السؤال: ما هي مكانة الحج؟ ولم فرضه الله مرة واحدة على من استطاع إليه سبيلاً؟ وما المراد بـ "استطاعة السبيل"؟
جواب سماحة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحج عبادة متميزة لأنها عبادة بدنية ومالية، الصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، الحج عبادة تجمع بين البدنية والمالية؛ لأن الإنسان يبذل فيها جهدا ببدنه، ويبذل فيها ماله لأنه يسافر ويرحل فيحتاج لنفقات؛ لذلك نرى الحج هو الفريضة التي ذكر الله فيها من استطاع إليه سبيلاً: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران:97).
والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أركان الإسلام الخمسة ذكر "وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً"؛ لأن كل إنسان قادر على أن يصلي أو يصوم، لكن ليس كل إنسان قادرًا على أن يذهب إلى الأرض المقدسة؛ لذلك كان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعله مرة واحدة في العمر.
لأن الله سبحانه لا يريد أن يكلف عباده شططًا، ولا أن يرهقهم من أمرهم عسرًا، يريد الله بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وما جعل عليهم في الدين من حرج، فالتكليف في الإسلام بحسب الوسع {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة:286)؛ ولذلك عندما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم "أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا"؛ قال قائل: أفي كل عام يا رسول الله؟، وسكت، وأعاد السؤال، والنبي صلى الله عليه وسلم يسكت، حتى قال صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم". فلا يستطيع الإنسان أن يؤدي الحج في كل عام، فأراده الله سبحانه مرة في العمر، فهذا تخفيف من ربنا ورحمة منه عز وجل.
ولم يكلف إلا كل من استطاع إليه سبيلاً، ومعنى استطاعة السبيل كما جاء في بعض الأحاديث التي يقوي بعضها بعضًا، أن يملك الزاد والراحلة، زاد الطريق والراحلة التي يركبها، بلغة عصرنا يملك نفقات السفر للبيت الحرام ونفقات الإقامة هناك على ما يليق بحاله، فواحد يمكنه أن يركب الحافلة (باص) وآخر يتعبه الباص ويحتاج لسيارة خاصة، وثالث تناسبه الطائرة، على ما يليق بحاله، كذلك في الإقامة في مكة لأنها مستويات، فمن يملك الزاد والراحلة، طبعا مع الشروط الأخرى، مثل صحة البدن، وألا يكون هناك حائل معين، أي يكون الطريق آمنًا.
في بعض الأوقات كان الطريق للحج محفوفا بالمخاطر قبل مجيء الملك عبد العزيز بن سعود رحمه الله للحكم، كان الناس مثلاً في مصر يقولون "الذاهب مفقود والراجع مولود"؛ ولذلك كان الناس يبشرون بعودة الحجاج، وجدت وأنا في صغري أحدهم يأتي من السويس قبل أن يأتي الحجيج (اسمه البشير) يبشر بعودة الحجيج.
في هذه الأيام أضيف شرط جديد، وهو أن يخرج إلى الحج بالقرعة، وذلك مطبق في معظم البلدان؛ لأنه الآن لا يُسمح فيها إلا بعدد معين لكل بلد؛ لأن الحج فيه زحمة شديدة جدًا، ولو فتح الباب على مصراعيه لتوافد الملايين، ولمات الناس في الزحام تحت الأقدام، فخصصوا لكل بلد نسبة معينة، وفي العادة الناس الذين يطلبون الحج عددهم أكبر من الذين يُسمح لهم، فلا بد من عمل القرعة..
فنقول له: إن من الشروط أن يصيب القرعة، وأكثرية الحجاج من المملكة لأن الطريق مفتوح أمامهم فالأغلبية تكون من الداخل، فلو أمكن تحديد هؤلاء ليفسح المجال لغيرهم يكون شيئًا طيبًا.
أقول: وهذا قد عُمل به منذ عدة سنوات، وأصبح لا يُسمح للسعودي أن يحج إلا كل خمس سنوات؛ وفي هذا تخفيف كثير عن حجاج الخارج، وإتاحة الفرصة لعدد أكبر منهم. والله الموفق