السؤال: جرت العادة عندنا في الخليج أن الكل يذبح أضحيته أو ذبيحته من المستطيع وغير المستطيع، حتى لو يصل الأمر إلى أن يُكلِّف نفسه، وهذه الذبيحة أغلبها يؤكل في البيت مع الأسرة أو مع الجيران، وقليل ما يخرج منها للصدقة، فسؤالي هو: هل تعتبر هذه أضحية والتي جرت عليها العادة عندنا؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..

الأضحية سنة من السنن التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليوسِّع الناس على أنفسهم وليوسِّعوا على أحبابهم وجيرانهم، وليوسِّعوا على فقراء المسلمين. ولكن لا ينبغي للمسلم أن يُكلِّف نفسه أو يُضيِّق على نفسه ويستدين لذلك، فهذه الأضحية ليست فرضًا ولو كانت فرضًا فستكون على من استطاعها؛ لأن الله تعالى لا يُكلِّف الناس ما لا يطيقون، إن الله يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن:16)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم".

فلا يجوز للمسلم أن يتكلَّف بحيث يستدين من غيره حتى يظهر بمظهر اليسار، في الغالب هذا يدخل فيه نوع من الرياء الاجتماعي ومسايرة العادات التي جرت في المجتمع، وأحيانًا يصبح الناس عبيدًا لها، ولا ينبغي للناس أن يكونوا أسرى العادات، ولو كانت هذه العادات مخالفة للشرع، فالشرع لا يُجيز للإنسان أن يُضيِّق على نفسه فيما وسَّع الله عليه، وأن يلزم نفسه فيما لم يلزمه الله به.

أما اعتبارها أضحية، فهي تعتبر أضحية طالما ضحى بها، ونرجو أن يكون له فيها الأجر، ولكن نخشى من النية أن يكون فيها نوع من التظاهر، فكل واحد على حسب طاقته، وكان سيدنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لا يضحيان في بعض السنوات مخافة أن يرى الناس ذلك واجبًا، يتركان الأضحية في بعض السنين، حتى لا يظن الناس أنها واجبة، ومن المهم أن يعرف الناس أن السنة سنة، والفرض فرضًا، بحيث تظل الأحكام على مرتبتها الشرعية؛ لأن من الخطر أن يظن الناس أن المستحب واجب، والمندوب فرض، والمكروه حرام، والصغيرة كبيرة، لا بد أن تبقى الأحكام على منزلتها الشرعية، وقد حقق ذلك الإمام الشاطبي في موافقاته في فصل أو في عدة فصول رائعة، ونحن لا نرى أن يُضيِّق الإنسان على نفسه بهذا الفعل.

على كل حال إذا ضحى وأكل هو وأهله وجيرانه من هذه الأضحية فقد أدى الذي عليه، على أن يتصدق ولو بالقليل من هذه الأضحية، ويكون هذا طيبا. يقول الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (الحج:28)، هذا في الهَدْي، والأضحية أخت الهَدْي. {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (الحج:36) القانع: هو الجالس في بيته المتعفف عن السؤال، والمُعْتَرَّ: هو الذي يسأل، وهي للتوسعة على الإنسان وعلى الفقراء، فالإسلام يحب ألا يكون السرور مقصورًا على أهل اليسار والغنى وحدهم، والناس الفقراء محرومون من الفرحة، وأن يأتي العيد فيزيدهم غمًا؛ لأنهم يرون الآخرين في سعة وفرح، ويرون أنفسهم في عسر وضيق، ويرون أولاد الجيران فرحين وأولادهم مغمومين، وهؤلاء يأكلون اللحم وهم لا يكادون يجدون ما يأكلونه.

شرع الله في عيد الفطر الزكاة: زكاة الفطر، وشرع في عيد الأضحى: الأضحية؛ لكي تعم الفرحة الجميع، لكي يشترك الجميع في مسرات العيد، فمن أجل هذا يجب على من ذبح وضحى أن يسعى إلى الفقراء ويبحث عنهم، ويتصدق عليهم ولو بشيء قليل لتحقيق معنى الأضحية وحكمة الأضحية.