في أخر إصداراته "مع أئمة التجديد ورؤاهم في الفكر والإصلاح" تناول الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي التربية السياسية الإسلامية عند الإمام حسن البنا وذلك بمناسبة مرور ثلاثون عاما على استشهاد الإمام وخمسون عاما على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين مستعينا برسائل الإمام التي نشرت فيما سبق وكذلك قارن الدكتور القرضاوي بين أقوال الإمام البنا وبعضها ونقد الشيخ ما رأى انه يحتاج النقد نظرا لاختلاف الزمن.
وقد بدأ الدكتور يوسف القرضاوي البحث بعرض مفهوم كلمة التربية بالنسبة للإمام البنا على أنها لابد أن تشمل عاملين أساسين هما التكامل بين الروح والجسد والتوازن بحيث ألا يطغى جانب على الأخر أما الجانب السياسي فقد حظي باهتمام في العرض خاصة انه كان أحد أهم الجوانب في حياة الإمام البنا قبل بدء دعوته ولأن السياسة تعد أحد مضادات السياسة قامت في مصر-كما في غيرها- جماعات دينية الطابع، كالطُرق الصوفية، والجمعيات الدِّينية المختلفة، التي تنص في صُلب لوائحها وأنظمتها الأساسية: أنها لا صلة لها بالسياسة واسترسل الدكتور يوسف القرضاوي في وصف الحياة السياسية في هذه الفترة سواء كانت الأحزاب أو الجماعات والجمعيات، ويشرح الكاتب انه كان لابد على الإمام البنا أن يخوض حرب فكرية لينشر فكرة شمول الإسلام لجميع جوانب الحياة ومنها السياسة.
أما التربية عند الإمام حسن البنا فقد تركزت على عده دعائم منها الربط بين الإسلام والسياسة على اعتبار أن الإسلام يستطيع أن يشمل جميع مناحي الحياة بما فيها السياسة والأحزاب وغيرها معتمدا على مبدأ شمول الإسلام، أما الدعامة الثانية للتربية السياسية هي إيقاظ الوعي بوجوب تحرير الوطن الإسلامي عن طريق تحرير الأراضي الإسلامية من الاستعمار الأجنبي ويذكر الكاتب أن الإمام حسن البنا هو أول من عرف الوطن العربي بأنه يمتد من المحيط للخليج، والدعامة الثالثة هي ضرورة إيقاظ الوعي بوجوب إقامة الحُكم الإسلامي (الدولة الإسلامية) وكان السبب وراء ذلك هو أن الدول الإسلامية قد جربت وخاضت جميع الأنظمة السياسية العالمية ألا أنها لم تكن هي الحل الجذري لجميع مشكلاتها ولذلك كان طرد المستعمر وحده غير كاف وليس هو الهدف الوحيد لان هناك هدف اكبر خلفه وهو إقامة النظام الإسلامي والتحرر من الأفكار والمعتقدات الدخيلة ونشر العقيدة الإسلامية من خلال الإخوان المسلمين لأنهم يسيرون في كل إعمالهم على هدي القران والسنة ولهذا فالإخوان هم أعقل وأحزم من يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال، فلا بد من فترة تُنشر فيها مبادئ الإخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يُؤْثِر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وتعرض الدكتور يوسف القرضاوي إلى رؤية الإمام حسن البنا لعلاقة الإخوان المسلمين من استخدام القوة سواء العسكرية أو الشعبية ورغم أن القوة سمة من سمات الإسلام ألا أن الإمام البنا كان يرى أن قوة الوحدة والارتباط أهم بكثير من قوة السلاح.
ويتركز معنى الدعامة الرابعة في أقامة الأمة المسلمة هي إقامة الأمة المسلمة، التي تنظم شعوب الإسلام في الوطن الإسلامي أو العالم الإسلامي في رابطة واحدة، تحت راية الإسلام، الذي يجمع ولا يفرق وقد ساعد على تحقيق عدة عوامل منها وحدة المرجعية وحدة (دار الإسلام) التي يعبَّر عنها اليوم بـ(الوطن الإسلامي)، وحدة (القيادة السياسية).
كما اهتم الدكتور يوسف القرضاوي بعرض وجهة النظر في حدود الوطنية عند الإمام البنا وكذلك غاية الوطنية وكذلك الوحدة الوطنية في ظل اختلاف الدين ويعرض الشيخ مبدأ الوطنية لدى الشيخ من خلال عبارات الإمام البنا بقوله إننا مصريون بهذه البقعة الكريمة من الأرض التي نبتنا فيها ونشأنا عليها. ومصر بلد مؤمن تلقَّى الإسلام تلقيًا كريمًا، وذاد عنه، وردَّ عنه العدوان في كثير من أدوار التاريخ، وأخلص في اعتناقه، وطوي عليه أعطف المشاعر وأنبل العواطف، وهو لا يصلح إلا بالإسلام أي انه كان وطني مصري من الدرجة الأولى.
ومن الإمام البنا ينقلنا الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي إلى نظرة عامة على فكر الإمام المودودي ويعرض رؤيته التي تقول بأن الحضارة الغربية شديدة الجاهلية لأنها تميل إلي المادية الشديدة مصدقا على قوله ومعقبا على حكمه على التاريخ الإسلامي واصفا إياه بأنه حكم قاس جدا على الحضارة الإسلامية ملتمسا له العذر بأنه وقع في فخ خطأ المؤرخين المسلمين الذين نقلوا صورة غير صحيحة للحضارة الإسلامية مثله مثل غيره من الأئمة الكبار أمثال محمد الغزالي وسيد قطب لكنه رغم ذلك يعتبر أقسى الذين تحدثوا عن الحضارة الإسلامية، أما قضية الحاكمية وهي التي نادي بها الإمام المودودي بشدة فيرى الشيخ القرضاوي أنها كانت السبب في فتنة الخوارج وان الإسلام لم يمنع التقنين للإنسان ولكنه وضعه في إطار ضيق فدائرة عمل الإنسان تدور حول أن يعرف جيدا الحكم الإلهي في قضية معينة، ثم يحدد ويعين مفهومه وأصله، ويتحقق من الظروف والحالات التي يختص بها هذا الحكم، ثم يستخرج بالفعل الأشكال والصورة التي ينطبق فيها هذا الحكم على ما قد يقع من المسائل مستقبلا، ويقوم بوضع الدقائق والتفاصيل الجزئية لمجمل الأحكام والقواعد في الحالات الاستثنائية اخذاً في الاعتبار عدة مبادئ مثل القياس والاجتهاد والاستنباط.
أما مقومات الفكر الإصلاحي عند الإمام البشير الإبراهيمي فقد لخصها الدكتور يوسف القرضاوي في عدة مقومات وهي الإسلام والعروبة: أساساً ومنطلقاً فقد كان الإسلام هو المرجعية الأولى ، بل المرجعية الوحيدة للإبراهيمي وجماعته وقد كان يقول الإمام الإبراهيمي في الإسلام انه دين التحرير العام ،الوحدة والحرية (أو التوحيد والتحرير): محوراً وهدفاً وقد كان هدف الشيخ الإبراهيمي من عمله الإصلاحي الكبير هو التحرر من الاستعمار الفرنسي الاستيطاني المتغطرس وكان التحرير الذي ينشده الإبراهيمي شاملا بمعنى تحرير الإنسان، وتحرير الأرض، تحرير الفرد، وتحرير المجتمع.. تحرير الرجل، وتحرير المرأة.. تحرير العقل، وتحرير البدن. التحرير من الاستعمار الخارجي، والتحرير من الاستعمار الداخلي، التوعية والتربية: منهاجاً وطريقاً وكان يرى التوعية للجماهير من الشعب، الذي هو هدف الإصلاح ووسيلته معا وأما التربية، فهي للطلائع التي ينتظر منها أن تقود معركة التحرير، ومعركة البناء والتقدم فيما بعد ، العمل الجماعي: ضرورة وشرطاً فالعمل الفردي من وجهة نظر الإمام ـ مهما يصحبه من الإتقان والإخلاص محدود ـ الأثر، محصور القدرة، مقيد الإمكانات، ولكن إذا تضامّت الجهود، وتلاحمت القوى، أصبحت اللبنات المتفرقة بنيانا مرصوصا، يشد بعضه بعضا ،وأخيرا الأمة العربية والإسلامية: ساحة وميداناً وقد حما الإمام الإبراهيمي قضية فلسطين في قلبه وكان يحث جميع الجزائريين على أن ينهضوا بواجبهم نحوها، ولا يتخاذلوا عن نصرتها بكل ما يستطيعون.
وينهي فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي هذا الإصدار بالحديث عن تحرير المرأة في عصر الرسالة من وجهة نظر عبد الحليم أبو شقة حيث يرى الكاتب أن المرأة لم يحرِّرها قاسم أمين أو غيره في هذا العصر، بل حرَّرها رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرنًا أو تزيد ويسعى الكاتب من خلال هذا الكتاب إلي إثبات تحرير المرأة في العصر النبوي ومنه إلى ضرورة تحرير المرأة المسلمة في العصر الحديث ولكن تحريرها ممن اعتبروها مجرد وعاء للحمل والولادة، ومن الذين اعتبروها مجرد جسد للإثارة والفتنة، وكلا الفريقين من المتعصبين للقديم، ومن المتعبدين للحديث: لم يعتبرها إنسانا ذا عقل وروح ورسالة، وأنها مثل شقيقها الرجل: مكلفة بعبادة الله تعالى، وعمارة الأرض، والقيام بخلافة الله فيها الرسالة التي كانت أكبر همِّ عبد الحليم في حياته الفكرية أما رسالته التنويرية للرجل والمرأة على حدٍّ سواء، فهي أن تحرير المرأة لا يتم إلا بتحرير الرجل، وتحرير كليهما لا يتم إلا بتحرير العقل منهما، وهذا لا يتم إلا بإزاحة العوائق من طريق الإنسان، وإزالة الغشاوة عن عينيه حتى يرى، والأغلال عن أقدامه حتى يتحرك، ورفع كل القيود التي تعطله عن التفكير الحر والحركة الحرة.
وسيتم بث الكتاب على الموقع خلال شهر رمضان المبارك.