في أحدث فتوى له دعا فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي إلى التحفظ على نشر المشاهد المؤذية للمشاعر والمسيئة إلى الدين وأهله مما يتعلق بصور ذبح الرهائن وقطع رقابهم بالسيف، وقال في فتوى أجاب فيها على أسئلة توجهت بها إلى فضيلته جمعية الهلال الأحمر القطري إن نشر المآسي التي تحدث للمسلمين سواء ما وقع للأسرى العراقيين أو ما تفعله الصهيونية العنصرية يكون سلاحا من الأسلحة التي بيدنا نحن المسلمين، ورأى أن نشر تلك الفظائع على العالم فريضة وضرورة. جاء ذلك في رسالة أجاب فيها على أسئلة من الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر د. محمد بن غانم العلي المعاضيد هذا نصها:

فإن ما سألتم عنه من نشر الصور والمشاهد الدموية - في القنوات الإعلامية المختلفة - كمشهد التعذيب الجسدي والجنسي الذي وقع على الأسرى العراقيين (أي في سجن أبو غريب وأمثاله) مما قد يكون فيه مساس بكرامة الإنسان. وكذلك نشر صور المآسي التي تحدث للمسلمين في بعض البلدان المحتلة، كمشاهد هدم البيوت (في فلسطين مثلا) وبعض اللقطات التي يظهر فيها بعض الضحايا وقد بترت أعضاؤهم أو تكسرت جماجمهم، وخرج منها المخ.. إلخ، مما قد يعتبر خرقا لحرمة المتوفى. فنقول في الجواب عنه بعد حمد الله تعالى: إن نشر هذه الصور مهم جدا للتنديد بالجرائم الوحشية التي يرتكبها الطغاة والمستكبرون في الأرض ضد المستضعفين، كما يفعل الاحتلال الأمريكي في العراق، الذي يدعي أنه يمثل الحضارة الراقية، ويجسد القيم المسيحية، وهو أبعد ما يكون عن المسيحية، وعن الحضارة.

فريضة وضرورة

وكما تفعل الصهيونية العنصرية الظالمة المتجبرة، التي لا تخشى خالقا ولا ترحم مخلوقا، وتمارسه كل يوم: من سفك للدماء، واستهانة بالأرواح، وهدم للمنازل، وتشريد للأحياء، وهتك لحرمة الأموات. لذا نرى نشره على العالم فريضة وضرورة. وهو سلاح من الأسلحة التي بأيدينا ضد أعدائنا، وهو يزعجهم جدا، ويقلقهم جدا، ويتمنون أن يفعلوا هذا في خفية من العالم، بحيث يرتكبون المذابح، ويقترفون العظائم، ولا يرى ذلك أحد ولايسمعه.

إن مشهد قتل الطفل محمد الدرة كان له أثره في وقوف كثير من الناس في أنحاء العالم مع أبناء فلسطين.

وإذا كان في قضية المشاهد أو الصور مساس بكرامة الإنسان حيا أو بحرمته ميتا، وهذه مفسدة، فإن هناك مفسدة أكبر منها وأعظم لو تمت هذه الأشياء في صمت، أو أخفيت عن أعين الخلق ومسامعهم.

فقه الموازنات

وإن فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد: ليلزمنا أن نرجح مصلحة النشر لما يحمله من التنديد بفظائع المجرمين، وهتك أستارهم، وفضح إجرامهم.

والقاعدة الشرعية التي أجمع عليها الفقهاء عند تعارض المنافع والمضار، أو المصالح والمفاسد: أن يرتكب أخف الضررين أو أهون المفسدتين، وأن نضحي بأدنى المصلحتين تحصيلا لأعلاهما، وقد عبروا بقولهم عن ذلك بقولهم: بتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى. وهذا من حكمة الشرع وواقعيته. وعلى ذلك أدلة كثيرة من نصوص القرآن والسنة، مؤيدة بعمل الصحابة رضي الله عنهم.

لا للتكرار

وأما مسألة تكرار إذاعة هذه المشاهد وعرضها على الناس، فإن المبالغة في كل شيء تفسده، وقد تخرج به من المصلحة إلى المفسدة. فإذا أدى عرض الصور وإذاعتها الغرض، وعرفها الناس، فلا داعي للاستمرار في ذلك. وهذا يقدره الخبراء والعارفون، فيرجع إليهم {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر: 14).

ذبح الرهائن

بقي السؤال عن صور ذبح الرهائن، وقطع رقابهم بالسيف، وما ينبئ به هذا المشهد من قسوة، يتهم بها الإسلام نفسه، كما تتهم بها أمته، فلا أرى نشر هذه المشاهد المؤذية للمشاعر، والمسيئة إلى الدين وأهله، إلا ما اضطررنا إليه اضطرارا، فيذاع بقدر الضرورة، لأن الإعلام العالمي لا ينتظرنا، وسيذيع هذه المشاهد، رضينا أم أبينا. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

- المصدر: جريدة الشرق القطرية