بعيون الإبن البار لأبيه يرصد عبدالرحمن يوسف القرضاوي صورة الداعية والفقيه الأب فيقول:
(والدي الشيخ يوسف) ذلك الأب الحنون بالفطرة، المحب لأولاده، وفلذات أكباده، الحريص على تسديدهم وترشيدهم منذ نعومة أظفارهم، بالحب لا بالقهر، وبالرفق لا بالعنف، بالثغر الباسم، لا بالوجه المكفهر، وقد فاض الحب من قلبه إلى قلوبنا، بنين وبنات، فأحب بعضنا بعضا، وآثر بعضنا بعضا، ولا غرو، فقد نشأنا في أسرة متماسكة متحابة مترابطة، لم نر يوما بين أبي وأمي نزاعا أو خصاما، بل كان أبي نعم الزوج لزوجته، كما كانت امي ـ حفظها الله ـ نعم الزوجة الوفية لزوجها، المعينة له على رسالته، المقدرة لمشاغله وأعبائه، ورغم ما كان يثقل كاهل أبي من هموم الأمة، ومتاعب الدعوة وواجبات العلم والبحث، وجمعه في وقت واحد بين مهمة العالم الذي يحتاج إلى التفرغ، ومهمة الداعية الذي يحتاج إلى الحركة والانتقال، أراه لم يهمل أمر الحياة الزوجية والأسرية بقدر ما تسعفه الظروف، ويخرج من مكتبه وكتبه، ليسامرنا ويلاطفنا بعض الوقت، ثم يرجع إلى عرينه أو مخبئه يقرأ ويكتب ثم يقرأ ويكتب، لا يمل من القراءة ولا من الكتاب، ومازالت أذكر كم دللنا، و«دلعنا» ونحن صغار، ووطأ لنا ظهره لنركبه، اقتداء بالرسول الكريم الذي كان يفعل ذلك للحسن والحسين رضي الله عنهما، ومازال يفعل ذلك مع أحفاده من أولاد أخواتي، فهو جد شفيق عطوف يحب احفاده حبه لأولاده، كما يحبه أولاده واحفاده، ويقبلون عليه بشوق ولهفة كلما استقبلوه: جده، جده! ويذكر عبدالرحمن أن (السماحة) الفطرية العذبة جزء من كيان الشيخ يوسف، فهو سمح إذا دعا، سمح إذا علم، سمح إذا افتى، سمح إذا تعامل مع الناس، باع أو اشترى، أو قضى أو اقتضى، سمح حتى مع من يعاديه ويجور على حقه.
فكاهة فطرية
ويتحدث عبدالرحمن القرضاوي عن جانب الفكاهة في حياة والده فيقول: هذا القلب النقي الصافي الرقيق، حبا الله صاحبه خفة ظل يحبها الناس، فطالما اضحك «الشيخ يوسف» الناس في دروسه، دون تكلف أو تصنع فهي «قفشات» فطرية، تسعد السامع من الحين للحين، خصوصا حين تصدر من عالم يقدره ويحترمه، فيشعر السامع أنه يجلس إلى أبيه أو أخيه، أو كأن الكلام موجه له شخصيا دون كل الناس، فكأن السامع في «درس خصوصي» مع الشيخ يوسف القرضاوي.
ومن فكاهاته: أن سائلا سأله عن مذهبه، فقال: كنت في أول الأمر حنفيا، أما الآن فأنا حنفشعي! يعني انه ترك التمذهب، وحين يسأل في برنامجه التليفزيوني عن تفسير الأحلام، يقول: أنا يوسف القرضاوي ولست يوسف الصديق!
وفي أحد الدروس سأله سائل عن اسم اخت موسى، فقال له: وما حاجتك إلى اسمها؟ هل تريد أن تتزوجها؟
- المصدر: جريدة الوطن القطرية