د. يوسف القرضاوي

المؤمن في ظل الإسلام كما أحب الله أحب الطبيعة والوجود كله، إنها أثر من آثار ربه (الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى) (الأعلى: 2، 3)، كل شيء فيها بحساب ولغاية وحكمة: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (القمر: 49)، (الشمس والقمر بحسبان) (الرحمن: 5)، (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننـزله إلا بقدر معلوم) (الحجر: 21).

الطبيعة ليست عدواً للإنسان ولكنها مخلوق سخر لخدمته، ليساعده على القيام بمهمة الخلافة في الأرض، وكل ما في الكون ألسنة صدق تمجد الله وتسبحه بلغة قد لا تفهمها العقول البشرية المحدودة: (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) (الإسراء: 44).

فالعالم ليس شراً يجب التعجيل بفنائه كما صورته الفلسفة المانوية وشبهها، وإنما هو كتاب الله المفتوح للقارئين والأميين جميعاً، تتلى فيه آيات قدرته ورحمته، وعظمته ونعمته.

هذا العالم علويه وسفليه ليس ألا صنع الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، الذي أفرغ على هذا الكون وحدة جعلته في أرضه وسمائه وحيوانه ونباته كأجزاء الجسد الواحد تعاوناً واتساقاً وائتلافاً: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون) (يس: 40).

ليس في الكون شيء خلق جزافاً أو عبثاً. كل شيء فيه قد هيئ ليؤدي دوره فيما أراد الله من عمارة الأرض، واستمرار الحياة إلى أجلها، وخدمة هذا النوع المكرم من الخليقة (الإنسان).

كان بعض البشر ينظرون إلى الظلام نظرة الخوف والكراهية، ويتمثل الظلام مظهراً لإله الشر الذي يحارب إله النور والخير، فماذا يكون شعور هؤلاء إذا لفهم الليل بردائه الأسود، ونصف الزمن ليل كما نعلم؟

لقد أزاحت عقيدة الإسلام هذا الكابوس العقلي والنفسي وقررت أن توزع الزمن بين ليل ونهار، وظلمة ونور، آية من آيات الله في تنظيمه لملكه، ونعمة من نعم الله على خلقه، يجب أن يشكروه عليها لا أن يخافوا منها، (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء، أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه، أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) (القصص: 71 - 73).

حب الطبيعة الحق يتمثل في المؤمنين الذين يرون وجه الله في هذه الطبيعة، ويرون فيها قرآنه الصامت الدال على ألوهيته: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك) (آل عمران: 190، 191).

ويتمثل هذا الحب بأجلى صوره في رسول الإسلام الذي أعلن هذا الحب حتى للجبال، بل لجبل كان يمكن أن يتطير به، ويتشاءم من رؤيته، لما أصابه من هزيمة بجواره، ذلك هو «جبل أحد».

روى البخاري عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً وبدا له أحد قال: "هذا جبل يحبنا ونحبه".

ــــــــ

- عن كتاب "الإيمان والحياة" لفضيلة الشيخ.