د. يوسف القرضاوي
المؤمنون هم أصبر الناس على البلاء، وأثبتهم في الشدائد، وأرضاهم نفساً في الملمات.
عرفوا قصر عمر الدنيا بالنسبة لعمر الخلود فلم يطمعوا أن تكون دنياهم جنة قبل الجنة (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى) (النساء: 77)، (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (آل عمران:185).
وعرفوا سنة الله في هذا النوع من الخليقة (الإنسان) الذي ابتلي بنعمة حرية الإرادة، والاستخلاف في الأرض، فلم يطمعوا أن يكونوا ملائكة أولي أجنحة (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ) (الإنسان: 2)، (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد:4).
وعرفوا من سنن أنبيائهم ورسلهم أنهم أشد الناس بلاء في الحياة الدنيا، وأقل الناس استمتاعاً بزخرفها، فلم يطمعوا أن يكونوا خيراً منهم، ولهم فيهم أسوة حسنة (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214).
قال ابن القيم: يا مخنث العزم.. الطريق تعب فيه آدم، وناح فيه نوح، وألقي في النار إبراهيم، وتعرض للذبح إسماعيل، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى.
ــــــــ
- من كتاب "الإيمان والحياة" لفضيلة الشيخ.