د. يوسف القرضاوي

ما أعظم الفارق بين صيامنا وصيام أسلافنا، أما أسلافنا فقد جنوْا ثِماره وتفيؤوا ظلاله واستمدوا منه روح القوة وقوة الروح، كان نهارهم نشاطًا وإنتاجًا وإتقانًا، وكان ليلهم تزاوُرًا وتهجدًا وقرآنًا، وكان شهرهم كله تعلمًا وتعبدًا وإحسانًا، ألسنتهم صائمة فلا تلغو برفث أو جهلٍ، وآذانهم صائمة فلا تسمع لباطل أو لغْو، وأعينهم صائمة فلا تنظر إلى حرام أو فُحْش، وقلوبهم صائمة فلا تعزِم على خطيئة أو إثم وأيديهم صائمة فلا تمتد بسوء أو أذًى.

أما مسلمو اليوم فمنهم من اتخذ رمضان موسِمًا لطاعة الله، ومُضاعفة الخيرات، صاموا نهاره فأحسنوا الصيام، وقاموا ليله فأحسنوا القيام، وشكروا نعمة الله عليهم فلم ينْسوا إخوانهم من الضعفاء والمحرومين، واقتدوا برسولهم الكريم الذي كان أجود ما يكون في رمضان فهو أجرى بالخير من الريح المرسلة.

وبجوار هؤلاء المحسنين خلف سوء، لم ينتفعوا برمضان، ولم يستفيدوا بما فيه من صيام ولا قيام. جعله الله للقلب والروح فجعلوه للبطن والمعِدة، جعله الله للحِلْم والصبر فجعلوه للغضب والطيش، جعله الله للسكينة والوقار فجعلوه شهر السباب والشجار، جعله الله ليُغيروا فيه من صفات أنفسهم فما غيروا إلا مواعيد أكلهم، جعله الله تهذيبًا للغني الطاعِم ومُواساة للبائس المحروم فجعلوه معرضًا لفنون الأطعِمة والأشرِبة، تزداد فيه تُخْمة الغني بقدْر ما تزداد حسْرة الفقير.

فلعل المسلمين يصومون الصيام الذي يُعِدهُم لتقوى الله كما أمر القرآن حتى يخرجوا من رمضان مطهرين مغفوري الذنوب.