شدد العلامة القرضاوي على أنه "من حق المرأة أن تشتغل بالسياسة، وأن تعمل لخدمة وطنها، وأن تبدي رأيها في القضايا العامة، شأنها شأن الرجل في ذلك"، باعتبار "هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

جاء ذلك ردا على سؤال تلقاه فضيلته من صحيفة "جلف نيوز" حول موقف الشرع من الحادث والأفكار التي يتبناها الجاني، حيث لفت القرضاوي إلى أنه أفتى "منذ سنين بأن من حق المرأة أن تصوت في الانتخابات، وأن ترشح نفسها في مجالس النواب والشورى، ولا يوجد في الشرع ما يمنع من ذلك".

وشدد على أن "المحظور بالنسبة للمرأة هو الخلافة العظمى كما ذكر أبو محمد بن حزم، وما عدا ذلك من المناصب ففيه مجال للاختلاف والترجيح".

الدماء المعصومة

وأوضح العلامة القرضاوي أن "كل ما يعتمد عليه خصوم المرأة، هو: حديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وهذا له مناسبته، "بينما" ذكر القرآن الكريم امرأة حكمت قومها، وقادتهم بالحكمة وحسن السياسة، وقادتهم إلى الدنيا والآخرة، وهي ملكة سبأ التي ذكر القرآن قصتها في صورة النمل.

وفيما يتعلق بحكم الشرع فيما أقدم عليه الجاني، قال القرضاوي: "إن هذا الرجل الذي أعطى نفسه حق الفتوى والقضاء والتنفيذ قد جهل الشرع، وجهل الحكم في هذه القضايا، فلو أن عمل المرأة في السياسة أمر ينكر، فإنه لا يجيز القتل، والأصل في الدماء هو: العصمة والتحريم".

وشدد على أن من "أشد الأشياء خطرا على الأمة أن يشيع فيها هذا النوع من الفكر المتطرف الذي يعطي لأصحابه الحق في أن يقابلوا الحكمة بالرصاصة، والرأي بالرشاش، وهذا ما ينكره الدين، كما تنكره القوانين وتنكره الأخلاق والأعراف".

وفي ختام الفتوى، أكد العلامة القرضاوي أن "الإسلام الحقيقي الذي ندعو إليه (..) براء من مثل هذا العمل الإجرامي، وينبغي ألا يتهم الإسلام أو رجاله وحركاته بمثل هذه الأعمال التي يعلن الجميع إنكارها، وبراءتهم من فاعليها ويجرمون كل من تجرأ على سفك دم معصوم بغير حقه".

معارض متعصب

وكان مسلح، مناهض لمشاركة المرأة في العمل السياسي، قد أطلق النار أمس الثلاثاء على وزيرة الرعاية الاجتماعية في إقليم البنجاب الباكستاني ذي الحمى عثمان في أثناء استعدادها لإلقاء خطاب أمام تجمع حزبي.

وفور مقتل الوزيرة ذي الحمى، ألقت الشرطة القبض على المهاجم ويدعى محمد ساروار، وكشفت التحقيقات عن أنه لا ينتمي إلى أي جماعة إسلامية، لكنه يعارض اشتغال المرأة بالسياسة.

ونقلت وكالة "رويترز" عن وزير النظام والأمن في البنجاب رجاء بشارة أن المهاجم متورط في 6 قضايا قتل سابقة لكنه لم يدن لعدم كفاية الأدلة. وكشف بشارة عن أن المهاجم لا ينتمي لأية جماعة إسلامية و"ليس متعصبا في الأساس"، لكنه "ضد اشتغال المرأة في القضايا السياسية وفي شئون الحكم".

نص الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

أولا: من حق المرأة أن تشتغل بالسياسة، وأن تعمل لخدمة وطنها، وأن تبدي رأيها في القضايا العامة، شأنها شأن الرجل في ذلك، فإن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما قرره القرآن الكريم بوضوح حين قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[التوبة:71]. وفي الحديث: "إنما النساء شقائق الرجال"[1].

وليست السياسة في ذاتها أمرا منكرا، ولا شرا أخلاقيا، إنما ينكر من السياسة: إغفالها للجانب الأخلاقي، واعتمادها الكذب والمراوغة، وهذا ينكر على الرجال والنساء جميعا.

وقد أفتينا منذ سنين بأن من حق المرأة أن تصوت في الانتخابات، وأن ترشح نفسها في مجالس النواب والشورى، ولا يوجد في الشرع ما يمنع من ذلك، كل ما يعتمد خصوم المرأة، هو: حديث : "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"[2] وهذا له مناسبته.

وقد ذكر القرآن الكريم امرأة حكمت قومها، وقادتهم بالحكمة وحسن السياسة، وقادتهم إلى الدنيا والآخرة، وهي ملكة سبأ التي ذكر القرآن قصتها في صورة النمل.

والمحظور بالنسبة للمرأة هو الخلافة العظمى كما ذكر أبو محمد بن حزم، وما عدا ذلك من المناصب ففيه مجال للاختلاف والترجيح.

ثانيا: إن هذا الرجل الذي أعطى نفسه حق الفتوى والقضاء والتنفيذ، قد جهل الشرع، وجهل الحكم في هذه القضايا، فلو أن عمل المرأة في السياسة أمر ينكر، فإنه لا يجيز القتل، والأصل في الدماء هو: العصمة والتحريم، والله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}[الأنعام:151].

وقد حدد الحق في أحاديث صحاح ليس فيها اشتغال المرأة بالسياسة.

ثالثا: إن من أشد الأشياء خطرا على الأمة أن يشيع فيها هذا النوع من الفكر المتطرف، الذي يعطي لأصحابه الحق في أن يقابلوا الحكمة بالرصاصة، والرأي بالرشاش، وهذا ما ينكره الدين، كما تنكره القوانين وتنكره الأخلاق والأعراف.

ونحذر أبناء أمتنا من الوقوع في هذه المهاوي التي ليس وراءها إلا الهلاك، هلاك الأفراد وهلاك المجتمعات، وضياع الدين والدنيا معا.

رابعا: إن الإسلام الحقيقي الذي ندعو إليه، ويدعو معنا الدعاة الأجلاء، والحركات الإسلامية العريقة، والمتمسكة بالمنهج الوسطي للأمة الوسط: براء من مثل هذا العمل الإجرامي، ولا ينبغي أن يتهم الإسلام أو رجاله وحركاته بمثل هذه الأعمال التي يعلن الجميع إنكارها، وبراءتهم من فاعليها ويجرمون كل من تجرأ على سفك دم معصوم بغير حقه. وقد قرر القرآن مع كتب السماء: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة:32]. والله أعلم

.....................

[1] روا أحمد وأبو داود والترمذي وأبو يعلى والبيهقي عن عائشة.

[2] رواه البخاري والترمذي والنسائي عن أبي بكرة.