د. يوسف القرضاوي

على كل من يدعو الإسلام، ويعمل لنصرته أن يحلل بواعثه ونواياه بصدق ولا يكذب على نفسه، ولا على ربه، فقد قال الإمام الغزالي بحق بعد أن ذكر فتنة حب الجاه والظهور والشهرة والمحمدة عند الناس:

وأشد الخلق تعرضا لهذه الفتنة العلماء، فإن الباعث للأكثرين على نشر العلم لذة الاستيلاء والفرح بالاستتباع، والاستبشار بالحمد والثناء، والشيطان يلبس عليهم ذلك، ويقول: غرضكم نشر دين الله، والنضال عن الشرع الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترى الواعظ يمن على الله تعالى بنصيحة الخلق، ووعظه للسلاطين، ويفرح بقبول الناس قوله وإقبالهم عليه، وهو يدعي أنه يفرح بما يسر له من نصرة الدين، ولو ظهر من أقرانه من هو أحسن منه وعظا، وانصرف الناس عنه وأقبلوا عليه ساءه ذلك وغمه، ولو كان باعثه الدين لشكر الله تعالى، إذ كفاه الله تعالى هذا المهم بغيره، ثم الشيطان مع ذلك لا يخليه، ويقول: إنما غمك لانقطاع الثواب عنك لا لانصراف وجوه الناس عنك إلى غيرك، إذ لو اتعظوا بقولك لكنت أنت المثاب، واغتمامك لفوات الثواب محمود، ولا يدري المسكين أن انقياده للحق، وتسليمه الأمر أفضل وأجزل ثوابا، وأعود عليه في الآخرة من انفراده.

فمعرفة حقيقة الإخلاص والعمل به بحر عميق، يغرق فيه الجميع، إلا الشاذ النادر والفرد الفذ، وهو المستثنى في قوله تعالى: (إلا عبادك منهم المخلصين).

ــــــــ

- عن كتاب " النية والإخلاص" لفضيلة الشيخ.