الدكتور المحامي طارق شندب*
لم يفاجأني إصدار جهاز الإنتربول مذكرة حمراء بحق العلامة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي. فلقد أصدر مذكرات سابقة بحق أشخاص أبرياء تمت ملاحقتهم لأسباب سياسية فقط تحت غطاء ومزاعم قضائية مفبركة كقضية نائب الرئيس العراقي السابق السيد طارق الهاشمي والصحافي أحمد منصور ومئات غيرهم.
ولكن كثرة الأخطاء التي وقع بها جهاز الإنتربول جعلتني أعيد القراءة والتدقيق في نظام الانتربول وقواعده وآلية عمله لعلني أجد مبرراً قانونياً لما قام به أو لعلني أقتنع ولو جزئياً بقانونية قرارته وتلاءمها مع نظام الانتربول وقواعده.
صراحة، لم أجد مبرر قانوني لذلك القرار، مما جعلني أغير وجهة تفكيري عندما كنت أظن سابقاً ان الإنتربول لا يتعاطى بالامور السياسية ولا يخضع للضغوطات ولا ينفذ مذكرات توقيف وأوامر قبض وأحكام لا تخضع للقانون الدولي ولا تتلاءم والإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي تستند اليه قوانين وانظمة الإنتربول في معاملاتها.
ولا بد من الإشارة أن الإنتربول هو جهاز الشرطة الدولي الذي يفترض به أن يعمم مذكرات التوقيف التي يصدرها القضاء الداخلي للدول الأعضاء في المنظمة والتي تطلب توقيف أشخاص بناء على قرارات قضائية، ارتكبوا جرائم، وتطلب تلك الدول استردادهم للمحاكمة داخل تلك الدولة، وذلك ضمن شروط ومعايير محددة في نظام الإنتربول.
لقد أصدر الإنتربول تعميماً بما يسمى النشرة الحمراء بوجوب إلقاء القبض على الشيخ يوسف القرضاوي بناء على طلب السلطات القضائية المصرية التي اتهمت الشيخ القرضاوي بارتكاب جرائم تدخل في اختصاص القضاء المصري.
من الوهلة الاولى ومن دون التدقيق في صحة طلب القضاء المصري يتبين ان جهاز الانتربول خالف نص المادة ٧٦ من نظام الإنتربول لمعاملة البيانات التي تنص على مايلي:
... قبل التقدم بطلب اصدار نشرة، يتعين على المكتب المركزي الوطني أو الكيان الدولي أن يتحقق من الأمور التالية:
- امتثال الطلب لانظمة الإنتربول، وبخاصة للمادتين ٢(١) و٣ من القانون الأساسي للمنظمة، والواجبات المكتب ازاء الكيان الدولي.
كما نصت المادة ٨٦ من النظام نفسه على ما حرفيته: تقوم الأمانة العامة بإجراء استعراض قانوني لطلبات النشرات الحمراء كافة قبل إصدارها لضمان امتثالها للقانون الأساسي للإنتربول وقواعده وتحديداً للمادة ٢ و٣ من هذا القانون.
تنص المادة ٢ من النظام نفسه على مايلي: يهدف هذا النظام الى ضمان كفاءة وجودة التعاون الدولي بين أجهزة الشرطة الجنائية عبر قنوات الانتربول مع احترام الحقوق الاساسية للأشخاص موضوع هذا التعاون وفقاً للمادة ٢ من الأساسي للمنظمة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تحيل اليه المادة المذكورة.
كما تنص المادة الثانية من القانون الأساسي للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) على مايلي:
١/ تأمين وتنمية التعاون المتبادل على أوسع نطاق بين كافة سلطات الشرطة الجنائية، في إطار القوانين القائمة في مختلف البلدان وبروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كما نصت المادة ٣ من نفس القانون على ما حرفيته: يحظر على المنظمة حظراً باتاً أن تنشط أو تتدخل في مسائل أو شؤون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري.
كما نصت المادة ٨٣ من نظام الاجراءات على ما حرفيته: ... ولا يمكن إصدار نشرات حمراء لفئات الجرائم التالية:
- الجرائم التي تثير جدلاً في عدة بلدان بفعل صلتها بمعايير سلوكية او ثقافية،،.... .
أعتقد ان موظفي الأمانة العامة للانتربول يدركون تماماً أن القضاء المصري وأحكامه يخالفون المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه.
كما تنص المادة ١١ من الإعلان على مايلي:
1) كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه.
2 ) لا يدان أي شخص من جراء أداة عمل أو الامتناع عن أداة عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب، كذلك لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكاب الجريمة.
ومن هنا فانه من الوهلة الاولى يتبين بشكل قطعي أن طلب السلطات القضائية المصرية بإصدار نشرة حمراء لتوقيف الشيخ يوسف القرضاوي يتعارض كلياً مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان، ورغم معرفة الإنتربول أن ملاحقة الشيخ القرضاوي من قبل سلطات الانقلاب المصرية هو ملاحقة سياسية فقط ولا صحة لما اتهم به.
إن الاتفاقيات الدولية تمنع تسليم الأشخاص الذين يحتمل إعدامهم أو تعذيبهم في بلدانهم ومن هنا وبالعودة للتقارير الدولية الصادرة عن منظمات دولية يتبين أن القضاء المصري الحالي هو خاضع لسلطات الانقلاب العسكرية فمنظمة هيومن رايتس واتش أصدرت بياناً قالت فيه : إن أحكام القضاء المصري الصادرة بالجملة تفقد القضاء المصري سمعته.
فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية في أحد تقاريرها الحديثة أن القضاء المصري فقد النزاهة والمصداقية كما اعتبرت تلك المنظمة أن القضاء المصري في خطر، وهو بعيد عن العدل والاستقلالية والحيادية، وبأنه أصبح أداة بيد السلطة، وبأنه آداة لقمع المعارضين، وبأنه جزء من آلة القمع.
ولو رجعنا إلى تصريحات المسؤولين الأوروبيين والأميركيين؛ لوجدناها تدين عمل القضاء المصري، حتى أن الأمم المتحدة أدانت أحكام القضاء المصري، فيما اعتبرت منظمة الكرامة الحقوقية أن الوضع الحقوقي في مصر أصبح كارثياً.
لا أظن أن الأمانة العامة للإنتربول وأجهزته التنفيذية يخفى عليها وضع القضاء المصري وخضوعه لسلطات الانقلاب، ولا أظن أن الإنتربول لا يعلم بالتقارير الدولية عن وضع القضاء المصري؛ وبالرغم من ذلك ارتكب مخالفة إصدار النشرة الحمراء بحق الشيخ يوسف القرضاوي وغيره من المعارضين للانقلاب في مصر دون التحقق من حقيقة ما اتهموا به، وهو الامر المفروض عليه قبل إصدار النشرة الحمراء.
ولا أظن أن جهاز الإنتربول وموظفيه الكبار كان خافياً عليهم وضع القضاء العراقي، الذي وصفته المنظمات الدولية بأنه قضاء الارهاب ضد السنة، ولا أظن يقيناً أن الإنتربول لم يسمع باسم نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي ولا بقضيته وعناصر حمايته، والتي شاهد العالم أجمع كيفية تعذيبهم على شاشات التلفزة وكيفية ضربهم، ولا أظن أجهزة الإنتربول لا تدرك ان طارق الهاشمي فبركت ملفاته من قبل نوري المالكي وعصابته لأسباب سياسية بحتة، وبالرغم من ذلك لم يشطب الإنتربول النشرة الحمراء الصادرة بحق السيد الهاشمي إلا بعدما واجه حقيقة جواب السلطات العراقية التي لم تستطع أن تزود الأمانة العامة للإنتربول بأي مبرر قانوني أو وثيقة تدين ضد السيد طارق الهاشمي.
وأمام تكرار حالات الخطأ التي يقع فيها جهاز الإنتربول يطرح التساؤل التالي:
هل آن الإنتربول يلتزم قوانينه، وهل الإنتربول خاضع لسلطات سياسية ينفذ تعليماتها دون احترام قوانين إنشاؤه، أم أن الإنتربول جهاز جامد ينفذ طلبات الدول دون مراجعتها والتأكد من صدقيتها وتناسبها مع نظامه الداخلي وقوانين الاساسية؟
إن منظمة الإنتربول بحاجة إلى اعادة بناء صدقيتها لدى الدول ولدى الشعوب ولدى القانونيين؛ لتكون منظمة شرطة دولية تنفذ القانون وتحترمه، لا أن تكون أداة طيعة لتنفذ تعليمات أنظمة قضائية فاسدة وطائفية، كما أن الإنتربول بحاجة لإعادة النظر في العديد من قراراته كالقرارات الصادرة بحق الشيخ القرضاوي وغيرهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة الأجهزة التي حاولت استغلال جهاز الانتربول لتنفيذ مآربها السياسية والشخصية تحت مسميات قضائية.
ــــــــــ
* محام دولي وأستاذ محاضر في القانون الدولي.