختلفة، وعلى منبر مسجد عمر بن الخطاب، واهتممت بها بصفتي رئيسًا لاتحاد علماء المسلمين؛ فقد أصدرنا بيانات عدة خاصة بعد الفتن الأخيرة، ووقفنا مع اتفاق مكة، بل أصدرنا بياننا قبل أن يحدث اتفاق مكة وحذرنا من أن ينتهي بلا اتفاق، وقلنا إن هذه هي الفرصة الأخيرة، ورحبنا بحكومة الوحدة الوطنية، ورحبنا بالتجربة الديمقراطية التي تبلورت في فلسطين".
وعرج على الممارسات الديمقراطية في العالم العربي قائلا: "يقولون نحن لا نستطيع أن نجري تجربة ديمقراطية في بلادنا؛ لأن بلادنا لا تصلح للديمقراطية، لسنا أهلا لها، ومع ذلك استطاعت فلسطين رغم جراحها أن تقول إننا قادرون.. لكن الحوادث الأخيرة جاءت مؤلمة" لافتا إلى أن تلك الأحداث سبب في إفساد هذه التجربة.
يذكر أن مواجهات دامية وقعت بين فتح وحماس على مدار عدة أيام أسفرت عن مقتل العشرات تمكنت بعدها حماس في 14 يونيو 2007 من إحكام قبضتها على مقار الأجهزة الأمنية في قطاع غزة.
وإثر ذلك أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس حل حكومة الوحدة الوطنية، وإعلان حالة الطوارئ، ورفض الحوار مع حماس. التي رفضت بدورها الاعتراف بما وصفته بـ"القرارات غير الشرعية".