أكد العلامة الشيخ يوسف القرضاوي أن المقاومة اللبنانية جهاد شرعي، وتمثل أشرف مقاومة على الأرض مع شقيقتها بفلسطين، وأن الشيعة جزء من الأمة الإسلامية و"واجب" على كل مسلم نصرة هذه المقاومة ضد العدو الإسرائيلي.

جاء ذلك في حوار أجرته معه صحيفة "الوفد" المصرية الخميس 27-7-2006، أشاد خلاله بمواقف الشعوب العربية فيما أدان مواقف الحكام العرب المنتقدين للمقاومة.

وأكد القرضاوي على أن "المقاومة أشرف ما في الأمة، سواء في فلسطين أو لبنان، ولا يضير المقاومة اللبنانية أنها من الشيعة، فهم جزء من الأمة الإسلامية؛ لأنهم من أهل لا إله إلا الله، ويتفقون معنا في كثير من الأصول، وإن خالفونا في بعض الفروع".

واستدرك القرضاوي قائلا: "وإن كان من كلمة حق يجب أن نقولها، فإننا ننكر على شيعة العراق تعصبهم، وندعوهم إلى نبذ هذا العنف ضد أشقائهم المسلمين السنة، وأن يقفوا ضد المجازر التي تدار، ولا يستفيد منها سوى قوى الاحتلال الأمريكي والكيان الصهيوني".

وأشاد القرضاوي بتاريخ المقاومة اللبنانية التي "استطاعت تطهير الأرض المسلمة من الدنس الإسرائيلي، ولم يبق إلا مزارع شبعا التي سيحررونها إن شاء الله".

واعتبر القرضاوي أن "من مفاخر المقاومة اللبنانية ما قامت به من أسر جنود إسرائيليين بعدما كان الأسرى منا وحدنا، وفي سجون الاحتلال الآلاف من أبنائنا، فجن جنونها، حيث أوجعتها المقاومة وثأرت لكرامتنا".

وفيما يلي نص الحوار :

- ماذا عن حال الأمة في ظل ما يحدث من عدوان علي لبنان؟

قال الدكتور القرضاوي: أمتنا في حالتها التي نعيش فيها اليوم في حالة موات وهوان، والشئ الوحيد الذي يدل علي ان الأمة مازالت حية وفي صدورها قلوب موصولة بالحياة هو المقاومة التي نراها في فلسطين ولبنان، وما دون ذلك فلا شئ مشرف، والاستسلام يخيم عليها خصوصا من الأنظمة العربية.

- وما الذي أوصل الأمة الي هذه الحالة من الهوان؟

د. القرضاوي: الأنظمة العربية تتصرف من منطق الإيمان بأشياء كأنها مقررات ثابتة أو يراد تثبيتها في الوعي العام.. من بين هذه المقررات ان إسرائيل قوة لا تقهر وشوكة لا تكسر وعلينا أن نتفادي مواجهتها.. وفي ظل هذه الحالة من الهوان فإن الأنظمة العربية تعتبر ما تقوم به حماس وشهداء الأقصي وصلاح الدين في فلسطين وحزب الله في لبنان مغامرة غير محسوبة وتوريط لهم في مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل.. انهم يتحدثون عن إسرائيل وكأنها قوة لا تقهر تماما كما كان يقال في الماضي عن التتار.. كان يقال: »اذا قيل لك ان التتار انهزموا فلا تصدق حتي نجحوا بضعفنا من اسقاط بغداد، ودمروا الحضارة الإسلامية هناك، وقتلوا ألف ألف مسلم، حتي وهب الله الأمة رجلا مؤمنا هو سيف الدين قطز فهزمهم وأسقط هذه الأكذوبة ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك.

- وماذا أيضا عن المقررات التي يريدون تثبيتها في وعي الأمة؟

د. القرضاوي: من ضمن المقررات أيضا المراد تثبيتها وتعميمها علي كل أبناء الأمة مثقفيها وحكامها ومحكوميها ان ما تريده أمريكا هو النافذ وكأنها إله الكون، الذي لا يسأل عما يفعل أو كما يقولون في الأمثلة الشعبية »حد يقول للغولة عينك حمرا«!! فهي بالفعل غولة وعينها حمراء ولكنها لا تخيف إلا ضعاف الإيمان.

ويضيف الشيخ القرضاوي: إن الأمة غائبة رغم المخطط الواضح الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لتغيير خريطة المنطقة العربية بدءا من تسميتها بالشرق الأوسط الجديد.. وعلي هذا الأساس تتصرف أمريكا كما يتصرف السيد مع العبيد، والملك مع ممتلكاته، والغريب أننا لا نستطيع أن نعترض.

الولايات المتحدة تريد للمنطقة أن تتغير وتصبح إسرائيل هي القوة الوحيدة المهيمنة التي تفرض إرادتها علي الجميع ومن لا يصدق هذا المخطط عليه مراجعة الحوادث السابقة، فالعالم كله ينادي بالوقف الفوري لإطلاق النار وأمريكا هي الوحيدة التي تقول دعوا الفرصة مدة من الزمن بهدف تغيير الحقائق علي أرض الواقع وحتي الزيارة التي قامت بها وزيرة خارجية أمريكا كوندوليزا رايس جاءت بعد مدة من الوقت لكي تعطي لإسرائيل الفرصة في استكمال خطتها في تدمير كل مقومات الحياة في لبنان بدءا من هدم المنازل وقتل الأبرياء وتشريد الآمنين.. هذه هي أمريكا الحقيقية، ومادامت بالنسبة لبلادنا هي الآمر الناهي فسنظل نحن العبيد الذين نأتمر بأمرها!!

- وماذا عن موقف الحكام العرب من الأزمة؟

د. القرضاوي: الأنظمة العربية ليس لديها القدرة علي التنفس وليس الكلام، ومادامت هذه الأنظمة تقول نحن لسنا مستعدين لأي حرب ماذا ننتظر منها. لقد أعطوا لإسرائيل صكا علي بياض لكي تفعل بنا ما تشاء وتركيع المنطقة بالكامل في نهاية الأمر.. لقد وصل الأمر بأحد الحكام العرب أن يقول: لا نستطيع أن نقف أمام إسرائيل وكأنهم يقولون لإسرائيل ضعوا رؤوسنا في الوحل كما تريدين دمري بيوتنا.. اهتكي أعراضنا.. اقتلي أطفالنا فليس لدينا القدرة علي مواجهتك.. فهل هناك عاقل في الدنيا يقول لعدوه: لا أستطيع مواجهتك.

الإنسان الحر يقول للقاتل أنا علي استعداد للموت دفاعا عن كرامتي.. إن ما نراه من الحكام العرب مخالف لكل ما نشأ عليه العرب. لقد نسوا وانسونا كل ما نخفظه من الشعر الذي يتحدث عن الكرامة العربية أين ما حفظناه من قول المتنبي:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذي حتي يراق علي جوانبه الدم

وأين قول شوقي:

للحرية الحمراء بـــاب بكل يــد مضرجة تدق

- وما هو الحل مع هؤلاء الحكام الذين نسوا كل شئ من أجل عروشهم؟

د. القرضاوي: الوضع الشاذ لا يمكن أن يدوم.. من الممكن أن يستمر بعض الوقت، ولكنه لا يستمر للأبد فنحن في وقت تتقارب فيه الشعوب وتثور علي حكامها والحكام العرب لا يمكن أن يبقوا للأبد ما لم يعدلوا من أنفسهم وماعدا ذلك فإن منطق الأشياء يقول بزوال الحكام، وعدم استمرارهم للأبد.. والدليل علي ذلك الاتحاد السوفيتي الذي وصل من القوة ما لم يصل اليه أحد وأصبح الكيان الأعظم الثاني ومع كل هذا انهار بسبب خلل داخلي وكما قال الله تعالي: »وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم«.

- وماذا عن المقاومة وموقف الشعوب تجاهها؟ وما حكم الشرع فيما فعله حزب الله؟

د. القرضاوي: من حق أي بلد وأي شعب أن يقاوم المحتلين ويجب علينا كمسلمين أن نهب لنجدة أخانا المسلم، وجمهور فقهاء المسلمين يقول ان اي بلد يحتل من العدو يجب علي اهله الدفاع عنه بكل ما يقدر وفي هذه الحالة تسقط الحقوق الخاصة وتقدم الحقوق العامة، ويصبح الجهاد فرض عين فللمرأة أن تخرج للجهاد حتي بدون إذن زوجها، والولد دون إذن والده، والخادم دون إذن مخدومه لأن حق الأمة مقدم علي حق الأفراد، واذا تقاعس أهل البلد فعلي جيرانهم نجدتهم ثم جيران جيرانهم وهكذا حتي يشمل الجهاد الأمة بأكملها.. والآن علينا جميعا أن نهب للدفاع عن لبنان ضد الجبروت الإسرائيلي الذي دمر بلدا من أجل ثلاثة أسري، ولم يتحرك عربي واحد من قبل من أجل ما يقرب من 10 آلاف أسير في سجون إسرائيل التي تتحرك بتجبر في الأرض وكما يقول المثل: »يا فرعون ايه فرعنك؟ قال ملقيتش حد يصدني«.

- ما رأيك فيما قامت به الشعوب والغضب العارم الذي خرج من صدورهم؟

د. القرضاوي: الأمة في حالة يرثي لها والشئ الوحيد الذي يعذبنا هو الحيوية التي ظهرت في الشارع. الجماهير كلها تغلي وتقول نريد أن نقاتل ونجاهد نريد الثأر من القتلة، وللأسف فإن هذه الجماهير لم تجد سبيلا لتحقيق أمنية الجهاد.

- وما هي المشكلة التي تعوق المسلمين بالدول العربية علي الجهاد؟

د. القرضاوي: مشكلة الأمة في عدم وجود حرية فلو كانت في بلادنا حرية لوجدت الجماهير بالملايين تتطوع للجهاد ونصرة كل المقاومة في كل البلاد العربية والإسلامية.

- هناك من يقول ان المقاومة اللبنانية مقاومة شيعية ونحن أمة معظمها من السنة؟

د. القرضاوي: المقاومة هي أشرف ما في الأمة سواء في فلسطين أو لبنان ولا يضير المقاومة اللبنانية أنها من الشيعة طالما انهم هم الذين حملوا السلاح وأخذوا علي عاتقهم مهمة تطهير الأرض المسلمة من الدنس الإسرائيلي وانتصروا من قبل، وحرروا اليهود، ويبقي جزء من مزارع »شبعا« سوف يستطيعون تحريره إن شاء الله قريبا.. وأنا لا أجد فرقا بين السنة والشيعة وإن كان الشيعة قد خالفونا في بعض الفروع فإنهم من أهل لا إله إلا الله ويتفقوا معنا في كثير من الاصول، وهم معنا في دائرة الأمة الإسلامية، وجزء لا يتجزأ منها، وإن كان كلمة حق يجب أن نقولها فإننا ننكر علي شيعة العراق تعصبهم، وندعوهم الي نبذ هذا العنف ضد أشقائهم المسلمين السنة، ويقفون ضد المجازر التي تدار، ولا تستفيد منها سوي قوي الاحتلال الأمريكي والكيان الصهيوني.

- ماذا أعجبك في المقاومة اللبنانية خلال الأيام الماضية؟

د. القرضاوي: من مفاخر المقاومة اللبنانية انها جعلتنا لأول مرة نحصل في أيدينا علي أسري إسرائيليين من جنود العدو بعد أن كانوا هم الذين يأسروننا وفي سجونهم الآلاف من أبنائنا ولم يكن لدينا أسير واحد منهم ولذلك جن جنون إسرائيل هي التي تأسر فهي التي تقتل وهي التي تدمر وجنودها هم البشر، وجنودنا غير ذلك وجاءت المقاومة لتوجع الكيان الصهيوني وتثأر لكرامتنا جميعا.

ويضيف: ومن المفاخر التي تذكر للمقاومة اللبنانية انها استطاعت أن تضرب بصواريخها في العمق الاسرائيلي وتجعل الصهاينة يلوذون بالملاجئ ولأول مرة تعترف إسرائيل بوقوع قتلي وجرحي في صفوفها من جراء قصف حزب الله لمدنها وتكبيدها خسائر بالمليارات، والعارفون يقدرون حجم هذه الخسائر خاصة في ضرب الموسم السياحي الإسرائيلي نتيجة خوف السائحين وهو موسم كان يدر علي إسرائيل الملايين.. وبالنسبة لخسائرنا من قتلي ومصابين فإننا نقول كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم يوم أحد »قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة«.

ونحن نقاتل من أجل الحسنيين النصر أو الشهادة وكما قال تعالي: »إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون«.

فالمقاومة استطاعت تكبيد أقوي جيش يحارب ومن ورائه أمريكا خسائر فادحة وإن كانت إسرائيل تقاتل بقوة السلاح الأمريكي وبالدعم الأمريكي السياسي والاقتصادي والعسكري وبسلاح »الفيتو« فإن حزب الله يقاتل بقوة الإيمان.

- هل تري فضيلتكم بشائر خير بعد الغضب الذي ابدته الشعوب المسلمة تجاه العدوان؟

د. القرضاوي: في المنظور القريب لا توجد بشائر أما اذا نظرنا الي المدي البعيد، والقوي الكامنة لدينا فإننا نجد أشياء كثيرة مبشرة فالأمة بها أشياء ليست هينة فالقوة العددية تصل الي مليار ونصف المليار مسلم والقوة الاقتصادية تمتلك معظم النفط بالاضافة للأراضي التي تمتلئ بالخير والشواطئ والبحار والوديان.. بالاضافة الي ذلك نحن نملك القوة الروحية بالرسالة الخاتمة ونملك القرآن الوثيقة الإلهية التي لا يمكلها غيرنا، بجانب القوة الحضارية فنحن منطقة الحضارات القديمة الفرعونية في مصر والبابلية في العراق والفارسية في إيران في الوقت الذي لا تجد فيه أمريكا سوي 2000 سنة هي كل عمرها.. ونحن أيضا مهد الرسالات السماوية.

- سؤال أخير: هل تكفي كل هذه الأشياء لكي ننتصر علي المخططات الصهيونية؟

د. القرضاوي: إننا نعتقد أننا اصحاب الحق وعدونا علي باطل، والحق ـ حتي لو تعرض لكبوات ـ فإنه سوف ينتصر في النهاية ولننظر للتاريخ لقد جاء الصليبيون الي فلسطين واقاموا القلاع والمتاريس وفي النهاية هيأ الله من المسلمين رجالا ردوهم مدحورين والأيام دول وبالحياة دائما سنة التداول، والدهر يومان يوم لهم ويوم عليهم إن شاء الله واللهم أرنا فيهم يوما وزلزلهم، اللهم انصر المقاومة البطلة في فلسطين ولبنان وكل بلاد المسلمين.