السؤال: ما حكم إيداع الأموال في البنوك الأمريكية؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء

جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:

بعد أن أصبحت أميركا تقف هذا الموقف من القضايا الإسلامية، خصوصًا قضية المسلمين الأولى والمركزية: قضية فلسطين، وتؤيد تأييدًا مطلقًا الإسرائيليين في طغيانهم وعدوانهم وما يرتكبونه من مجازر يشيب لهولها الولدان، وما يقومون به من سفك للدماء وانتهاك للحرمات وتدمير للمنازل وإحراق للمزارع مما نعرفه.. ومع هذا فإن أميركا تقف مع هذا وتؤيده.

فإن التأييد الأميركي المطلق لإسرائيل هو الذي يجعلنا نقول: إن علينا أن نقف من أميركا موقف يوازي ما تقوم به.. فلا يجوز أن نعينها بأموالنا على قتل إخواننا وتأييد أعدائنا.. إن أميركا ليست مجرد صديق لإسرائيل، إنها شريك إستراتيجي: تؤيد إسرائيل بالمال وبالسلاح، كما تؤيدها دوليًا، وفي كل مناسبة.. فأقل ما ينبغي علينا هو أن نسالم من سالمنا ونحارب من حاربنا، وأدنى الحرب هو ألا نمكنها من أن تستفيد من أموالنا.

وهذا أمر مشروع وأميركا هي أول من يفعل هذا، مَن يقاطع خصومه هو أميركا، ويحاصر خصومه هو أميركا، وهذا ثابت تاريخيًا، وثابت واقعيًا، فأميركا أول من استخدم في العصر الحديث سلاح المقاطعة، ولا زالت تستخدمه إلى اليوم، فلماذا تستنكر علينا استخدامه؟!

نعم: هذا كله يدخل في المقاطعة: المستهلك والمشتري يمتنع عن شراء واستهلاك البضائع الأميركية، وصاحب الأموال يمتنع عن إيداع أمواله في أميركا حتى لا تستفيد منها.. وأنا أخشى من هذه الأموال أكثر من ذلك، ربما لا يملك أصحابها السيطرة عليها، وربما لو أرادوا استردادها فقد لا تمكنهم أميركا من ذلك!!

في الواقع إن إيداع هذه الأموال خطأ كبير، فقد قدرت الصحف هذه الأموال العربية بترليون دولار (مليون مليون دولار) من أموال الحكومات والشركات والقطاع الخاص للأمة العربية والإسلامية.. ونحن نرى أن هذا الإيداع لتلك الأموال في البنوك الأميركية من التعاون على الإثم والعدوان.. والله تعالى يقول {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2) فإذا أعطيت هذه الأموال لأميركا فأنت تعاونها بهذه الأموال على إثمها وعلى عدوانها على بلاد المسلمين ومساعدتها للكيان الصهيوني، هذه المساعدة التي لا تقف عند حد.

ونؤكد على أن الجهاد لتحرير أرض الإسلام ممن يغزوها ويحتلها من أعداء الإسلام؛ واجب محتم وفريضة مقدسة، على أهل البلاد المغزوة أولاً، ثم على المسلمين من حولهم إذا عجزوا عن مقاومتهم، حتى يشمل المسلمين كافة، فكيف إذا كانت هذه الأرض الإسلامية المغزوة هي القبلة الأولى للمسلمين وأرض الإسراء والمعراج، وبلد المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله؟!

إن الجهاد اليوم لهؤلاء الذين اغتصبوا أرضنا المقدسة وشردوا أهلها من ديارهم وسفكوا الدماء وانتهكوا الحرمات ودمروا البيوت وأحرقوا الشوارع وعاثوا في الأرض فساداً؛ هذا الجهاد هو فريضة الفرائض، وأول الواجبات على الأمة المسلمة.. فالمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، وهم أمة واحدة، جمعتهم وحدة العقيدة، ووحدة الشريعة، ووحدة القبلة ووحدة الآلآم والآمال. قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (الأنبياء:92)، وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10)، وفي الحديث الشريف: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله".

وإذا كنا نرى إخواننا في أرض فلسطين يبذلون الدماء بسخاء ويقدمون الأرواح بأنفس طيبة؛ فعلينا نحن المسلمين في كل مكان أن نعاونهم بكل ما نستطيع من قوة {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (الأنفال:72)، وقال {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى} ومِن وسائل هذه المعاونة: مقاطعة بضائع العدو مقاطعة تامة.. ويجب علينا ألا نعين العدو على إخواننا بشراء بضائعه؛ لأنها إعانة على الإثم والعدوان.. والبضائع الأمريكية مثل البضائع الإسرائيلية في حرمة شرائها، والترويج لها.

قد آن الأوان لأمتنا الإسلامية أن تقول: لا لأمريكا، ولشركاتها، ولبضائعها.. ولقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عه: ثلاثة عدوك: عدوك وصديق عدوك وعدو صديقك، وأميركا اليوم أكثر من صديق لعدونا، أنها وصلت مرحلة "الفناء" في إسرائيل، وأن الأمة الإسلامية التي تبلغ اليوم مليارًا وثلث المليار من المسلمين في أنحاء العالم يستطيعون أن يوجعوا أمريكا وشركاتها بمقاطعتها، وهذا ما يفرضه عليهم دينهم وشرع ربهم، فكل مسلم اشترى من البضائع الأمريكية والإسرائيلية ما يجد بديلًا له من دول أخرى فقد ارتكب حرامًا، واقترف إثمًا مبينًا وباء بالوزر عند الله، والخزي عند الناس.

والله أعلم