د. يوسف القرضاوي

من خصائص تيار الوسطية الإسلامية: الموازنة العادلة بين الثوابت والمتغيرات في الإسلام، وتحديد ذلك بوضوح، حتى لا تختلط الأوراق، وتذوب الحواجز، وحتى لا نجور على أحد الطرفين لحساب الطرف الآخر، وحتى لا نجمد ما من شأنه الحركة والمرونة، ولا نغير ما من شأنه الثبات والدوام.

ومن ثم كان لزاما علينا أن نحدد ما الثوابت، وما المتغيرات في رسالة الإسلام؟

أما الثوابت فتتمثل أولا في (العقائد) التي تمثل فكرة الإسلام الكلية عن الألوهية والعبودية، وبعبارة أخرى عن الله وعن الإنسان وعن الكون بشقيه: المنظور وغير المنظور، وإذا استعملنا التعبير القرآني والنبوي قلنا: عن الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وموقف الإسلام هنا موقف المخبر عن حقيقة هذه الأشياء، الموجب للإيمان بها كما هي، بلا تهوين ولا تهويل.

وهذه الأشياء ليست إلا حقائق ثابتة، غير قابلة للتطور أو التغيير. فالله جل جلاله ـ هو الله منذ الأزل: أحد صمد (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد).

والملائكة جزء من "عالم الغيب" وهم من خلق الله وجنوده التي لا يعلمها إلا هو، وهم (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).

فهم يمثلون "قوى الخير" من عالم الغيب، كما أن الشياطين تمثل "قوى الشر".

وكتب الله هي النصوص الإلهية المخبرة الآمرة الناهية، المرشدة إلى ما يطلبه الله من عباده من الإيمان والعمل، وآخرها والمهيمن عليها هو القرآن الكريم.

ورسل الله هم سفراؤه تعالى إلى خلقه، بعثهم مبشرين ومنذرين، (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) أرسلهم بالبينات، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فليس بعده نبوة ولا رسالة.

واليوم الآخر هو اليوم الموعود، الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين، ويقفون بين يديه للحساب والجزاء، فتوفى كل نفس ما كسبت، وتجزى بما عملت، فإما إلى جنة وإما إلى نار.

وكل هذه أخبار عن حقائق ثابتة، لا تتطور ولا تتغير، سواء كان الناس في العصر الحجري أم في العصر النووي، وسواء كانوا يركبون الجمال، أم يركبون سفن الفضاء.

قد يحدث التغير عن طريق الفهم والتفسير، وإدخال التأويلات على النصوص. وهذا باب خطر، وخصوصا في مجال العقائد، وقد فتحه من قبلنا على مصراعيه، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وبدلوا كلام الله، فالأحوط إغلاق هذا الباب الذي تهب منه رياح الفتنة والتزييف، وإبقاء النصوص على دلالالتها الواضحة غير المتكلفة، وأن تفهم كما كان يفهمها الذين تلقوها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان.

وبذلك نسلم من مغبة التأويل الذي لا نعلم: هل يوافق مراد الله أم لا؟ والذي قد ينتهي بقوم ـ كما حدث بالفعل ـ إلى تأويلات باطنية، وتحريفات شركية وكفرية، هي أبعد ما تكون عن طبيعة الإسلام. كما نسلم من التفرق والاختلاف الذي أهلك أهل الكتاب من قبلنا نتيجة تعدد التأويلات وتعدد الأهواء وهو ما وقعت فيه الفرق عندنا، اتباعا لسنن من قبلنا، شبرا بشبر، وذراعا بذراع.

ــــــــ

- عن كتاب "الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي" لفضيلة الشيخ.