يقدم الكاتب الإسلامي أكرم كساب في كتابه الجديد "المنهج الدعوي عند القرضاوي" قراءة معمقة وعن قرب في الأدوات والأساليب والمرتكزات الخاصة بمنهج العلامة الدكتور يوسف القرضاوي الدعوي.

وفي مقدمة الكتاب، كما في الختام يشدد كساب على أن إعجابه بالشيخ القرضاوي "لا يعني ادعاء العصمة له، وتبرئته من الخطأ، وهذا لا يعني أيضا أن نسلط الضوء على الخطأ تاركين الصواب وما أكثره، أو نركز أعيننا على العيب تاركين المزايا؛ فليس هذا بالإنصاف الذي أمرنا به".

هذا التشديد من جانب كساب على التزام الموضوعية، نجد ترجمته واضحة في المنهج العلمي الذي اعتمده الكتاب في مختلف فصول الكتاب؛ الأمر الذي لاحظه الشيخ الدكتور عبد العظيم الديب، في تقديمه للكتاب، حيث أشار لذلك قائلا: "إن المنهج الذي اتبعه أكرم في تفصيل الكتاب، ثم في ترتيب كل فصل، ثم في نظم الأفكار وبنائها بعضها على بعض، وحسن الاستدلال عليها -كل ذلك- يجعل هذا العمل جديرًا بأن يكون أطروحة علمية".

ويضيف الديب: "أبحر أكرم في عالم القرضاوي، بذكاء ومهارة، وقدرة وفن، وقبل ذلك بإخلاص وحب، قرأ القرضاوي بوعي وفهم، واستخرج ضوابط وقواعد، وملامح وسمات؛ منهج الدعوة عند القرضاوي، وصاغ ذلك في فصول سبعة، يسبقها مقدمة وتمهيد، وقعت في نحو سبعمائة صفحة أو يزيد".

تقسيم منهجي

ويتبع أكرم كساب في كتابه، الصادر عن مكتبة وهبة بالقاهرة تقسيما منهجيا محكما، حيث تحدث في المقدمة عن الأسباب التي دفعته للكتابة عن القرضاوي دون سواه من العلماء والمجتهدين، ثم يوضح لماذا اختار المنهج الدعوي دون غيره من أوجه مجالات إبداع القرضاوي المتعددة والمتشعبة.

وبعد ذلك، يبحر المؤلف بعمق، وعبر سبعة فصول كاملة ضمتها دفتي الكتاب في فضاء المنهج الدعوي للقرضاوي، حيث خصص الباب الأول لإلقاء الضوء على السيرة الشخصية والحياة الدعوية للقرضاوي.

ثم ينتقل أكرم كساب بعد ذلك، وفي الفصل الثاني من الكتاب، للحديث عن مواهب وأدوات القرضاوي الدعوية، مبرزا سبع مواهب أساسية هي: الفهم الدقيق، والإيمان عميق، والقلب الحي، والثقافة الواسعة، والعقيدة السليمة، والملكة الخطابية رائعة، والخلق الحسن.

أما الفصل الثالث، والذي يتناول الوسائل والأساليب في منهج القرضاوي الدعوي فقد قسمه المؤلف إلى مبحثين، حيث تناول في الأول الوسائل والأساليب المقروءة وتشمل: الفتاوى، والكتب، والشعر، والمسرحية، والبيانات، والرسائل، والإنترنت.

فيما تطرق المبحث الثاني إلى الوسائل والأساليب المسموعة، مثل: الخطب، والدروس، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، والمؤتمرات والندوات، والمحاضرات، والمناظرات، والمظاهرات.

مرتكزات وسمات

هذا التشعب في الأدوات والأساليب التي يعتمد عليها العلامة القرضاوي لتوضيح منهجه الدعوي، كان له انعكاسا واضحا في ثراء وتعدد المرتكزات التي يقوم عليها هذا المنهج، وقد رصد كساب في الفصل الرابع من الكتاب العديد منها، متحدثا باستفاضة عن الطابع الموسوعي لفقه القرضاوي.

وتوقف كساب أمام ستة من مرتكزات المنهج الدعوي للقرضاوي، وهي: فقه الموازنات، وفقه الأولويات، وفقه الاختلاف، وفقه المقاصد الجزئية في ضوء المقاصد الكلية، وفقه الواقع، وفقه السنن.

ومن العالمية إلى الواقعية، مرورا بالشمول والوضوح والوسطية، وعبر إطلالة على الاجتهاد والتجديد والتحرر من التعصب .. تلمس المؤلف في الفصل الخامس السمات الأساسية للمنهج الدعوي للعلامة القرضاوي، مبرزا 16 سمة، شملت إضافة إلى ما سبق: التجميع لا التفريق، والتعاون في المتفق عليه، والتبشير لا التنفير، والرجوع إلى الحق، والجمع بين النقل والعقل.

القرضاوي وقضايا الأمة

وفي الفصلين السادس والسابع، يلقي أكرم كساب أولا الضوء على كيفية توظيف الدكتور يوسف القرضاوي لهذا المنهج الدعوي الشامل في خدمة الإسلام والدفاع عن قضاياه، وذلك من خلال رصد وقفات وجولات الشيخ مع جبهات عدة، شملت: العلمانيين، والماركسيين، والقوميين، وأهل الكتاب، ومع الحكام.

ثم بعد ذلك ينتقل المؤلف إلى الحديث عن الآثار والثمار التي أنتجها منهج القرضاوي، ومردود ذلك سواء على المكتبة والجامعات الإسلامية، أو على الحركة الإسلامية وتلاميذ الشيخ.

وفي الخاتمة، يتحدث أكرم كساب عن أهم النتائج التي توصل إليها خلال رحلته مع المنهج الدعوي للقرضاوي، ويحاول أن يعبر عن ذلك في جملة مختصرة، قائلا: "إنك أمام علم من أعلام الدعوة، ومعلم من معالم القرن، وداعية من طراز خاص، وموسوعي في فروع العلم، ورجل في وقت الشدائد، وبيان حق أمام جرأة الباطل، وسياط ألم على ظهور المتطاولين، وشوكة في حلوق المجترئين، وضمير يعبر عن نبض الأمة".