أكد فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، أن الحجاب قضية تتعلق بالحرية الشخصية في الوقت الذي تمسك فيه بأنه فريضة دينية لا يجوز إنكارها.
وقال الدكتور القرضاوي في حوار مطول نشرته صحيفة ـ«المصري اليوم» اليومية المصرية ، إنه لا تروق له نظريات المؤامرة، والتفسيرات المتعلقة بها، خاصة في ظل الأحداث الساخنة، إلا أنه لفت إلي أن المسلمين علي أرض الواقع ضحايا لما يصنعه غيرهم، مبدياً العذر للمقتنعين بهواجس المؤامرة وفيما يلي نص الحوار :
- نبدأ من القضية الساخنة التي تشغل الشارع المصري حالياً، وهي رأي وزير الثقافة فاروق حسني في حجاب المرأة، لماذا أغضبكم هذا الرأي؟
مصر فيها من ٧٠ إلي ٧٥% محجبات، البنات عدن إلي الحجاب بقوة وكثافة بالملايين، هذه حركة نسائية طوعية اختارتها المرأة المصرية والعربية ولم يفرضها عليها ولي الأمر ولم يفرضها الزوج علي زوجته ولم يفرضها الآباء، بالعكس هناك بنات ارتدين الحجاب والآباء ضدهن، ولذلك وجه الاستغراب هنا أن الحجاب فريضة دينية فكيف ينكر وزير الثقافة ذلك في بلد دينه الرسمي الإسلام، بلد يتزعمه الإسلام والشريعة هي المصدر الرئيسي للقوانين، كيف يقول هذا؟
من ناحية أخري هناك أمور تتعلق بالحرية الشخصية التي تلبس قصير لا أحد يقول لها شيئاً ومن تلبس الطويل لا نقول لها لماذا ترتدين طويلاً، فإذا كانت هناك واحدة تريد أن «تتستر» لماذا نقول لها «تعري»؟ وعلي رأي المصريين «واحد شايل دقنه وانت تعبان ليه؟».
واحدة ترتدي إيشارباً أو طرحة ما الذي يزعجك؟ هذه حرية شخصية وحرية دينية، حريتان أساسيتان من الحريات التي تكفلها الدساتير ومواثيق حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة: الحرية الشخصية والحرية الدينية.
الأمر الثالث أن هذا أصبح خيار المجتمع المصري، فهل أنت ستفرض رأيك ياوزير الثقافة إذا كان عندك رأي مخالف تريد أن تفرضه علي المجتمع المصري وعلي أغلبية المجتمع المصري؟
الثقافة الحقيقية هي التي تعبر عن ضمير المجتمع وعن روح المجتمع، وإذا كنت أنت وزير الثقافة يجب أن تكون هذه الثقافة معبرة عن المجتمع، هذا اختيار المجتمع المصري فلماذا تقف ضد تيار المجتمع؟
من أجل هذا أنا أنكرت هذه التصريحات واعتبرتها شيئاً غريباً لا يليق أن يصدر من رجل مسؤول.
- البعض يري أن هناك جهات لها مصلحة في تأجيج الخلاف الديني، خصوصاً بين الإسلام والمسيحية، ويري هؤلاء أن المسلمين -للأسف- يتم استدراجهم إلي هذه المواضيع ويعطونها أكبر من حجمها، أي أنهم يقعون في «الفخ» ويقدمون ذريعة للغير بأن يتهمهم بالعداء للآخر، أياً كان هذا الآخر، هل تعتقد أننا ضحية «مؤامرة» تم إيقاعنا فيها؟
أنا لست من أنصار نظرية المؤامرة في كل شيء، وأن كل شيء وراءه كيد يهودي أو صهيوني ومكر صليبي، ولكن إذا نظرنا إلي الواقع نجد أن المسلمين ضحايا لما يصنعه غيرهم.
يعني مثلاً فوجئنا بالرسومات التي أساءت للرسول دون سبب، البابا بنديكت السادس عشر حين هاجم الإسلام في محاضرة وهو أكبر شخصية مسيحية، هناك أيضاً الصحفي الذي يدعي أنه فيلسوف وكتب في صحيفة «الفيجارو» في باريس يهاجم الرسول، نحن الذين نتلقي الضربات، وبالعكس رحبنا بالتسامح وبالحوار الإسلامي والمسيحي.
وأنا شخصياً حضرت عدة حوارات إسلامية مسيحية في مصر وفي ألمانيا وفي فرنسا وفي روما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومؤتمراً بعنوان «القمة الإسلامية المسيحية» في أكتوبر ٢٠٠١ وبعدها بسنتين حضرنا نفس القمة في برشلونة، نحن نرحب بالحوار ونحن مأمورون بالحوار مع غيرنا، القرآن يسمي ذلك: الجدال بالتي هي أحسن، فنحن نحاول بالطريقة الأحسن والأمثل التي تقرب ما بين القلوب بينها وبين بعض وتبني ولا تهدم.
- تقول نحن نرحب بالحوار ولكن في نفس الوقت عارضتم مبادرة الدعاة الشبان أمثال «عمرو خالد» وعندما قاموا بمبادرة لزيارة الدنمارك في «عز» أزمة الصور المسيئة للرسول بغرض فتح حوار والتعرف بديننا لمن أساءوا إليه، نريد أن نعرف لماذا هذا الاعتراض، وكيف يكون الحوار بيننا وبين الغرب إن لم نذهب إليهم في ديارهم؟
ما كان هذا حواراً! هؤلاء قوم أساءوا إلي رسولنا إساءة بالغة وبدون مبرر وبدون مقدمات، والأمة الإسلامية قابلت هذا الأمر بالغضب في كل مكان من جاكرتا إلي موريتانيا من المحيط الهادي إلي المحيط الأطلسي، وشاورني الأخ عمرو خالد في هذا وقلت له ليس مناسباً أن تذهب في هذا الوقت لأن ذلك سيكون في غير وقته وغير محله.
يعني لا أحد يأتي ويشتم أبي مثلاً ثم أمد له يداً، يجب أن يعلم من قام بالإساءة أننا غاضبون في بادئ الأمر، نحن لسنا ضد الحوار وإنما ضد الحوار في هذا الموقف وبهذه الطريقة وبهذه الصورة، ولذلك كان ذهابهم في الحقيقة لا معني له وفشلوا تماماً ولم يستطيعوا فعل شيء، واعتذروا عما حدث، ولكن علي كل حال كان ذلك اجتهاداً منهم.
- تترأسون «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي تأسس قبل عامين في لندن، لماذا تم التأسيس في لندن ولم يكن ذلك في عاصمة عربية أو إسلامية؟
لأننا لم نجد عاصمة عربية تتسع لنا فسجلناه في جمهورية أيرلندا، عقدنا الاجتماع الأول في لندن لأننا وجدناها تتسع لنا وتسع لمن يريد من الناس من بلاد مختلفة، وليس فيها تعقيدات في التأشيرات فعقدناه في لندن والاجتماع الثاني عقدناه في اسطنبول حينما وجدنا الفرصة وسمحت لنا الحكومة أن نقيم الجمعية العمومية الثانية في اسطنبول اجتماع مجلس الأمناء يعقد في بيروت عادة والأمانة العامة هنا في القاهرة والتي يقوم عليها الدكتور محمد سليم العوا.
- كيف تنظرون لما يجري في العراق، أهو جهاد أم مقاومة أم إرهاب، كيف تري ما يحدث من قتل العراقيين لبعضهم البعض، وتقسيم بغداد إلي أحياء سنية وشيعية؟
ما يجري في العراق بعضه جهاد ومقاومة حقيقية وبعضه إجرام منظم تحت عنوان الطائفية أو بدعوي الطائفية، وبعضه إرهاب وعنف ليس له مبرر، ولا نستطيع أن نقول إن ما يجري في العراق له شكل واحد، هناك مقاومة من أول يوم رفضت النظام الأمريكي والاحتلال الأمريكي، كان الأمريكيون يظنون أن الشعب العراقي سيقابلهم بالزهور والأحضان فقابلهم بالرصاص والبنادق، المقاومة كانت من أول يوم وهي مقاومة مشروعة مقاومة للاحتلال ولا يستطيع أحد أن يقول إن مقاومة الاحتلال أمر فيه أي شائبة، لكن هناك أيضاً إجرام منظم تقوم به ميليشيات يحركها أناس، خصوصاً ضد أهل السنة في العراق، وهذا أمر ينبغي أن يدركه كل عاقل، هناك أناس أيضاً يقتلون من الفريقين من أهل السنة ومن أهل الشيعة ولا يريدون الاشتراك في العملية السياسية ويريدون أن يفرضوا علي الناس رأيهم ولا يقتصرون علي قتل الأمريكان، وهذا إرهاب نحن في الحقيقة نرفضه ونحن في الحقيقة تغلي دماؤنا وتتقطع أكبادنا لما يجري في العراق في كل يوم قتل ودماء تسفك وحرمات تنتهك، وأسأل الله أن يخرج العراق من هذه الفتنة وهذه الغمة.
- بالرغم من تأييدك للمقاومة في العراق فإنك استنكرت موقف حسن نصر الله بمحاضرة في نقابة الصحفيين؟
كنت من أول المؤيدين لحسن نصر الله وعندما صدرت فتوي من السعودية رددت عليها في حلقة كاملة في برنامج «الشريعة والحياة» علي قناة «الجزيرة» وفي الصحف وأصدرنا بيانات بأن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يؤيد المقاومة في لبنان، ليس معقولاً أن مقاومة تقف ضد إسرائيل نقف نحن ضدها ومع إسرائيل! هل هذا يعقل؟! لكن إنكاري كان علي شيء آخر، إنكاري كان علي أن يستغل هذا النصر لاختراق المجتمعات السنية، الشيعة يريدون أن يشيعوا أهل السنة وهذا الذي رفضته، الشيعة شيعة والسنة سنة، ولكن أنا مع المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل ومع المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل ومع المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي ومع المقاومة الأفغانية ضد الاحتلال الأمريكي ومع كل مقاومة وطنية وإسلامية ضد كل احتلال.
- الجميع يعلم بأن علاقتك جيدة بـ«حماس» فكيف كانت نصيحتك لهم عندما قالوا بالثلاث (لاءات) لا للاعتراف بالدولة الإسرائيلية، لا لنبذ العنف، ولا للاتفاقات الموقعة، فهل كانت لك نصيحة لهم بصدد هذا؟
أنا أؤيدهم ولا أقبل بالاعتراف بإسرائيل ولا أقبل لـ«حماس» أن تعترف بإسرائيل ولا للشعب العربي ولا المسلم أن يقبل بذلك، ويجب أن يثبتوا علي هذا، فتح وعرفات وخلفاؤه اعترفوا بكل هذه الأمور ماذا كسبوا؟! هل أعطتهم إسرائيل مقابل ذلك؟ إسرائيل تريد أن نعترف بها ولا تعطي في المقابل، وبعدين كما قال أخونا الدكتور موسي أبومرزوق حين قال لهم نحن لسنا دولة حتي يطلب منا الاعتراف بإسرائيل، نحن حركة وحركة مقاومة وكيف يطلب من حركة مقاومة الاعتراف بذلك.. لما أصبح دولة اطلب مني اعترف.. دولة بدولة.. إنما حركة هي طبيعتها حركة مقاومة.. تقول تعترف بعدوك الذي احتل أرضك واغتصب بلادك وسفك دماءك هذا أمر غير منطقي.
- أنتم لكم آراء بل فتاوي اعتبرها البعض متسامحة أو متساهلة، كتلك التي أباحت الاقتراض بالربا من البنوك في المغرب للشباب الذين يريدون امتلاك المسكن، وقد أثار هذا هجوماً شديداً عليكم من قبل علماء المغرب أنفسهم، ما ردك علي ذلك؟
هذا رأي أفتي به المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث والذي أتشرف برئاسته وأصدر فيه فتوي بالأغلبية من عدة سنوات.. كنت مخالفاً لهذا الرأي في السابق ولكن أخيراً اقتنعت به إذا كان الإنسان في حاجة إلي مسكن وليس عنده سيولة نقدية وليس عنده بنك إسلامي يتعامل معه ولا يجد فرصة يملك سكناً له ولأولاده إلا بهذه الطريقة، فلما سئلت في المغرب قلت رأيي هذا، هناك قروض تعطيها الدولة لمن في هذه الظروف ولكن سمعت أن هذه القروض قروض ضئيلة جداً تكاد تعتبر خدمة إدارة، ولم يرد علي العلماء في ذلك بالعكس.
علماء المغرب استقبلوني استقبالاً لا نظير له في كل مدينة زرتها في الصيف الماضي وكان استقبالاً حافلاً، ولعل هذا هو الذي أثار بعض الفئات فصدرت عن هيئة يقولون عنها هيئة الإفتاء لم يكن يسمع عنها الناس إنكارها لذلك، فهذه الهيئة علقت علي الفتوي وتركت الناس حياري، وقابلني أخوة من المغرب في هذا المؤتمر وقالوا إن المغرب كله معك علماؤه ودعاته ومفكروه، والشعب معك ومع فتواك وهؤلاء الذين قالوا «لا» لا وزن لهم ولا قيمة لهم.