السؤال: طلقني زوجي وأنا حامل لشهرين، ولم يكن يعلم بحملي، فلما أخبرته بحملي وعدني بحل الموضوع، ثم شاء الله أن يتوفى في حادث بعد شهرين، ولم يكن أحد يعلم بأمر طلاقي. ثم علمتُ من بعض المشايخ أن هذا الطلاق لا يقع، لأنه لم يكن يعلم بحملي، فهل صحيح ما قالوه؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

فالطلاق السني الذي شرعه الله ورسوله: أن يطلق المرأة طاهرة من غير جماع (في طهر لم يمسها فيه) أو حاملا قد استبان حملها. فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} (الطلاق:1)، فإذا طلقها في الحيض، أو في طهر مسها فيه، ولا يدري أحملت أم لا - كما هو الحال في هذه المسألة - فهو الطلاق "البدعي" المحرَّم، الذي اختلف الفقهاء في وقوعه، برغم اتفاقهم على بدعيته، وتحريمه، وإثم فاعله. فالمذاهب الأربعة على وقوعه وإن كان محرَّما ومخالفا للسُّنَّة، ولهم أدلَّة على ذلك.

ومذهب بعض السلف، وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: عدم إيقاع هذا الطلاق؛ لأنه على غير ما أمر الله تعالى ورسوله، وقد صحَّ في الحديث: "مَن عمِل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ" (1)، أي مردود على صاحبه. وثبت عن ابن عمر: أنه طلَّق امرأته وهي حائض، فردَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرها شيئا (2). وقد انتصر لهذا الحديث العلاَّمة ابن القيم في كتابه "تهذيب سنن أبي داود"، وأطال النفس في الاحتجاج به، والدفاع عنه.

واجتهاد ابن تيمية وابن القيم هنا: اجتهاد له اعتباره، وهو موثَّق بالأدلَّة، وهو الموافق لمقاصد الشرع في بقاء الأسرة، وحمايتها من التصدُّع لأدنى الأسباب. وقد أخذ به بعض قوانين الأحوال الشخصية، ومنها القانون القطري، كما تبنَّاه كثير من رجال الفقه والفتوى في عصرنا.

وعلى هذا الرأي لا يُعَد هذا طلاقا؛ إذ طلقها حاملا لم يستبن حملها، وعلى الزوجة أن تحتد على زوجها المتوفى، ولها الحق في ميراثه.

والله ولي التوفيق

...............

(1) متفق عليه: رواه البخاري في الصلح (2697)، ومسلم في الأقضية (1718)، كما رواه أحمد في المسند (26033)، وأبو داود في السنة (4606)، وابن ماجه في المقدمة (14) عن عائشة.

(2) رواه أبو داود في الطلاق (2185)، وقال: روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة، وأحاديثهم كلها على خلاف ما قال أبو الزبير، وأحمد في المسند (5524)، وقال: صحيح دون قوله: "ولم يرها شيئا" رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي الزبير، فقد روى له البخاري مقرونا، ومسلم احتجاجا، وقد صرح بالتحديث هو وابن جريج، فانتفت شبهة تدليسهما، والشافعي في المسند (939)، وعبد الرزاق (6/ 309)، والبيهقي في الكبرى (7/ 327)، كلاهما في الطلاق، عن ابن عمر.