د. يوسف القرضاوي
من معالم الوسطية والتجديد الإسلامي: ضرورة الاستجابة لما تُنادي به فئات الأمة كلها من (التغيير الجذري، والإصلاح الشامل) ، لا الإصلاح الجزئي ولا الوقتي، ولا الترقيعي ولا السطحي، الذي يقف عند السطوح، ولا يغوص في الأعماق، أو يكتفي بالمسكِّنات دون اقتلاع الأدواء من جذورها. وحثُّ دعاة الإصلاح والتغيير على مقاومة التخلف والفساد، فالتخلُّف يُعطِّل عقل الأمة، والفساد يُعطِّل ضميرها.
وأول عائق للتقدم الحضاري للأمة: الفساد السياسي، والفساد الاقتصادي، والفساد الإداري، والفساد الأخلاقي. وعلى هؤلاء الدعاة أن يتعاونوا لإقامة إصلاح حقيقي؛ يشمل هذه المجالات كلها.
ولا يكون الإصلاح حقيقياً إلا إذا تمَّ بإرادتنا وبأيدينا، ومن منظورنا، ولتحقيق أهدافنا ومصالحنا.
أما الإصلاح الذي يفرضه الآخرون علينا، لتحقيق أهدافهم، ولينفَّذ بأيديهم أو أيدي عملائهم، فيستحيل أن يكون إصلاحاً.
ومدخل كل إصلاح هو إصلاح الأنظمة السياسية المستبدة التي تحكم شعوبنا، وتتحكَّم في مصايرها، وتخرس كل لسان حر، وتكسر كل قلم حر، وتسجن كل داعية حر، وتُزوّر الانتخابات، وتقهر الخصوم بقوانين أحكام الطوارئ، والمحاكم العسكرية.
فلا علاج لهذا الفساد إلا بتغيير (جذريّ)، يأتي بحكام يختارهم الشعب بكل حُريته، يحسُّون بآلامه، ويُجسِّدون آماله، ويستطيع أن يحاسبهم ويسائلهم، ويقوّمهم ويعزلهم إذا تمادوا في السوء.
وأساس كل تغيير هو تغيير الإنسان من داخله، فهو يُقاد من باطنه لا من ظاهره، ومن عقله وضميره لا من أذنه أو رقبته، وشعار الإصلاح هنا: قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد:11]
ــــــــــ
- مما كتبه فضيلته قديما، ثم عاد وأكد عليه عام 2007م ـ ثم في عام 2009م - انظر كتابيه : "كلمات في الوسطية الإسلامية ومعالمها" ص 54، و"فقه الوسطية الإسلامية والتجديد معالم ومنارات " ص 239،240، ط 3 ، نشر دار الشروق، بالقاهرة.. وانظر أيضا في فقه التغيير كتابه: "الحل الإسلامي فريضة وضرورة" نشر مكتبة وهبة بالقاهرة 1974م، ومؤسسة الرسالة في بيروت.