من معالم الوسطية: الإشادة بما قدمته أمتنا من منجزات تاريخية بهرت العالم, ومن فتوحات في زمن قياسي, كانت تحريرا للشعوب من مستعبديها, ولم تكن يوما لإذلالها أو استغلالها. والتنويه بما أسسته أمتنا من حضارة جمعت بين العلم والإيمان, وبين الربانية والإنسانية, وبين الرقي المادي والسمو الأخلاقي, وقد شارك في صنع هذه الحضارة أناس من أديان وأعراق وأوطان مختلفة, لم تضق الحضارة الإسلامية بهم ذرعا, وظلت هذه الحضارة أكثر من ثمانية قرون تعلم العالم, وتنشر النور ومنها اقتبست أوربا المنهج التجريبي الاستقرائي, وتعلمت من ابن رشد وغيره. ولا ندعي أن تاريخنا معصوم من الأخطاء, ولكنه أقل تواريخ الأمم مثالب, كما لا نقبل أن يشوه تاريخنا, وخصوصا خير القرون فيه, التي أثنى عليها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم, وواجب الأمة أن تصل هذا الماضي المجيد بحاضر يكافئه, إن لم يزد عليه, ولا يكتفي بالتغني بأمجاده, والبكاء على مآسيه, بل واجبنا هو استلهام الماضي, والارتقاء بالحاضر واستشراف المستقبل.

الإمام يوسف القرضاوي