ثلاثة مطالب أساسية وضعها الدكتور يوسف القرضاوي أمام الإخوة من علماء المذهب الشيعي في مؤتمر حوار المذاهب الذي عقد مؤخرا في الدوحة: أولها إعلان التبرؤ من "تراثيات" الطعن في الصحابة الكرام والإساءة إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وثانيها وقف محاولات التشييع المذهبي في البلاد الإسلامية ذات الأكثرية السنية ، وثالثها الحد من تدخل إيران في العراق وضرورة استخدام نفوذها هناك لوقف الاقتتال الطائفي.

بعض علماء السنة تساءلوا أيضا: كيف يمكن أن نصافحكم ونضع أيدينا في أيديكم والبعض منكم يشتم صحابة رسول الله عليه السلام ، أو يزور ضريح المجوسي الذي قتل احد خلفائه ، أو يمارس "التقية" ضد إخوانه المسلمين ، أو يحاول تأجيج الفتنة الطائفية من خلال هذا المد التشيعي الذي يستهدف كثيرا من بلداننا الإسلامية؟؟ وآخرون أضافوا: إن أهل السنة الذين يتعبدون بمحبة آل البيت الكرام ويشكلون أغلبية العالم الإسلامي ، ووقفوا مع حزب الله في حربه الأخيرة ضد إسرائيل ويستعدون الآن للوقوف مع إيران في مواجهتها القادمة مع واشنطن.. من حقهم أن يطالبوا إخوانهم الشيعة (كرد للجميل على الأقل) بالوقوف مع المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي ، وان يسمعوا من المرجعيات الشيعية كلمة حاسمة في هذا الشأن.

ربما تكون هذه المرة الأولى التي يخرج فيها العلماء الذين تصدروا الدعوة للتقريب بين أتباع المذاهب عن "مجاملاتهم" لبعضهم ، وربما تكون الدوحة اختارت هذه المكاشفة والمصارحة لتضع العلماء أمام مسؤولياتهم ، وربما يكون ضغط الاقتتال الطائفي في العراق وإشارات الصراع المذهبي في أكثر من قطر إسلامي دفع "دعاة" التقريب إلى مواجهة الامتحان الأخير ، فإما أن يكون للتقريب الذي انشغلوا به أكثر من نصف قرن جدوى وفائدة وانعكاسات واقعية على الأرض ، وإما أن يسدل الستار على هذه المحاولات ويعترف الجميع بفشلها ، وتعلن بالتالي "وفاة" التقريب (..،) لكن لم يتوقع احد من المشاركين أن تكون هذه المكاشفة نهاية أو حلا للمشكلة ، فهي بدأت فعلا ، لكن الخلاف اكبر من يحسم في جلسة مطارحات أو مصارحات ، مما يستدعي من السياسيين - بالإضافة إلى العلماء - خطوات أخرى أكثر شجاعة وجرأة ، وإرادة وإدارة أيضا للتغيير المطلوب.

المأخذ الوحيد الذي وضعة علماء الشيعة أمام إخوانهم السنة هو دعوات التكفير والإساءة التي تنطلق ضدهم.. ومع أنهم تبرأوا من مقولات القدح بالصحابة وأدانوا الإساءة لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأنكروا محاولات التشييع التي تجري إلا أن ذلك لم يقنع الطرف الآخر ، وهذا ما دفع البعض إلى المطالبة بوضع خطوات عملية وحقيقية لتجاوز هذه الالتباسات ، ووقف "الاستفزازات" بصورة نهائية ، وأنا أضيف: إن ذلك يحتاج إلى صياغة ميثاق شرف يلتزم به الطرفان ، ويشتمل على كل المسائل الأساسية التي تستفز احدهما من الأخر.

في أكثر من مقال اشرنا إلى فضيلة التعددية والاختلاف ودعونا لضرورة الاعتراف بالمذهبية الفقهية ، لكن ما أثير بصراحة في مؤتمر الدوحة حول الملف "الطائفي" الساخن ، ودور إيران في العراق ، ومحاولات "التشييع" التي تجري بشكل سافر يجعلنا نضم صوتنا إلى صوت العقلاء في امتنا - وما أكثرهم - لمطالبة إخواننا الشيعة بان لا يذهبوا بعيدا ، وان لا يستغرقوا بلحظة "الانتشاء" السياسي ، وان يختاروا العودة إلى الائتلاف الذي يجمعهم مع أمتهم ، لان أحدا لن يخرج سالما من هذه الحروب والفتن الطائفية التي يصدرها الآخر لنا وتجد لدينا أبشع صور القابلية والاستجابة.

___

صحيفة "الدستور" الأردنية في 25-1-2007