د. يوسف القرضاوي

يتعرض المجتمع الإسلامي للخطر والضرر نتيجة لأحد أمرين:

الأول: إن يجمّد ما من شأنه التغير والتطور والحركة. فتصاب الحياة بالعقم وتصبح كالماء الراكد الآسن، الذي يجعله الركود مرتعاً للجراثيم والميكروبات.

وهذا ما حدث في عصور الانحطاط والشرود عن هدي الإسلام الصحيح، فرأينا كيف أغلق باب الاجتهاد في الفقه، وتوقف الإبداع في العلم، والأصالة في الأدب، والابتكار في الصناعة، والافتتان في الحرب وغيرها، وضربت الحياة بالجمود والتقليد في كل شيء وأصبح المثل السائر: ما ترك الأول للآخر شيئاً! وليس في لإمكان أبدع مما كان! على حين أخذت المجتمعات الأخرى الراكدة - التي طالما تتلمذت على المجتمع لإسلامي - تستيقظ وتنهض وتتطور، ثم تنمو وتتقدم ثم تزحف غازية مستعمرة، والمسلمون في غمرة ساهون، وفى غفلة لاهون.

الثاني: أن يخضع للتطور والتغير ما من شأنه الثبات والدوام والاستقرار، كما نرى ونسمع في عصرنا الحديث من أبناء المسلمين فئة يريدون خلع الأمة من دينها، وعزلها عن تراثها كله باسم التطور. يريدون أن يفتحوا الباب للإلحاد في العقيدة. والانسلاخ من الشريعة، والتحلل من الفضيلة، كل ذلك باسم هذا الصنم الجديد: « التطور ».

إنهم يريدون أن يطوروا الدين نفسه، لكي يلائم ما يريدون استيراده من الشرق أو الغرب من عقائد وأفكار وقيم وموازين، وأنظمة وتقاليد، ومُثُل وأخلاق.

وما جعل الله الدين إلا ليمسك البشرية أن تتدحرج وتنقلب على عقبيها. لهذا أوجب أن يكون الدين هو الميزان الثابت الذي يحتكم إليه الناس إذا اختلفوا ويرجعون إليه إذا انحرفوا. أما أن يصبح الدين خاضعاً لتقلبات الحياة وظروفها، يستقيم إذا استقامت ويعو ج إذا اعوجت، فإنه بذلك يفقد وظيفته في حياة الإنسان أن يوجهها ويحكمها لا أن توجهه وتحكمه، وأن يخضعها لمثله وهداه، لا أن تخضعه لواقعها وهبوطها.

ومن هنا نقول للذين يطالبون الإسلام أن يتطور: لماذا لا تطالبون التطور، أن يسلم؟!!

فالإسلام حاكم، والتطور محكوم عليه.

ــــــ

- عن كتاب "من أجل صحوة راشدة تجدد الدين وتنهض بالدنيا" لفضيلة الشيخ.