حب الناس نعمة من الله، وليس للإنسان صنع فيها، وحب الناس لي ناشئاً لأمرين الأول هو الصدق: أنا أقول ما أراه حقاً، الأمر الثاني هو أنني أتبنى تياراً في الدعوة والفكر هو تيار الوسطية والاعتدال

مواقف أمريكا المختلفة من المسلمين تشككهم أنها لا تضمر خيراً لهم، لأنها تعتبره ديناً يستعصي على الاستسلام لها،أو لأن اللوبي الصهيوني يؤثر عليها ويوحي لها بهذه المواقف

طالبان ليست إرهابية، بل هي تقليدية، عيب طالبان ليس الإرهاب، بل الجمود، وأخذ طالبان بذنب بن لادن لا أجد له مبرراً

مقدمة

القرضاوي في بيته

تم لقاء مساء الثلاثاء الماضي بين د.يوسف القرضاوي وتوماس فريدمان أشهر صحفي مدافع عن إسرائيل مؤيد لمسيرة السلام في بيت د.القرضاوي بالدوحة،

 

في البدء عبّر د.القرضاوي عن ترحيبه بلقاء فريدمان مرتين: في الدوحة أولاً وفي بيته ثانياً، وحرص على أن يصافح كل من رافق ضيفه الأمريكي اليهودي مقدماً سورة الإسلام الحقيقية في الحفاوة بالضيف، وزاد الأمر فصاحة أن عبّر د. القرضاوي عن أنه نصح من كثيرين بألا يلقى فريدمان، فهو حسب قولهم يوقع الآخرين في مطبات ولا يصل إلى الحقيقة، حينها عبّر فريدمان عن تلقيه تحذيراً مماثلاً .. لكن القرضاوي بدأ متحدثاً عن فضيلة الحوار

إلى أعلى

دين الحوار

نحن مسلمون مأمورون ديناً بالحوار مع الآخر، فهو جزء من منهج الدعوة إلى الإسلام الذي أمر الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وكل مسلم من بعده، كما قال تعالى (ادع إلى سبيل ربك 

توماس فريدمان

بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).

وفي هذه الآية اكتفى النص القرآني في الموعظة أن تكون حسنة، ولم يرض في الجدال إلا أن يكون (بالتي هي أحسن) لأن الموعظة تكون مع الموافقين، والجدال يكون مع المخالفين، فلابد أن يخاطبوا بأرق الألفاظ، وأرفق الأساليب، إيناساً لهم، وتقرباً بينهم وبين المسلمين.

ومن نظر القرآن الكريم وجده كتاب حوار من الطراز الأول: حوار بين رسل الله وأقوامهم، كما نرى في حوار نوح وإبراهيم وموسى وهود وصالح وشعيب وغيرهم.

وحوار بين الله وخلقه، فقد حاور الله – جل جلاله – الملائكة حين أراد أن يخلق آدم. بل ذكر لنا القرآن الحوار بين الله الكبير المتعال وبين شرّ خلقه إبليس، وهو حوار طويل ذكر في عدة سور في القرآن الكريم.

لهذا نرحب بالحوار البنّاء والإيجابي، ما دام يريد البحث عن الحقيقة، ولا يريد فرض مفاهيم معينة، أو فلسفة معينة، أو سياسة معينة علنياً.

ولقد علمنا القرآن سياسة الحوار حين قال (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن. إلا الذين ظلموا منهم. وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون).

فنحن مأمورون بحوار أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالطريقة التي هي أحسن الطرق وأقربها، إلا الذين ظلموا منهم وتجاوزوا حدودهم معنا، فلا حوار بيننا وبينهم، أما الآخر وهم ومحاوروهم وتذكر القواسم المشتركة، ونقاط الاتفاق بيننا وبينهم، لا نقاط التمايز والاختلاف. ولهذا قال (وقولوا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد) فذكر نقاط الاتفاق يقرب بين الطرفين المتحاورين.

أما عن موقفنا من الإرهاب فقد قال د. القرضاوي: إننا ندين الإرهاب بكل صوره، مهما كانت دوافعه ومنطلقاته خيرة في نظر أصحابه، فرأيي أن الإسلام يرفض الفلسفة التي تقول: الغاية تبرر الوسيلة، فالإسلام يلتزم ويلزم بشرف الغاية وطهر الوسيلة معاً، ولا يجيز بحال الوصول إلى الغايات الشريفة بطرق غير نظيفة، لا يجيز للمسلم أن يأخذ الرشوة مثلاً، أو يختلس المال، ليبني به مسجداً أو يقيم به مشروعاً خيرياً (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).

ونحن كما ندين الإرهاب: ندين العنف وننكره باسم الشرع. ولكن ما العنف الذي ننكره؟ وما الإرهاب؟ وما الفرق بينهما؟ إن تحديد المفاهيم هنا (ضرورة علمية) حتى لا تبقى هذه الكلمات الخطيرة مائعة ورجراجة يفسرها كل فريق بما يحلو له.

إلى أعلى

ما هو العنف؟


تكاد أمريكا تريد أن تراقب عقول الناس إذا فكروا وعواطف الناس إذا أحبوا أو كرهوا، وسلوك الناس إذا تدينوا أو فسقوا. وهي تطمئن إلى المسلمين إذا فسقوا أو أعرضوا عن الله

العنف – فيما أرى – : أن تستخدم فئة القوة المادية في غير موضعها، وتستخدمها بغير ضابط من خلق أو شرع أو قانون، ومعنى (في غير موضعها): أن تستخدم حيث يمكن أن تستخدم الحجة أو الإقناع بالكلمة والدعوة والحوار بالتي هي أحسن، وهي حين تستخدم القوة لا تبالي من تقتل من الناس، ولا تسأل نفسها: أيجوز قتلهم أم لا؟ وهي تعطي نفسها سلطة المفتي والقاضي والشرطي.

هذا هو العنف، أما الإرهاب فهو: أن تستخدم العنف فيمن ليس بينك وبينه قضية، وإنما هو وسيلة لإرهاب الآخرين وإيذائهم بوجه من الوجوه، وإجبارهم على أن يخضعوا لمطالبك، وإن كانت عادلة في رأيك.

ويدخل في ذلك: خطف الطائرات، فليس بين الخاطف وركاب الطائرة – عادة – أية قضية، ولا خلاف بينه وبينهم، إنما يتخذهم وسيلة للضغط على جهة معينة، مثل: حكومة الطائرة المخطوفة، أو حكومة الركاب المخطوفين لتحقيق مطالب له كإطلاق مساجين أو دفع فدية، أو نحو ذلك، وإلا قتلوا من قتلوا من ركاب الطائرة، أو فجروها بمن فيها.

كما يدخل في ذلك: احتجاز رهائن لديه، لا يعرفهم ولا يعرفونه، ولكن يتخذهم وسيلة ضغط لتحقيق مطالبه أو يقتل منهم من يقتل، كما تفعل جماعة أبو سيّاف في جنوب الفلبين وغيرهم من الجماعات المماثلة.

ومن ذلك: قتل السياح في مصر، كما في مذبحة الأقصر، لضرب الاقتصاد المصري، للضغط على الحكومة المصرية.

ويدخل في هذا: ما حدث في جزيرة (بالي) في إندونيسيا منذ أيام، فليس هناك مشكلة بين الذين ارتكبوا هذه الجريمة وهؤلاء السياح.

ثم سأل فريدمان د. القرضاوي: إنك أكثر الشيوخ شعبية، إنك شيخ روحاني، لماذا يحبك الناس؟

أجاب د. القرضاوي: حب الناس نعمة من الله، وليس للإنسان صنع فيها، لكن ربما كان حب الناس هذا ناشئاً لأمرين الأول هو الصدق: أنا أقول ما أراه حقاً، ربما لا يعجب ما أقول بعض الناس مثل الحكام، الأميركان لكني أقول ما أراه حقاً، وألقى الله على ما أنا عليه .. الأمر الثاني هو أنني أتبنى تياراً في الدعوة والفكر هو تيار الوسطية والاعتدال، هناك غلاة متطرفون متشددون، يقابلهم متسيبون مضيعون، أحاول أن أكون في المنهج الوسط بين الإفراط والتفريط، ربما كان هذا أحب للناس.

سأل فريدمان: ماذا قلت للناس بعد أحداث سبتمبر؟

رد د. القرضاوي في اليوم التالي (12) سبتمبر أصدرت بياناً نشر في الإسلام أون لاين، ونشر في الصحف القطرية والمصرية والعربية في يوم (13) سبتمبر، أدنت في هذا البيان أحداث سبتمبر وفاعليه أياً كان دينهم ووطنهم وجنسيتهم .. إنها أحداث لا تقبل شرعاً، وهي مرفوضة في ميزان الإسلام.

إنني أدنت ما حدث في 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، من اختطاف الطائرات المدنية بركابها: من المدنيين الذين ليس بينهم وبين خاطفيها مشكلة أو نزاع، واستخدامها (آلة هجوم) وتفجيرها بمن فيها، للضغط والتأثير على السياسة الأميركية.

وكذلك ضرب المدنيين البرآء في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وهم أناس ليس بينهم وبين ضاربي البرجين مشكلة، ولا علاقة لهم بصنع القرار السياسي، وكلهم موظفون عاديون يؤدون عملهم اليومي الذي يعيشون منه، ومنهم مسلمون وغيرهم.

وإذا كنا ندين العنف بصفة عامة، فنحن ندين الإرهاب بصفة خاصة، لما فيه من اعتداء على أناس ليس لهم أدنى ذنب يؤاخذون به. (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ولما فيه من ترويع البرآء الآمنين، وترويعهم في نظر الإسلام ظلم عظيم.

وقد أصدرت فتوى منذ بضعة عشر عاماً بتحريم خطف الطائرات، وذلك بعد حادثة خطف الطائرة الكويتية، وبقاء ركابها فيها محبوسين ستة عشر يوماً، كما قتلوا واحداً أو اثنين من ركابها.

كما أفتيت بتحريم حجز الرهائن والتهديد بقتلهم، إنكاراً على ما اقترفته جماعة (أبو سيّاف). وأيضاً: أدنت الإرهاب بوضوح في خطبي ومحاضراتي ومقالاتي وكتبي وبرامجي التليفزيونية، ومن ذلك: ما ذكرته في كلمتي التي ألقيتها في مؤتمر القمة الإسلامية المسيحية، الذي عقد في روما في أكتوبر 2001.

إلى أعلى

فرق في الهدف والوسيلة


فكر سيد قطب الذي كان يميل فيه إلى تكفير الأنظمة والمجتمعات لم يكن الأخوان يقرونه ورد عليه المرشد العام للأخوان المسلمين بكتابه المعروف الذي أملاه وهو (دعاة لا قضاة) حيث قال:
لسنا قضاة كي نحكم على الناس هذا مسلم وهذا كافر.

قال د. القرضاوي:

اتهمني بعض الصحفيين الأميركيين بأنني بما أنني أجيز العمليات الاستشهادية في فلسطين، ولذلك فإنني أجيز العمليات الهجومية في سبتمبر .. قلت: هناك فرق في الهدف.

الفلسطيني الذي يفجر نفسه هو شخص يدافع عن وطنه، عدواً محتلاً إنه هدف مشروع، بخلاف الذي ذهب من أرضه ليضرب هدفاً ليس بينه وبينه معركة، إن الهدف مختلف.

فهدف ضرب الأبراج في أحداث سبتمبر غير مشروع .. كما أن الوسيلة تختلف، فالوسيلة في العمليات الاستشهادية هي واحد يضحي بنفسه من أجل الدفاع عن وطنه، يصيب عدوه المحتل لأرضه قدر ما يصيب بخلاف الوسيلة في أحداث سبتمبر، فقد اتخذت الطائرات المدنية بركابها المدنيين وسيلة قذف، صاروخاً موجهاً، يضحي بهؤلاء المدنيين فهي وسيلة غير مشروعة.

ففي العمليات الاستشهادية في فلسطين اتفق جمهور علماء المسلمين في المشرق والمغرب على شرعية هذه العمليات التي نسميها بحق (استشهادية) ويسميها الصهاينة ومن والاهم (انتحارية).

وتسمية هذه العمليات (انتحارية) تسمية خاطئة ومضللة، فهي عمليات فدائية بطولية استشهادية. وهي أبعد ما تكون عن الانتحار، ومن يقوم بها أبعد ما يكون عن نفسية المنتحر.

إن المنتحر يقتل نفسه من أجل نفسه، وهذا يقدم نفسه ضحية من أجل دينه وأمته، والمنتحر إنسان يائس من نفسه ومن روح الله. وهذا المجاهد إنسان كله أمل في روح الله تعالى ورحمته.

إلى أعلى

 

مآخذي على السياسة الأمريكية

ولقد سألني كاتب في سويسرا سؤالاً صريحاً يقول: ما هي مآخذك على السياسة الأميركية؟ وأود أن أقول: أنه في أثناء الصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي، أو الرأسمالي والشيوعي، كان الاتجاه الإسلامي أميل إلى المعسكر الغربي – على مظالمه – من المعسكر الشرقي، لأن المعسكر الغربي محسوب على المسيحية، وهي دين سماوي في الأصل، والمسيحيون أهل كتاب في نظر المسلمين، في حين أن المعسكر الشرقي محسوب على الإلحاد والمادية، وإنكار الألوهية والوحي.

والصراع بين الفريقين أشبه بما كان من صراع بين الروم – وهم نصارى أهل كتاب – والفرس – وهم مجوس يعبدون النار – في فجر الإسلام، وكان المشركون مع الفرس والمسلمون مع الروم، وقد تجادلوا وتراهنوا حول مستقبل الفريقين. ونزلت آيات القرآن في سورة الروم تنتصر للروم ضد الفرس، وتبشر بانتصار الروم عن قريب وتقول (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله).

أما اليوم فآخذ على السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، تحيزها الكامل بل تأييدها المطلق للسياسة الإسرائيلية، ووقوفها إلى جانب الإرهاب الصهيوني، فهي تقف بجانب إسرائيل وتمدها وتؤيدها، بالمال الأمريكي، والسلاح الأمريكي، والفيتو الأمريكي. حتى آخر (فيتو) أمريكي كان ضد إرسال مراقبين دوليين يساهمون في تهدئة المنطقة. حتى هذا رفضته أمريكا، لتنفذ إسرائيل ما تريد.

كما آخذ على السياسة الأمريكية غرورها بقوتها العسكرية والاقتصادية والعلمية، ومحاولة أن تفرض رأيها وسياستها على الناس، بمنطق القوة، لا بقوة المنطق.

إلى أعلى

الإسلام ليس عدواً

وآخذ عليها كذلك: فلاسفة الفكر السياسي عندها: رشحوا لها الإسلام (عدواً) جديداً بديلاً للاتحاد السوفييت الذي سماه ريجان (دولة الشر) وأخذوا يخوفون من (الخطر الأخضر) المنتظر، يعنون به (الخطر الإسلامي) بعد أن سقط (الخطر الأحمر) وحدث التقارب مع (الخطر الأصفر). في حين تعاون المسلمون معها في محاربة السوفييت في أفغانستان، وذهب كثير من أبناء المسلمين إلى جامعاتها ومعاهدها ليتعلموا فيها، وإلى مستشفياتها ليعالجوا فيها، وهاجر كثير من أبناء المسلمين إليها، وكثير من نوابغهم استقروا فيها.

إن اعتبار أمريكا الإسلام هو العدو البديل للاتحاد السوفييتي يمثل نظرة خاطئة في جوهرها للإسلام وأمته، وموقفه من أهل الكتاب عامة ومن النصارى خاصة، ولهذا وقف بعض الأساتذة النابهين من العقلاء والمنصفين ضد هذه الحملة، واعتبروا الخطر الإسلامي وهماً لا حقيقة، منهم البروفيسور إسبوزيتو، وغيره.

كما آخذ على السياسة الأمريكية موقفها في محاربة ما سموه (الإرهاب) الذين رفضوا أن يحددوه بمعايير علمية موضوعية، بل تركوا مفهومه هلامياً رجراجاً ليحددوه على هواهم، ويدخلوا فيه كل جماعات المقاومة المشروعة، ثم يقولون: من ليس معنا فهو مع الإرهاب.

إلى أعلى

المقاومة ليست إرهابا

لقد تحدت أمريكا بسياستها نحو 300 مليون من العرب، ووراءهم نحو ألف مليون من المسلمين، حين اعتبرت المقاومة الفلسطينية التي تحارب المحتل الذي يضربها بالطائرات تقذف من فوق، وبالدبابات تقصف من تحت، وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمر المنازل، وتحرق المزارع وتجرف الأرض عمداً، أميركا تساند هذه الدولة الوحشية، وتعتبر هذا دفاعاً عن النفس وترفض المقاومة المشروعة وتعتبرها إرهاباً وإجراماً؟

وآخر ما فعلته أمريكا ما استفز العرب والمسلمون قرار نقل سفارتها إلى القدس، وليغضب المسلمون، ليخبطوا رؤوسهم في الحائط وليفعلوا ما شاؤوا.

إن مواقف أمريكا المختلفة من المسلمين تشككهم أنها لا تضمر خيراً لهم، ولا لدينهم، ربما لأنها تعتبره ديناً (ناشزاً) يستعصي على الاستسلام لها، والإذعان لإرادتها، أو لأن اللوبي الصهيوني المسيطر على الجانب الأكبر من سياستها وتوجهاتها جهاراً أو من وراء ستار يؤثر عليها ويوحي لها بهذه المواقف.

وإلا فما سر هذا العداء والحصار لسنوات عدة للسودان، ولإيران وللعراق، الذي يموت أطفاله بمئات الألوف من قلة الغذاء أو فقد الدواء نتيجة الحصار الأمريكي؟ وما سر هذا التصلب الأمريكي في الإصرار على ضرب العراق، رغم قبوله لعودة المفتشين الدوليين بلا قيد ولا شرط؟

وما سر هذه الحملة ضد المملكة العربية السعودية، وقد برئت من ابن لادن وجردته من جنسيته ووضعته في القائمة السوداء؟

على أن العرب والمسلمين ليسوا هم وحدهم الذين يعادون سياسة أمريكا الخارجية، إن معظم شعوب العالم تعادي سياسة أمريكا، وهذا ظهر بجلاء في مؤتمر ديربان في جنوب أفريقيا، فقد وجدت أمريكا نفسها محاصرة بكراهية عالمية .. وهي كراهية ليست من صنع روسيا ولا من صنع الصين ولا أحد من (محاور الشر)! إنما صنعتها أمريكا لنفسها، فالناس عادة تكره الفراعنة والجبابرة والمستكبرين في الأرض بغير الحق، وإن كانوا يذعنون لهم ويخضعون لأوامرهم في الظاهر.

إن أمريكا تريد أن تعيد استعمار العالم باسم جديد، هو (العولمة)، فحقيقة العولمة هي (الأمركة) سواء كان عولمة السياسة أم عولمة الاقتصاد، أم عولمة الثقافة، بل حتى (عولمة الدين).

والآن تريد أمريكا (عولمة الأمن) تحت اسم (محاربة الإرهاب) تريد أن تتدخل في كل شيء في أخص الشؤون الداخلية للدول، حتى مناهج تعليمها الديني، وحتى تبرعات أفرادها لأعمال الخير.

تكاد أمريكا تريد أن تراقب عقول الناس إذا فكروا وعواطف الناس إذا أحبوا أو كرهوا، وسلوك الناس إذا تدينوا أو فسقوا. وهي تطمئن إلى المسلمين إذا فسقوا أو أعرضوا عن الله، ولا تطمئن إليهم إذا اهتدوا أو استمسكوا بالعروة الوثقى كما ذكر القرآن عن المشركين (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه..) أي الأصنام (..إذا هم يستبشرون).

كم نتمنى أن تعيد أمريكا النظر في سياستها الخارجية عامة، وفي نظرتها إلى الإسلام والمسلمين خاصة، وأن تقف مع حق العرب والمسلمين في مواجهة السياسة الشارونية الظالمة، وأن نفتح الباب لحوار حقيقي بناء متوازن لا يفرض إرادته، ولا على قراره، بل يقول ويسمع، ويأخذ ويرد، ويسأل ويسأل، وألا يستجيب لفلاسفة حتمية الصراع، فالتعايش بين المختلفين ممكن، وفق القاعدة الذهبية: نتعاون فيما نتفق عليه، ونتسامح فيما اختلفنا فيه.

كما نتمنى ألا تعتبر أمريكا الإسلام هو العدو البديل، والخطر الجديد، بعد الاتحاد السوفييتي، فالإسلام ليس خطراً إلا على الإباحية والإلحاد، وعلى الظلم والاستبداد، وعلى الشر والفساد، وما عدا ذلك فهو رحمة الله للعالمين.

إلى أعلى

سبب الأحداث

سأل فريدمان: من واقع خبرتك بالمنطقة ما الذي أدى إلى أحداث سبتمبر فبعض من قابلتهم قالوا فلسطين؟ مع أن أسامة بن لادن لم يترك اعترافاً بأن فلسطين هي السبب؟

رد د. القرضاوي:

هذه الأحداث الكبيرة لا يمكن أن نبسطها بذكر سبب واحد، فالمؤرخون والمفكرون الكبار حين يتحدثون عن أسباب الصراع في التاريخ يرجعونه إلى العامل الاقتصادي والجغرافي والنفسي، ولست موافقاً على تفسير السلوك البشري بسبب أو بعامل واحد، هناك أسباب متشابكة ربما يعلو سبب على آخر، لكن أسباباً عدة تحدث نتيجة لتفاعلات عدة لكن الحدث القوي والمؤثر في المنطقة هو فلسطين وما يجري فيها من صراع كما أن هناك أسباباً أخرى مثل الوجود الأمريكي في الجزيرة العربية وذكر ذلك بن لادن نفسه.

وهناك أسباب فكرية: ففي الساحة العربية والإسلامية أفكار مختلفة، الساحة لا تخلو من مثل ذلك، ويمكن أن تتفاعل هذه الأفكار بعضها مع بعض.

إلى أعلى

غياب الحرية

سأل فريدمان: إلى أي حد تظن أن غضب الشباب من حكوماتهم وعدم وجود ضمان لمستقبلهم ولحريتهم يمكن أن يؤدي إلى عمليات سبتمبر؟

رد. د. القرضاوي:

بعض الناس يحاول تغليب التفسير الاقتصادي أو الاجتماعي للحدث لكن دعنا ننظر: ابن لادن مليونير، والظواهري من كبار عائلات مصر وهم باشوات، وأحد شيوخ الأزهر من عائلته، بل أكثر من شيخ وطبيب منها .. فلا يبدو العامل الاقتصادي هو العامل المؤثر في هذه القصة.

ولا نستطيع أن نتجاهل العامل الفكري: فهناك أفكار غلبت على هؤلاء الشباب، والحوادث القائمة في المنطقة تؤدي إلى هذه النتيجة.

إلى أعلى

لا يجوز التدخل الأمريكي

وسأل توماس: هل يمكن اعتبار تدخل الولايات المتحدة تدخلاً قانونياً في أي ظرف من الظروف لنزع أسلحة الدمار الشامل، وإقالة صدام؟

رد د. القرضاوي:

لا يجوز للولايات المتحدة أن تتدخل لفرض أي حاكم على أي شعب حتى إن كان هذا الحاكم ظالماً، لأن هذا سيجعل الشعب يتشبث به، وصدام صنيعة أمريكية، وقد ساعدته أمريكا في سنوات حكمه عندما كان يحارب إيران، وساعدته في تلك الحرب.

أرى أنه لا يجوز تدخل أمريكا لإزالة صدام، ولا أجيز التدخل الأجنبي من أي بلد كان لفرض نظام على بلد معين .. لقد وقفت ضد صدام أيام حرب الكويت، كان صوتي من أعلى الأصوات لكن أنا لا أجيز التدخل الأجنبي مهما كان التدخل لفرض نظام على بلد معين.

ثم إنه مع أني لست خبيراً في الجوانب العسكرية، لكني شاهدت وقرأت وسمعت من خبراء الاستراتيجية العسكرية أنه لم يعد عند صدام أسلحة فقد دمرت بالفعل، ولا أظن أن هذا هو السبب في ضرب العراق، كان الرئيس بوش يقول منذ فترة نريد تغيير النظام، أما الآن فهو يقول نريد إزالة أسلحة الدمار الشامل.

إلى أعلى

زوال شعبية أمريكا

سأل فريدمان: بعد سنة من أحداث سبتمبر هل زادت شعبية الولايات المتحدة أم قلّت؟

رد د.القرضاوي: قلّت هذه الشعبية للأسف، وأنا رأيي أن الولايات المتحدة لم تسلك الطريق الصحيح في محاربة الإرهاب، فالإرهاب ليس دولة يتحقق عليها نصر سريع، بل إن الإرهاب يسري هنا وهناك وهو أفراد وغير ذلك، والسيطرة عليه ليست سهلة.

إلى أعلى

طالبان ليست إرهابية

وأضاف د. القرضاوي:

طالبان ليست إرهابية، بل هي تقليدية، عيب طالبان ليس الإرهاب، بل الجمود .. فقد ذهبت على رأس وفد إسلامي نناشد طالبان عدم تحطيم تمثال بوذا، ونتحاور معهم .. إنهم جامدون، لكنهم ليسوا إرهابيين .. وأخذ طالبان بذنب بن لادن لا أجد له مبرراً .. والأولى أن تتخذ طريقة أخرى.

إلى محور آخر سأل فريدمان عن مدى معرفة د. القرضاوي بالمفكر الإسلامي سيد قطب فأجاب: نعم أعرفه، لقيته عدة مرات في حياته..

وسأل مرة أخرى: لماذا أصبح سيد قطب مؤسساً للإخوان المسلمين أصولياً بعد إقامته في الولايات المتحدة؟!

إلى أعلى

معرفتي بسيد قطب

سيد قطب

قال د. القرضاوي:

لقد مرّ سيد قطب في حياته بعدة مراحل: الأولى كان فيها ليبرالياً كان من الأدباء والشعراء والرومانسيين، كان من مدرسة (أبوللو) وكان أقرب إلى الانفتاح والحرية .. ثم جاءت فترة أخرى اقترب فيها من الإسلام، كتب فيها: التصوير الفني في القرآن – مشاهد يوم القيامة في القرآن، وانتهت هذه المرحلة بكتاب العدالة الاجتماعية ومعركة الإسلام الرأسمالية .. في هذه المرحلة كان سيد قطب قريباً من الأخوان، وإن لم يكن من الأخوان. ثم جاءت مرحلة أخرى التحق فيها قطب بالأخوان المسلمين، بعد ثورة 23 يوليو .. فقد دخل الأخوان، وفي هذه الفترة بعد دخوله الأخوان حكم عليه في محكمة الشعب الشهيرة بعشر سنوات سجناً .. هذه الفترة كانت فترة أزمة، فيها طغيان عبدالناصر، وتعذيب السجون، ووصول الشيوعيين إلى أجهزة الإعلام.. بدأ سيد قطب يأخذ خطاً متشدداً، مغالياً، أقرب إلى تيار التكفير، تكفير المجتمع والأنظمة.. وهو تيار لم يقره الأخوان المسلمون.

إلى أعلى

بعد الزيارة تغير

بعد زيارته للولايات المتحدة تغير سيد قطب، وغيّره أمران أساسيان: ما شاهده في أمريكا فقد كان يظن الحضارة الأمريكية مسيحية، لكنه وجدها أبعد ما تكون عن المسيحية، فالمسيحية فيها روحانية زائدة (كان من قبلكم يقول لا تزني، أنا أقول من نظر بعينه فقد زنا).. وجد المادية في أمريكا، وهذه المادية وراثة من اليونان والرومان، ليست من اليهودية ولا المسيحية.. أما الأمر الآخر الذي غيّر سيد قطب بعد إقامته في أمريكا.. فهو ما وجده في احتفال لدى الأمريكان، إذ شربوا الخمر، ودقوا الكاسات فسأل فقالوا له: إنه فرح لمقتل حسن البنا، نبّهه ذلك حيث كان البنا زميلاً له في كلية دار العلوم، لما عرف هذا كان للبنا تأثيره في الولايات المتحدة والغرب.. فبدأ في التعرف على الأخوان.. فكتب سيد قطب بعد عودته من أمريكا (أمريكا التي رأيت) وقال فيه فقرات طويلة ما شاهده هناك مما أثر في نفسه سلباً.

لكن د. القرضاوي حرص قبل قليل من نهاية لقائه بأن فكر سيد قطب الذي كان يميل فيه إلى تكفير الأنظمة والمجتمعات لم يكن الأخوان يقرونه.. فقد كون شكري مصطفى جماعة المسلمين التي كان يطلق عليها جماعة التكفير، وكانوا لا يصلون خلف الأخوان في السجن الحربي.. ورد عليهم المرشد العام للأخوان المسلمين بكتابه المعروف الذي أملاه وهو (دعاة لا قضاة) حيث قال: لسنا قضاة كي نحكم على الناس هذا مسلم وهذا كافر.

قبل أن ينتهي اللقاء من كاتب مدافع عن إسرائيل قريب من الإدارة الأمريكية، يركز في كتاباته عن الإرهاب الإسلامي محاولاً إلغاء عامل الإرهاب الإسرائيلي كان يتمنى أن يطول لقاؤه مع رائد التيار الوسطي في الفقه الإسلامي المعاصر د. يوسف القرضاوي .. إذ كان على موعد في قناة الجزيرة ليشارك في برنامج الاتجاه المعاكس.

لكنه ختم اللقاء قائلاً: لقد سررت بلقاء د.القرضاوي وسواء وافقته أم اختلفت معه فقد استمتعت به!

المصدر: جريدة الراية القطرية -بتصرف-

إلى أعلى