نجحت وساطة الحكماء في تطويق لهيب المعركة العلمية والإعلامية التي نشبت بين د.علي السالوس والشيخ وليد هادي نائب رئيس هيئة الرقابة الشرعية بمصرف قطر الإسلامي حول

القرضاوي ود.السالوس يتعانقان في أخوة ومودة وفي الاطار الشيخ وليد هادي

فتوى الـ 3% على سحوبات الفيزا كارت من المصارف الإسلامية .. وعقدت مساء أمس جلسة مصارحة ومصالحة بين طرفي النزاع بدعوة من فضيلة العلامة د.يوسف القرضاوي وبحضور الشيخ عبدالقادر العماري ود.علي المحمدي وبعد جلسة عتاب ومناقشات هادئة استغرقت قرابة الساعة اتفق الحضور على تغليب صوت العقل والحكمة على التراشق بالكلام عبر الصحف وأصدروا بياناً أسدل الستار على أم المعارك الفقهية في أحدث القضايا المصرفية.

 

وقد تصافح د.علي السالوس وتلميذه الشيخ وليد هادي وتعهد الأخير بسحب دعواه القضائية من المحكمة ومن الشرطة وسامح كل منهما الآخر فيما بدر منه في لحظات الغضب وآمن الجميع بأن أهل العلم تسعهم القاعدة الذهبية القائلة: "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".

وأكد العلماء في بيانهم أن الخلاف حول المسائل الفقهية الاجتهادية رحمة وضرورة وسعة للأمة بشرط ألا يتفاقم ويسخن ويحتد ويتطاير شرره ويتطاول منذراً بالخطر.. وأوضحوا أن العقلاء لا يقبلون أن يستدرجوا لخوض معارك جزئية صغيرة تشغلهم عن المعارك الكلية الكبرى للأمة وأعربوا عن إيمانهم بأن من حق كل عالم أن يبدي رأيه في مسائل العلم بما يقتنع به عقله ويصل إليه علمه ويطمئن به قلبه ولكن ليس لعالم أن يفرض رأيه على الآخرين مهما بلغ من رسوخ القدم في العلم..

 

واتفق العلماء على وقف الحرب الكلامية والملاسنة الإعلامية التي استعرت على صفحات الصحف وأن يتم النقاش حول القضايا الفقهية في جلسات خاصة تطول أو تقصر ويكتفى بإحاطة الرأي العام علماً بما تم التوصل إليه بشأنها دون الخوض في التفاصيل .. وطالب الطرفان بوقف كل ما يكتبه أحد الطرفين ومن يناصره ضد الطرف الآخر ابتداء من اليوم.

وكان الخلاف بين الشيخين د. علي السالوس أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة بجامعة قطر وتلميذه الشيخ وليد هادي احتدم في الآونة الأخيرة بسبب فتوى جواز خصم 3% من المبالغ المسحوبة بالفيزا كارت التي يصدرها المصرف حيث اعتبرها د. السالوس ربا يحرم التعامل به في مصرف إسلامي في حين اعتبرها الشيخ هادي لا تدخل في إطار الربا واستند  إلى فتوى جماعية أيدها د. القرضاوي ود.علي المحمدي ود. علي محيي الدين القره داغي والشيخ عبدالقادر العماري .. وقد زادت سخونة الخلاف بعد نشر كل من الطرفين مقالات في الصحف المحلية يدافع فيها عن رأيه ويذكر فيها حججه.

وأسدل الستار مساء أمس على المعركة العلمية والإعلامية التي شغلت الرأي العام مؤخراً. فبدعوة كريمة من فضيلة د.يوسف القرضاوي اجتمع أصحاب الفضيلة د.علي السالوس والشيخ عبدالقادر العماري ود.علي المحمدي والشيخ وليد هادي والشيخ محمد القصاص وفي جلسة ودية بمنزل د.القرضاوي سادتها روح الأخوة تمت المصالحة بين د.السالوس والشيخ وليد بعد الخلاف العلمي الذي دار بينهما مؤخراً حول إحدى المعاملات المصرفية المعاصرة واتفق الجميع على بدء صفحة جديدة يتم خلالها بحث القضايا الفقهية المعاصرة في جلسات خاصة بين أصحاب الفضيلة العلماء ثم يذاع وينشر على الرأي العام ما يتم الاتفاق عليه بشأنها.

وعقب جلسة المصالحة أصدر أصحاب الفضيلة العلماء البيان التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلوات الله وسلامه على رحمة الله للعالمين وحجته على الناس أجمعين سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد،

فقد اجتمع الأخوان الكريمان فضيلة الأستاذ الدكتور علي السالوس وفضيلة الأخ الشيخ وليد هادي بمنزل فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي بناء على دعوة منه، وبحضور كل من القاضي الشيخ عبدالقادر العماري، والدكتور علي محمد يوسف المحمد والشيخ محمد قطب القصاص وذلك بخصوص ما دار من نقاش في الصحف القطرية في الآونة الأخيرة حول مسألة علمية تتعلق بمعاملة تخص البنوك الإسلامية أفتى فيها الشيخ وليد هادي لمصرف قطر الإسلامي بمقتضى فتوى صدرت عن ندوة البركة الفقهية التي شارك فيها عدد من العلماء المعتبرين في معاملات المصارف الإسلامية وأجازتها بعض البنوك الإسلامية في الخليج وخالف في ذلك الشيخ الدكتور علي السالوس بناء على اعتبارات شرعية رآها ومنها ما صدر عن المجمع الفقهي الدولي حول الموضوع.

وأيد الشيخ وليد في فتواه هيئة الرقابة الشرعية لكل من مصرف قطر الإسلامي والبنك الدولي الإسلامي وتضم كلاً من د. القرضاوي ود. القره داغي والشيخ العماري ود. علي يوسف المحمدي والشيخ وليد هادي. وإن رأت الهيئة أن الأخذ بالمبلغ المقطوع "متفاوتاً" أولى من أخذ النسبة 3% أو أقل أو أكثر وإن لم تحرمها الهيئة وإن كانت تراها كثيرة.

ولا عجب أن يختلف العلماء في المسائل الاجتهادية فقد اختلفوا من قبل وسيختلفون من بعد، ولا عجب أن يناقش بعضهم بعضاً ويرد بعضهم على بعض ولكن النقاش في هذه القضية سخن واحتد وتفاقم واشتد إلى حد تطاير شرره وتطاول خطره مما أقلق الكثيرين من أهل الرأي والحكمة وتنادوا بأن لابد من وضع حد لهذه المعركة التي لا لزوم لها ولا يستفيد من ورائها إلا أعداء الدين وأعداء الأمة الذين يسرهم أن يختلف العلماء فيها بينهم وهم يتفرجون عليهم منفرجي الأسارير.

إن العقلاء لا يقبلون أن يستدروا لخوض معارك جزئية صغيرة تشغلهم عن المعارك الكلية الكبرى للأمة فما بالك برجال العلم والإسلام .. إننا نؤمن بأن من حق كل عالم أن يبدي رأيه في مسائل العلم بما يقتنع به عقله ويوصله إليه علمه ويطمئن به قلبه ولكن ليس لعالم أن يفرض رأيه على الآخرين من أهل العلم بالغاً ما بلغ من رسوخ القدم في العلم، ولقد تعلمنا من تراثنا الذاخر أن الاختلاف في فروع العلم رحمة وضرورة وسعة للأمة حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في آراء العلماء عبارته المشهورة: "اختلافهم رحمة وسعة واتفاقهم حجة قاطعة" .. ولهذا صنفت كتب بعنوان: "رحمة الأمة باختلاف الأئمة" . و"رفع الملام عن الأئمة الأعلام".

وقد عرف تراثنا الفقهي فيما عرف شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس ولكن لم يعرف تراثنا معركة دارت بين الصاحبين الجليلين ولا بين من تبعهما ولا بين الصحابة بعضهم وبعض على المسائل العلمية بل وسع بعضهم بعضاً وأحب بعضهم بعضاً وقدر بعضهم بعضا وصلى بعضهم وراء بعض ودعا بعضهم لبعض فقد ضمتهم أخوة الإيمان في رحابها (إنما المؤمنون أخوة).

والحمد لله فقد تصافح الأخوان الكريمان الشيخ الجليل علي السالوس وتلميذه النجيب الشيخ وليد هادي الذي تعهد بسحب دعواه من المحكمة والشرطة وسامح كل منهما فيما بدر منه في ساعة الغضب ضد الآخر.

وقديماً نزغ الشيطان بين يوسف وأخوته وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

ولقد آمن الجميع بأن أهل العلم تسعهم تلك القاعدة الذهبية: "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).

(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم).

 

التوقيع:

د. يوسف القرضاوي، د.علي السالوس، الشيخ وليد هادي، د.علي المحمدي، الشيخ عبدالقادر العماري، الشيخ محمد قطب القصاص.