أعرب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في ختام أعمال الجمعية العامة الثانية للاتحاد والتي عقدت في إستانبول بتركيا يومي 10و11-7-2006، عن قلقه البالغ من مسلسل القتل المتواصل، ونزف الدم الذي لا ينقطع من الشعب العراقي الجريح، داعيا علماء السنّة والشيعة هناك للاجتماع من أجل التوصل إلى ميثاق شرف لحقن الدماء، كما أبدى الاتحاد تأييده لإطلاق حملة شعبية عالمية لدعم الشعب الفلسطيني وحكومته الشرعية، مؤكدا واجب نصرة الفلسطينيين بكافة أشكال الجهاد.

واعتبر البيان الختامي للجمعية "أنّ ما ترتكبه الجيوش الأجنبية الغازية للعراق، من فظائع لم يسبق لها مثيل، يمثِّل وصمة عار في جبين الدول التي تقوم به"، مناشدا "حكومات هذه الدول بلا استثناء أن تثوب إلى رشدها، وأن تسترجع إنسانيتها، وأن تكفّ على الفور عن هذه الأعمال التي تحرّمها وتجرّمها كلّ المواثيق والدساتير والقوانين والأعراف، وأن تنسحب من العراق انسحاباً فورياً، يتولى بعده الشعب العراقي إدارة شؤون بلاده بنفسه".

وندد البيان بما "يحدث في بغداد وغيرها من المدن، من مجازر بشرية امتلأت معها المستشفيات والشوارع بجثث الأبرياء وأشلائهم، ومن نشاط فرق الموت والاغتيالات في قتل القيادات وأئمّة المساجد والعلماء (..) وانتهاك الأعراض"، مؤكدا إدانته الشديدة "لجميع أعمال العنف والإرهاب والقتل والتخريب والخطف والتفجيرات التي توجَّه نحو الأبرياء". ونبه الاتحاد على "أنّ هذه الفتنة لن يكون فيها غالب ولا مغلوب" و "أنّ العراق اليوم يتعرّض لمؤامرة كبرى تهدف إلى تمزيق نسيجه الاجتماعي ولو بقي رسمياً دولةً واحدة، وذلك من خلال إثارة النعرات المذهبية والطائفية والقومية".

دعا الاتحاد علماء السنّة والشيعة في العراق، وبخاصّة المرجعيات الكبرى، إلى تحمّل مسؤوليّتهم في الحفاظ على وحدة الشعب والوقوف في مواجهة هذه الفتن، مقترحا عقد اجتماع في دولة من غير دول الجوار المباشر للعراق من أجل "التوصل إلى ميثاق شرف لحقن دماء المسلمين". كما أشار البيان إلى أن الاتحاد سيكوّن فريقاً من علمائه للعمل على تقديم تصوّر كامل لإنهاء الأزمة العراقية الحالية.

وكانت أعمال الجمعية العامة الثانية للاتحاد قد بدأت مساء الإثنين 10-7-2006 في مدينة إستانبول بتركيا، واعتبر العلامة الشيخ القرضاوي -رئيس الاتحاد- اجتماع إستانبول بمثابة التأسيس الرسمي للاتحاد، مرجعا هذا إلى انعقاد الاتحاد في المدينة التي كانت عاصمة الخلافة الإسلامية يوما ما. وشارك في أعمال الاجتماع 270 من أعضاء الاتحاد المسجلين والذين يبلغ عددهم 572 عضوا.

الشأن الفلسطيني

وجددت الجمعية العامة التأكيد على موقف الاتحاد بوجوب نصرة الفلسطينيين على كافة المسلمين "بشتى أنواع الجهاد: بالمال والنفس واللسان والقلم، وأن يستنفروا القوى المحبّة للخير في العالم للوقوف صفاً واحداً لاستنكار جرائم الكيان الصهيوني في حقّ الإنسان الفلسطيني".

وأكد البيان الختامي للجمعية "أنّ الانتفاضة المباركة والمقاومة الفلسطينية الباسلة هي ممارسة مشروعة لحقّ وواجب مقاومة الاحتلال الذي يقرره الإسلام وسائر الشرائع الدينية (..) ومن الواجب على كلّ فرد منّا أن يقدّم لها ما يستطيع من دعم". كما نبه "المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها (إلى) حرمة الدم الفلسطيني بعضه على بعض، وبضرورة تمسّكها بالثوابت الإسلامية والوطنية".

وفيما يتعلق بقضية القدس، دعا الاتحاد "علماء المسلمين خاصّة، والمسلمين عامّة، وذوي المال والسعة بوجه أخصّ، إلى مناصرة قضية القدس بما يستطيعون من قوّة، ولا سيما في مجال تسويق وتمويل المشروعات الاقتصادية والإعمارية العملية لدعم وإسناد الشعب الفلسطيني في الداخل وخصوصاً مدينة القدس".

وشدد البيان على أن الجمعية العامة للاتحاد أجمعت على واجب إعانة الشعب الفلسطيني "من أموال الزكاة والصدقات والوصايا بالخيرات العامة، وغيرها؛ بل يجب أن يقتطع المسلمون نصيباً من أموالهم الخاصّة، ومن أقواتهم، لدعم إخوانهم في فلسطين"، معربا عن تأييده للجهود التي يبذلها عدد من المؤسسات والأفراد لبدء حملة شعبية عالمية لدعم الشعب الفلسطيني وحكومته الشرعية.

قضايا الأمة

وتطرق البيان الختامي إلى العديد من قضايا ومشكلات الأمة الإسلامية، حيث أشار إلى تأييد الاتحاد "للجهود التي تبذلها الحكومة السودانية في رأب الصدع الوطني الداخلي الناتج عن أزمة دارفور، وعن الاختلاف بين فئات السياسيين الجنوبيين"، معربا عن دعمه التوجّه الذي أعرب عنه البرلمان العربي من عدم القبول بوجود قوات دولية في أي جزء من أرض السودان، دون موافقة حكومته.

ودعا الاتحاد سائر الفصائل التي حملت السلاح في دارفور إلى الانضمام إلى الاتفاق الذي تمّ مؤخراً بين الحكومة السودانية وكبريات تلك الفصائل. كما حث الدول العربية والدول الإسلامية الإفريقية، على تحمّل مسؤولياتها في قوات حفظ السلام في دارفور، وفي جنوب السودان، بما يقطع الطريق أمام التدخّل الأجنبي.

وبالنسبة للوضع في الصومال، دعا البيان "القوى المتنازعة (..) إلى رأب الصدع فيما بينها والنزول على كلمة سواء تحفظ للصومال وحدته وتصونه من تدخّل القوى الأجنبية المتربّصة به"، مشيرا إلى أن الاتحاد سيعمل على تحري حقائق الوضع في الصومال، وعلى بذل كلّ جهد ممكن للمعاونة على إنهاء أزمته الحالية وخروجه منها في أقرب وقت ممكن.

وأكد الاتحاد حقّ إيران وسائر الدول الإسلامية، في الحصول على الطاقة النووية وسائر ضروب الطاقة المتجددة، كما رحب بالاستعداد إيران في شأن مشاطرة الدول الإسلامية الأخرى ما بلغته من تقدّم في هذا الشأن.

مصالحة شاملة

وشددت الجمعية العامة الثانية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بيانها الختامي على الدعوة إلى إحياء المصالحة الشاملة بين فعاليات الأمّة كافّة، الحكومية والشعبية، العلماء والدعاة، الهيئات والمنظّمات، على أساس من كفالة الحقوق، وتعزيز مناخ الحريات، وتوسيع قاعدة المشاركة .

وأكد البيان "ضرورة الإسراع في الإفراج عن سائر المعتقلين السياسيين، في جميع دول العالم الإسلامي، واستيعاب الجميع في الحياة العملية، وفي النشاط الدعوي السلمي".

ودعا الاتحاد علماء المسلمين جميعاً، إلى الالتزام ببنود الميثاق الأخلاقي الإسلامي، الذي يقوم على "النظر إلى اختلاف الرُؤى بين المسلمين في الاجتهادات الفقهية وفي المواقف اليومية على أنه ينبوع ثراء واختلاف تنوّع"، ويتبنى "مواجهة التحدّيات القائمة بتضافر الجهود بدل تراشق الاتهامات، والتأكيد على تلازم القضايا الإسلامية بعضها مع بعض".

حقوق الأقليات المسلمة

وأشار البيان إلى قلق الاتحاد البالغ لما تتعرّض له الأقليات المسلمة في عدد من دول العالم من اضطهاد جائر، واستهانة بمشاعر المسلمين وشعائرهم ومظاهر حياتهم الفردية والجماعية، داعيا حكومات تلك الدول، والإعلام فيها بوسائله كافّة، إلى ضمان حصول المواطنين المسلمين فيها على حقوقهم الكاملة.

وندد الاتحاد بمواقف سلطات بعض الدول الإسلامية التي "تنتهك حقوق الأكثرية الإسلامية، فتحرم نساءها من ممارسة حقّهنّ الطبيعي في ارتداء اللباس الإسلامي أو تضيّق على الملتزمات به، وتضطهد الملتزمين بدينهم ، بل قد يصل الأمر إلى حدّ تدنيس المصحف الشريف، والاستهانة بشعارات الإسلام وشعائره"، ويدعو الاتحاد هذه الدول إلى "الالتزام بدساتيرها التي تنصّ على مرجعية الإسلام لقوانينها، والانصياع لرغبات أكثرية شعوبها إن كانت كما تزعم أنظمة ديمقراطية".

وفي ختام البيان، وجه الاتحاد الشكر إلى الحكومة التركية، وبوجه خاص وزارة خارجيتها التي سهّلت منح تأشيرات الدخول إلى تركيا لأعضاء الاتحاد من جميع سفاراتها في جميع أنحاء العالم، واتحاد الجمعيات الطوعية في تركيا الذي ساهم مساهمة فعّالة في تنظيم الجمعية العامة وإنجاح أعمالها.

جدير بالذكر أن حفل افتتاح الجمعية العامة للاتحاد حظي بمشاركة رسمية تركية لافتة للنظر، حيث شارك فيه كل من مساعد رئيس الوزراء التركي، ومحافظ إستانبول ورئيس بلدية إستانبول ووزير شئون الديانة، وعدد من الوزراء والنواب. كما تلقى مسئولو الاتحاد برقيات من رئيس الوزراء التركي وعدد من النواب والمحافظين.

وتأسس اتحاد علماء المسلمين قبل عامين في مؤتمر حاشد في لندن، والهدف الرئيسي من تأسيس الاتحاد أن يصبح إطارا واسعا للعلماء، الذين لم تعد هناك من وسيلة للقائهم واجتماعهم وإعرابهم عن موقف جماعي من قضايا المسلمين والعالم. ويضم الاتحاد علماء سنة وشيعة اثنا عشرية وزيديه وإباضيين، وهي المجموعات التي تشكل الأغلبية الساحقة من المسلمين، مما يمثل عملا غير مسبوق في التاريخ الإسلامي.

ونشط الاتحاد خلال العامين الماضيين في تقصي حقائق الوضع السوداني، وفي متابعة الشأن الفلسطيني، وفي ملاحظة التطورات على صعيد العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب. وقد أعرب الاتحاد عن مواقفه تجاه الأحداث والتطورات المختلفة في تقارير وبيانات وفتاوى.

ويرأس الاتحاد الشيخ يوسف القرضاوي، وله 3 نواب، عن الجانب السني يمثله الدكتور عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني الأسبق، وعن الجانب الشيعي آية الله التسخيري، وعن الجانب الإباضي الشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة عمان، وأما أمينه العام فهو الدكتور محمد سليم العوا، ويضم الاتحاد في عضويته مئات من علماء المسلمين من جميع الدول.

والمقر الرئيسي للاتحاد في أيرلندا، فيما توجد أمانة الاتحاد بالقاهرة، وللاتحاد فرع في بيروت يرأسه المستشار فيصل مولوي.

 

 

· نص البيان