يسأل أحد رواد الموقع عن مشكلة تعترى حياته الزوجية قائلاً:
تكمن مشكلتي في زوجتي التي تريد أن أبقى معها دائماً في البيت لا أخرج، بل قد تجبرني أحيانا على الجلوس في البيت حتى وصل الأمر إلى حبسي، كما أنها قد تسبني وتتهمني بعدم الأخلاق، والأخطر من هذا أنها تمتنع عن المعاشرة الزوجية، فما حكم هذه المرأة، وماذا أفعل معها؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ السائل:
جعل الله تعالى قوامة البيت للرجال، وقرر هذا في كتابه، فقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، ثم ذكر بعدها صفات لنساء المسلمين: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}.
ففي مثل هذا الجو من الصلاح تكون قوامة الرجل بعطفه وحنانه على أسرته ، فإذا خرجت المرأة عن قوامة زوجها، تأتي تكملة الآية: {وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}.
فلا يجوز للمرأة بحال أن تحبس زوجها، أو تمنعه من الخروج من البيت، بل لا يجوز للرجل أن يمنع امرأته من الخروج من البيت في بعض الأحايين للحاجة الملحة، وكل ما ورد في حق الرجل في خروج زوجته أن تستأذنه، حتى تتم قوامته عليها، وحتى يكون الخروج برضا بين الزوجين؛ لأنه القيم عليها، الحافظ لعرضها، الحارس لشرفها.
ولكن عندما تنقلب الموازين، فهذا أمر يكرهه الإسلام، وقد كره الرسول صلى الله عليه وسلم المترجلة من النساء، فالزوجة تأثم بمثل فعلها، بل توجب غضب الله تعالى عليها بمثل هذا الفعل الذي يكاد يهدم البيت.
وقد تجنح كثير من النساء إلى أن يبقى زوجها معها في البيت، ولا مانع من أن يمكث الرجل في بيته مع زوجته وقتا من اليوم، فقد تكون المرأة وحدها، وهي بحاجة إلى أنيس، كما أن الرجل بحاجة إلى أنيس أيضا، وإن كان الرجل يجد أنسه مع أصحابه وبعض معارفه، فأين أنس المرأة إن كانت تجلس وحدها وبمفردها في شقتها بين جدران أربع، مع عدم وجود وسائل للتسلية المباحة؟ ولكن لا يكون الجلوس جبرا وقسرا وقهرا.
وقد خلق الله تعالى الإنسان رجلا أو امرأة اجتماعيا بطبعه، يحب أن يألف ويؤلف، ويأنس ويؤنَس، ففي طلب زوجتك الجلوس معها في البيت حق لها، ولكن لا يكون ذلك طول الوقت، فيكون هناك نوع من الموازنة في الأمور.
وفي تقديري أن عدم وجود الألفة بين الزوجين هو الذي يسبب نفورك من البيت مع ما صنعته زوجتك، وهي تشتكي وحشتها من الجلوس وحدها في شقتها، فحاول أن تجد وسائل تحببك في وجودك مع زوجتك، مع بعض الوسائل الأخرى التي تشغل زوجتك وقت خروجك، وهذه الوسطية التي قيل عنها: خير الأمور أواسطها، وهي ميزة من ميزات هذا الدين الحنيف، فلا إفراط ولا تفريط.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون مع أهله، يداعبهن ويلاعبهن، ويكون معهن في كثير من شئونهن، وفي ذات الوقت كان يخرج مع أصحابه ويتدارس معهم شئون الدعوة إلى الله تعالى، فوازن بين الأمور كلها.
ولكن كل هذا يكون في قوامة من الرجل، وقيامه بواجبه تجاه بيته وأسرته.
أما عن سب وشتم الزوجة لك، فهذا لا يجوز بحال من الأحوال، لا لك، ولا لها، فالمسلم عفيف اللسان، يترفع عن فحش القول، وقد قال الله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا}، فإن كان المسلم مطالب بالقول الحسن، فإن المرأة يتوجب عليها القول الحسن لزوجها؛ لأن هذا من أقل حقوق الرجل على زوجته، وعفة اللسان من حسن العشرة، وهي مطلوبة من المرأة كما هي من الرجل، وقد جاء الخطاب للرجال بحسن العشرة في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ لأن من المفترض أن المرأة تكون حريصة على إرضاء زوجها، بما له من حق عليها، فأعظم الناس حقا على المرأة زوجها، فقد أخرج السيوطي بسند صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعظم الناس حقا على المرأة زوجها، وأعظم الناس حقا على الرجل أمه".
ومع خطأ الزوجة في حق زوجها، فإن عليه أن يغفر لها، فربما قالتها في ساعة غضب، وإن كان هذا لا ينفي عنها الخطأ والإثم عليها، ولكن الإسلام حث على الصفح عن المخطئين في حقوقنا، كما قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فالله تعالى يعلمنا أن الصفح عن الغير سبب في غفران الله تعالى لنا، فمن عفا عن أخيه، عفا الله عنه، ومن سامح أخاه، سامحه الله، فلتسامح زوجتك عن خطأها في حقك، ولا تجمع عليها غضب الله ثم غضبك.
والرجل عادة ما يكون قادرا على تشخيص حالة زوجته، وهو يعرف ما الذي يغضبها، وما الذي يسعدها، وما هي مفاتيحها التي يدخل إلى قلبها من خلالها، فاجلس مع زوجتك في ساعة صفاء وود بينكما، واعرف منها ما الذي أوصلها إلى هذه الحالة، وحاول أن تعالجها بشيء من الحكمة مع الاستعانة بالله تعالى.
ولكن أخطر ما في الموضوع هو امتناع المرأة عن فراش زوجها، ونومها في حجرة أخرى، فإن هذا من أعظم الذنوب عند الله تعالى، والتي قد توجب غضب الله تعالى ولعنته عليها، فلا يجوز للمرأة الامتناع عن زوجها إلا أن يكون لها سبب يمنعها من ذلك كحيض ونفاس، أو مرض لا تستطيع معه القيام بحق الزوجية، وذلك أن امتناع المرأة عن زوجها قد يدفعه إلى النظر الحرام، ومشاهدة الحرام، بل قد ينشئ علاقات غير شرعية، مما قد يؤدي إلى الوقوع في الزنى، والعياذ بالله.
ومن هنا كان تشديد الإسلام في هذا الأمر على الزوجة؛ لأن الرجل يطلع على ما لاتطلع عليه المرأة، كما أن المرأة بطبعها وفية في الحب لزوجها، وهي لا تنظر إلى غيره، بخلاف بعض الرجال، فكان واجبا على المرأة ألا تهدم بيتها، وألا تخسر زوجها، بأن تعفه عن الحرام.
ومن هنا يفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح".
وهذه اللعنة مشروطة بألا يكون هناك مانع يمنع المرأة من إعطاء الرجل حقه في المعاشرة الزوجية.
وعلى الزوج أن ينصح زوجته وأن يذكرها بالله تعالى، وأن يسعى في كل محاولة للإصلاح الجاد بينه وبين زوجته، فإن رأى من امرأته إصرارا على عصيانه، ورفضها لإعطائه حقه، فيجوز له طلاقها، على أن يكون التفكير في الطلاق آخر دواء للعلاج والإصلاح.
وفي خطورة امتناع المرأة عن زوجها يقول الشيخ القرضاوي:
إن العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية. وقد يؤدي عدم الاهتمام بها، أو وضعها في غير موضعها إلى تكدير هذه الحياة، وإصابتها بالاضطراب والتعاسة. وقد يفضي تراكم الأخطاء فيها إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها من القواعد.
وربما ظن بعض الناس أن الدين أهمل هذه الناحية برغم أهميتها. وربما توهم آخرون أن الدين أسمى وأظهر من أن يتدخل في هذه الناحية بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم، بناء على نظرة بعض الأديان إلى الجنس "على أنه قذارة وهبوط حيواني".
والواقع أن الإسلام لم يغفل هذا الجانب الحساس من حياة الإنسان، وحياة الأسرة، وكان له في ذلك أوامره ونواهيه، سواء منها ما كان له طبيعة الوصايا الأخلاقية، أم كان له طبيعة القوانين الإلزامية.
1 - وأول ما قرره الإسلام في هذا الجانب هو الاعتراف بفطرية الدافع الجنسي وأصالته، وإدانة الاتجاهات المتطرفة التي تميل إلى مصادرته، أو اعتباره قذرًا وتلوثًا؛ ولهذا منع الذين أرادوا قطع الشهوة الجنسية نهائيًا بالاختصاء من أصحابه، وقال لآخرين أرادوا اعتزال النساء وترك الزواج: "أنا أعلَمُكم بالله وأخشاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني".
2 - كما قرر بعد الزواج حق كل من الزوجين في الاستجابة لهذا الدافع، ورغب في العمل الجنسي إلى حد اعتباره عبادة وقربة إلى الله تعالى، حيث جاء في الحديث الصحيح: "وفي بضع أحدكم (أي فرجه) صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم. أليس إذا وضعها في حرام كان عليه وزر. كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر، أتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير؟". رواه مسلم.
ولكن الإسلام راعى أن الزوج بمقتضى الفطرة والعادة هو الطالب لهذه الناحية والمرأة هي المطلوبة. وأنه أشد شوقًا إليها، وأقل صبرًا عنها، على خلاف ما يشيع بعض الناس أن شهوة المرأة أقوى من الرجل، فقد أثبت الواقع خلاف ذلك.. وهو عين ما أثبته الشرع.
(أ) ولهذا أوجب على الزوجة أن تستجيب للزوج إذا دعاها إلى فراشه، ولا تتخلف عنه كما في الحديث: "إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التنور". (رواه الترمذي وحسنه).
(ب) وحذرها أن ترفض طلبه بغير عذر، فيبيت وهو ساخط عليها، وقد يكون مفرطًا في شهوته وشبقه، فتدفعه دفعًا إلى سلوك منحرف أو التفكير فيه، أو القلق والتوتر على الأقل، "إذا دعا الرجل امرأته، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح". (متفق عليه).
وهذا كله ما لم يكن لديها عذر معتبر من مرض أو إرهاق، أو مانع شرعي، أو غير ذلك.
وعلى الزوج أن يراعي ذلك، فإن الله سبحانه - وهو خالق العباد ورازقهم وهاديهم - أسقط حقوقه عليهم إلى بدل أو إلى غير بدل، عند العذر، فعلى عباده أن يقتدوا به في ذلك.
(جـ) وتتمة لذلك نهاها أن تتطوع بالصيام وهو حاضر إلا بإذنه؛ لأن حقه أولى بالرعاية من ثواب صيام النافلة، وفي الحديث المتفق عليه: "لا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه" والمراد صوم التطوع بالاتفاق كما جاء في ذلك حديث آخر.
3- والإسلام حين راعى قوة الشهوة عند الرجل، لم ينس جانب المرأة، وحقها الفطري في الإشباع بوصفها أنثى؛ ولهذا قال لمن كان يصوم النهار ويقوم الليل من أصحابه مثل عبد الله بن عمرو: إن لبدنك عليك حقًا، وإن لأهلك (أي امرأتك) عليك حقًا. قال الإمام الغزالي: "ينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة، فهو أعدل، إذ عدد النساء أربع (أي الحد الأقصى الجائز) فجاز التأخير إلى هذا الحد. نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين. فإن تحصينها واجب عليه". (إحياء علوم الدين، جـ 2، ص 50 دار المعرفة - بيروت).انتهى
وعلى الزوج أن يبحث عن سبب امتناع المرأة عن مثل هذا الشيء، فهو فطري، والمرأة في حاجة إليه كما أن الرجل في حاجة إليه أيضا.
وفي تقديري أن بحث المشكلة مع وجود الألفة والمودة والحرص على بقاء البيت، والسعى لإرضاء النفوس من قبل الزوجين، سبب قوي في طريق العلاج والحل لمثل هذه المشكلات، مع الاستعانة بالله تعالى، والإكثار من التقرب إليه بالطاعات والقربات، فهو سبحانه مفرج الكروب، كاشف الهموم والغموم.
والله نسأل لكما التوفيق وحسن العشرة.
والله أعلم