السؤال: ما موقف الإسلام من الرياضات التي تتسم بالعنف والقوة؛ مثل لعبة الكارتية، والملاكمة، ورفع الأثقال، والجودو؟ فهل هذا النوع من الرياضات يقره الإسلام حتى وإن كان فيها نوع من الأذى قد يلحق بمن يمارسونها؟

الجواب:  

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ألعاب القوى منها ما هو مباح ومنها ما محظور، فما يساعد على بناء الجسم وينمي مهارة الدفاع عن النفس وليس فيها ضرر يلحق بالمرء في نفسه وليس فيها إضرار بالآخرين فلا حرج في ممارسة هذا النوع من الرياضة، أما الرياضات التي فيها نوع من العنف يؤذي المرء في نفسه أو غيره فلا يجوز ممارسة مثل هذا النوع من الرياضة فـ "لا ضرر ولا ضرار".

يقول سماحة الشيخ القرضاوي:

من ألعاب القوى ما هو مباح بوضوح، مثل لعبة "حمل الأثقال" فهذه اللعبة لا يخشى منها الضرر عادة على ممارسها ولا على غيره، لأنه لا يواجه بها أحدا.

ولكنه يتدرب على حمل الثقيل ـ وفق وزنه ـ ثم يتدرج منه إلى حمل الأثقل فالأثقل، ويتنافس مع من هو في فنه من الوزن الخفيف أو الوسط أو الثقيل، لكل منهم عنوان يسمى به.

الملاكمة والمصارعة:

الألعاب التي تدخل في باب الاحتراب، مثل الملاكمة والمصارعة، التي قد يصل الأمر فيها إلى قتل أحد الخصمين لخصمه، أو إصابته بعاهة دائما، ببصره أو سمعه، أو يصاب بداء مزمن يستمر معه طوال حياته، كما شاهدنا ذلك في سيرة الملاكم الأمريكي المسلم "محمد علي كلاي"، الذي ربح السمعة العالمية ببطولة العالم لسنوات عدة كان فيها بطل العالم بلا نزاع، كما ربح كذلك الملايين، وكون ثروة كبيرة من وراء ذلك، ولكنه ـ في النهاية ـ خسر صحته وقوته، وإنه لخسران مبين.

مثل هذه الألعاب التي قد يترتب عليها قتل النفس أو الغير، أو الإصابة بضرر جسيم، لا تجوز إلا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات.

فهل هناك ضرورة تبيح هذه الألعاب الخطرة المؤذية؟ هل يجوز للإنسان أن يؤذي نفسه بلا حاجة، أو يؤذي غيره، وهو ليس عدوا محاربا له؟

الأصل الشرعي المقرر: حظر أذى الغير بلا جناية منه يستحق عليها عقوبة شرعية كعقوبة الحدود المنصوصة، أو مفوضة لتعذير القاضي أو السلطة المسؤولة، كالعقوبات التعزيرية.

فما لم يصدر من الشخص جناية، ولا هو حربي معتد، فلا يجوز مسه بأذى. فكيف يستبيح الملاكم أو المصارع ضرب خصمه، وإيصال الأذى إليه بكل قوة حتى يسقط أمامه عاجزا عن الحركة؟

لا يقال: إن هذا مطلوب، ليستخدم في الحرب ضد الأعداء، فهذا لم يعد من متطلبات الحروب، وهي تعتمد اليوم على أسلحة متطورة، لا على أجسام حديدية، على أننا رأينا هؤلاء الرياضيين أبعد الناس عن المشاركة في الحروب.

ألعاب الدفاع عن النفس:

ولقد اخترع إخواننا في الشرق الأقصى ـ اليابان وكوريا وغيرها ـ ألعابا يتدرب فيه الإنسان ـ رجلا أو امرأة ـ على حركات تتسم بالمرونة والسرعة والقوة، يدافع بها عن نفسه، تجاه من يحاول إيذاءه، فيمكنه أن يرد هذا الإيذاء دون حاجة إلى استعمال السلاح.

وقد اشتهرت هذه الألعاب في القارات الست، وأصبح لها مدربوها وقواعدها ومدارسها وميادينها، وهي عدة أنواع، لكل منها مقوماتها، وخصائصها، ومبادئها التي تراعى بدقة وبصيرة، منها: ما يسمى "الكاراتيه" ومثله "الجودو" وكذلك: "التايكوندو".

وتعلم هذه الألعاب وممارستها أمر مشروع لمن يقدر عليه، ولا حرج فيه. بل قد يصبح مندوبا لبعض الناس، وهذا أمر فوق المباح. بل ربما يصبح واجبا على بعض الناس إذا كان يخشى خشية راجحة أن يتعرض للتعدي الجسدي، وكان إتقان إحدى هذه اللعب وسيلة مناسبة لرد الاعتداء، ودفع شر المعتدي. وفقا للقاعدة الشرعية التي تقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وقد ترى بعض الجيوش إدخال هذا النوع من الرياضات إلى مجموعات منتقاة من أفرادها: أمرا لازما، للقيام بمهام معينة لا يقوم بها غيرها. فيجب عليها أن تقوم بكل ما يقوي جنودها ورجالها، ويساعدهم على أداء مهامهم العسكرية بسرعة وجدارة ولياقة. والله أعلم