محمد بلحسن*
دعوني في البداية أذكر لكم بعض شهادات أعلام الأمة في هذا العصر عن العلامة الأمة -كما أحب أن أصفه- الشيخ الدكتور يوسف بن عبد الله القرضاوي، ذلك أنه كما يُقال لا يعرف قدر وقيمة العلماء الجهابذة ومقامهم السامي إلا العلماء الربانيون، ولهذا ارتأيت أن أصدر حديثي بذكر بعض ما قيل عن الشيخ.
ومما لا شك فيه أن هذه الشهادات إنما هي وسيلة لمعرفته معرفة دقيقة وجلية لا لَبس فيها ولا غموض.
قال عنه شيخه وأستاذه الداعية المعروف والمشهود له بالعلم الغزير محمد الغزالي رحمة الله عليه: "أنا مُدرسهُ وهو أستاذي، الشيخ يوسف كان تلميذي، أما الآن فأنا تلميذه".
وقال عنه العالم الهندي المعروف أبو الحسن الندوي -رئيس ندوة العلماء بالهند-: "يوسف القرضاوي عالم محقق وهو من كبار العلماء والمربين".
وقال عنه البروفيسور زغلول النجار -الجيولوجي المتألق والداعية الإسلامي المعروف وأحد مؤسسي الهيئة العاليمة للإعجاز العلمي في القرآن والسنة-: "يوسف القرضاوي رجل متميز بالرقة والأدب في حزم الفقيه، وقد وهبه الله ذاكرة واعية وذكاءً فطريا وفِراسة ربانية وقدرة على الفُتيا باستنارة ووعي مما جعله داعية العصر وفقيهه بلا منازع".
ويقول الأستاذ الدكتور عبد الله بن بية -وزير العدل والتربية في موريتانيا سابقاً وأحد أعلام هذه الأمة-: "يوسف القرضاوي إمام من الأئمة وضمير الأمة". يقول الداعية الدكتور علي العمري معلقا على هذا الكلام: "الإمام هو المتقدم على غيره والمُقتدَى به".
ويُجيب العالم الجليل الشيخ محمد الحسن الددو -رئيس مركز تكوين العلماء بموريتانيا- حينما سئل في مقابلة تلفزيونية عرضتها قناة دليل الفضائية عن مجتهدي هذا العصر الموجودين الآن بالقول أنه لا يوجد تقريبا أحد ثم يذكر القرضاوي ولا يذكر غيره.
ويقول مدير مكتبه الداعية الشاب الدكتور عصام تليمة صاحب كتاب "يوسف القرضاوي فقيه الدعاة وداعية الفقهاء": "الشيخ القرضاوي لؤلؤة في عنق الأمة". وهذا الذي ذكرناه غيض من فيض وقليل من كثير ˛ فقد شهد جل علماء الأمة ومفكروها برسوخ قدم الشيخ في مختلف العلوم الشرعية والإسلامية.
ونحن إذ نذكر مناقب الشيخ وفضله عملاً بحديث النبي صلى الله عليه و سلم الذي خرجه أبو داود و المُختلف في تصحيحه و تضعيفه: "أنزلوا الناس منازلهم"، لا ندعي عصمته أو إصابته لكبد الحقيقة في كل شيء، فهو أولاً و أخيراً بشرٌ يجري عليه ما يجري على البشر من الخطأ و الضعف و السهو و النسيان. والعصمة -تلك المَلَكة الإِلهية التي تمنَعُ من فعل المعصية والميل إِليها مع القُدْرةِ عليها- (معجم المعاني الجامع) غادرت هذا العالم حين غادرها وفارقها سيد الخلق وحبيب الحق حبيبي وقرة عيني محمد رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
ويشهد على هذا الذي ذكرناه ما قاله إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله حين وقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم. فقد قال وهو يُشير إلى القبر: "كل يؤخذ منه ويترك إلا صاحب هذا القبر".
يشهد للشيخ القرضاوي -حفظه الله- برسوخه في العلم وتمكنه وتبحره في الكثير من الفنون الشرعية على وجه الخصوص مؤلفاته التي أثرت بحق المكتبة الإسلامية وهي تربو على المائة وخمسين مؤلفاً في صنوف شتى من العلوم الإسلامية.
فقد ألف في الفقه والمقاصد والتفسير والعقيد والسيرة النبوية والحديث وغير ذلك. وقد تُرجمت الكثير منها إلى عدة لغات أجنبية وبعضها يُدرس في بعض الكليات الإسلامية والمعاهد الدينية وانتشرت انتشاراً واسعا على طول وعرض المعمورة ولقيت استحسان العلماء وطلبة العلم والمثقفين بل وعامة الناس.
ومن باب الإنصاف لابد أن نذكر أن هناك أيضا من انتقد بعض كتب الشيخ بشدة وسخر منها حتى وصل الأمر أن يقول أحدهم على سبيل التهكم والسخرية ما مفاده أنه علينا أن نسمي كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" "الحلال والحلال في الإسلام". وذلك لتبني الشيخ لمنهج الوسطية والتيسيير والتوسع في بعض الأمور، فهو شيخ وأستاذ الوسطية بلا منازع.
والوسطية -أيها الفضلاء وأيتها الفضليات- إنما هو منهج سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم، ولا أدل على هذا الذي قلناه من قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه..." (رواه مسلم)
والشيخ القرضاوي كما يقول الشيخ الدكتور عصام البشير -وزير الأوقاف بالسودان سابقاً وأحد الدعاة المرموقين- قد جلى مصطلح الوسطية (وغيره من المصطلحات) وضبطه ولم يتركه رجراجا أي مضطربا هُلاميا ليُفسر بالهوى والشهوة.
فالوسطية من منظور الشيخ العلامة يوسف القرضاوي كما قال عصام البشير في الجلسة الإفتتاحية من الملتقى العلمي الأول لتلاميذ الشيخ القرضاوي في كلمات جامعات مانعات: "يريد -يقصد الشيخ القرضاوي- أن يقدم لنا الإسلام منهجا مرتبطا بالزمان والمكان والإنسان، موصولاً بالواقع، مشروحا بلغة العصر، منفتحاً على الاجتهاد و التجديد، جامعا بين النقل الصحيح و العقل الصريح، محافظا على الأهداف و الغايات، متطورا في الوسائل و الآليات، ميسرا في الفتوى، مبشرا في الدعوة، مُرحبا بكل قديم نافع، منتفعا بكل جديد صالح، مستلهما للماضي، معايشا للحاضر، متشرفا للمستقبل، منفتحا على الحضارات بلا ذوبان، مراعيا للخصوصية بلا انغلاق، مرتبطا بالأصل و متصلاً بالعصر، ملتمسا للحكمة من أي وعاء خرجت".
ثم يستطرد الدكتور عصام البشير بعد ذكره لمصطلح الوسطية عند الشيخ القرضاوي ويقول: "ألا يصح ان يكون هذا متنا تلتقي عليه الشروح والحواشي ليكون منهجا ضابطا لمعالم الوسطية".
وهذا الذي ذكرناه إنما هو جزء يسير عن علم الشيخ فلم نذكر شيئا عن رده على الشبهات ودحضه إياها بالحجج البالغة ولا عن حصوله على جوائز كثيرة لخدمته الإسلام والمسلمين.
كما أننا لم نُشِر إلى مواقفه البطولية والشجاعة في مساندته لقضية الأمة – القضية الفلسطينية، ووقوفه مع المظلومين والمغلوبين على أمرهم، ودعمه للشعوب المقهورة التي تريد أن تتحرر من قيود وأغلال الجبابرة والطغاة.
وقد لقيَ في سبيل ذلك الأذي وسُجن عدة مرات ونُفي من بلده مصرَ وحُكم عليه بالإعدام غيابياً. وها هو اليوم يُدرج اسمه في قائمة المطلوبين من قبل الانتربول الدولي International Criminal Police Organization (منظمة الشرطة الجنائية الدولية)، هذه المؤسسة العالمية التي أُسست من المفترض لتُلاحق المجرمين.
ويُتهم من قبلها بتحريضه على القتل بتحريضٍ من الحكومة الدموية بمصر الحبيبة، هذه الحكومة التي انقلبت على الشرعية وأزهقت الأرواح واعتقلت الرجال في زمان الأقزام وعاثت في الأرض فساداً فلم يسلم من شرها لا البلاد ولا العباد.
ــــــــــ
* مغربي: مجاز في الأدب الإنجليزي من جامعة لاس بالماس، وطالب بالكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية.