وليد أبو النجا

يوسف القرضاوي متهم في قضية اقتحام سجن وادي النطرون، يوسف القرضاوي متهم بالتحريض على العنف، يوسف القرضاوي على قائمة الإرهاب، يوسف القرضاوي مطلوب على قوائم الإنتربول الدولي!!

تلك هي طريق الدعاة المصلحين، (لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي) قالها ورقة بن نوفل لرسول الله في أول ليلة تنزل عليه الوحي فيها، وتلك هي سنة الله في أهل الإيمان، ولن تجد لسنة الله تبديلا، يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء، تكفيرا للذنوب، وتكثيرا للحسنات، ورفعا للدرجات، حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. ويوسف القرضاوي ليس بدعا من ذلك.

سجن في بدايات حياته في عهد الملكية والجمهورية، وعذب ولا تزال آثار التعذيب على جسده، وأهين كما أهين كل صاحب عمامة أبى أن يسير في ركب الطاغية، ثم عافاه الله بخروجه من القرية الظالم حكامها (مصر)، فألف ما ألف من كتب، وأصَّل ما أصَّل من مفاهيم، وحاز منهجه وكتبه وأفكاره من القبول والانتشار ما لم يحظ به كثير غيره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

إن اتهم فقد اتهم ذو النون المصري، وبقي بن مخلد، وابن حبان، وكلهم أئمة أعلام، الأول في مصر، والثاني في الأندلس، والثالث في خراسان، كانوا في الماضي يُتهمون بالمروق من الدين بالبدعة والزندقة، واليوم يُتهم أضرابهم بالمروق من الدولة بالعنف والإرهاب.

إن عذب فقد عذب أحمد بن حنبل، حمل مقيدا من بغداد إلى طرسوس ثم رد إلى بغداد، وكان يصلي مقيدا. أغري فما استجاب، فضرب بالسياط مرة بعد أخرى، حتى أغمي عليه، وظل كذلك قرابة ثمانية وعشرين شهرًا، لامتناعه عن القول بخلق القرآن.

إن طورد، فقد طورد سعيد بن جبير نحو ثلاثة عشرة سنة، حتى قال: فررت حتى استحييت من الله. فقبض عليه وقيد وحمل إلى العراق وقتله الحجاج، ولم يسلط على أحد بعده.

إن صودرت كتبه، فقد صودرت أموال ابن حزم، وهدمت دوره، وحرقت كتبه، وحددت إقامته، ومنع من الإفتاء إلا على مذهب مالك، وتُوعد من يدخل إليه بالعقوبة.

إن أهين فقد أهين سعيد بن المسيب، ضرب ستين سوطا من والي ابن الزبير ليبايع، فأبى حتى يجتمع الناس، ثم ضرب مثلها ليبايع ابني عبد الملك، وطيف به في الطرقات، وأقيم في الشمس، ومنعوا الناس أن يجالسوه.

إن سجن فقد مات أبو حنيفة في سجنه، بعد أن حلف المنصور ليتولينَّ القضاء، فحلف ألا يتولاه، فضرب، وحبس، وظل في السجن أياما حتى مات فيه.

إنها قصة تاريخنا المكرورة، حكام متسلطون جبابرة، يزين لهم الظلمَ علماءُ أقزام، أعمت المناصب عيونهم، وأكلت الغيرة قلوبهم، أو محتالون يتزيون بزي العلماء، في مواجهة علماء عمالقة أبوا أن يقفوا على أبواب السلاطين، أو يسيروا في ركابهم، أو يدينوا لهم بالولاء، أو يسوغوا حكمهم بالبيعة، أو يأخذوا عطاءهم، أو يتولوا لهم قضاء، أو يقبلوا مصاهرتهم، أو ينافقوهم أو يداهنوهم أو يبيعوا دينهم بدنياهم أو بدنيا غيرهم.

إنها المعركة القديمة بين السيف والقلم، بين الجهل مستكثرا بالسؤدد والمال، والعلم مؤيدا بالمنطق والبرهان، بين الحكام يدافعون عن ملكهم، والعلماء ينافحون عن حقهم، قد يكسب الباطل جولة، لكنه إلى زوال، أما الحق فقد كتب الله له الغلبة والبقاء.

هل بلغ المشايخ الذين وشوا بابن تيمية مبلغه في العلم والشهرة والأثر؟

وهل يذكر أحد اسمي واليي مصر ودمشق اللذين سجنا ابن تيمية، حتى مات في سجنه؟ وإن ذكروا، فهل يترحم على أمثالهم أو يترضى عنهم؟ ذهبوا بملكهم وسؤددهم وشهرتهم أدراج الرياح.

إنه والله لشرف أن ينضم يوسف القرضاوي إلى هذا الركب الكريم من الأئمة العظام والعلماء الأعلام، وأن يحمل راية الحق، في زمن أسكت الرغبُ والرهبُ ألسنةَ العلماء عن الجهر به، ونصرة أهله.

"فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ" (الرعد:17)