الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، وداعيهم إلى السلام، وهاديهم إلى الرشد، ومخرجهم من الظلمات إلى النور، بإذن ربهم إلى صراط مستقيم، وبعد:
فقد وثق الإسلام علاقة المسلم بإخوانه المسلمين في كل بقاع الأرض، وقواها برباط الأخوة قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10) ، وأرشد سبحانه إلى أهمية الوحدة فيما بينهم، وخطر الفرقة عليهم جميعا، فقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103).
ووجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن يتضام بعضهم إلى بعض، وأن يقوى بعضهم بعضا، فقال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك صلى الله عليه وسلم أصابعه.
وأشار إلى حقوق أخوة الإسلام قائلا: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كربة، فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومَن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة".
ولا يخفى على مسلم غيور ما يحلَّ بإخواننا الروهينجا من مآسٍ يندى لها الجبين، وتتفطر منها الأكباد، ويشيب لهولها الولدان، للدرجة التي يوصفون معها بأنهم أكثر الأقليات اضطهادا في العالم، ومجردون من جنسيتهم، ومن حق التنقل، والتعليم، بل من حق الحياة.
وقد تناقلت وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعيي صورا حية لفظائع مروعة، ومجازر بشعة تُرتكب بصورة ممنهجة، على أيدي قوات الجيش الرسمي والمتطرفين البوذيين بحق مئات الآلاف من أقلية الروهينجا المسلمة هناك.
عندما تشاهد أمة الإسلام إخوانهم المسلمين الروهينجا: تُحرق أجسادهم، وتقطع أعضاؤهم أحياء، لا لشيء إلا أنهم مسلمون، في زمن تخاذلت فيه الأمة، عن نجدتهم، وتخلت حكوماتهاعن نصرتهم، أو تقديم يد العون لهم.
فلا ضمير يصرخ ، ولا مروءة تتحرك ، ولا نخوة تهتز من أجل {الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (النساء:75) ؛ حتى أصبح المسلمون الروهينجا أيتاما على مائدة لئام، تجردوا من مظاهر الإنسانية، وتعروا من مبادئ البشرية، فتداعوا عليهم "كما تداعى الأكلة إلى قصعتها".
لـمثل هـذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ * إن كـان فـي القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
إننا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومعنا كل المؤسسات الإسلامية الفاعلة ندين ونستنكر كل عمل إرهابي يروع الأبرياء، ويستهدف الآمنين، في أي بقعة من العالم، وندعو إلى معاقبة الفاعل أيا كان دينه أو عرقه أو طائفته، لكننا – وللأسف الشديد - لم نجد من العالم، ولا من الدول الكبرى، أو من الدول العربية والإسلامية ما يكبح جماح هؤلاء، أو يسيطر على هذه الروح العدوانية الوحشية فيهم.
إنني أنادي الحكومات العربية والإسلامية، فهم مسؤولون أمام الله تعالى عن إخوانهم المقهورين في بورما، فسيحاسبهم سبحانه على هذا التخاذل في الدفاع عنهم، وفي الحديث: "ما من امرئٍ يخذُلُ امرَأً مسلماً في موضعِ تُنتهَكُ فيه حرمتُهُ، ويُنتقَصُ فيه من عِرْضِهِ، إلا خذلَهُ الله في موطِنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَهُ".
تستطيع هذه الحكومات الإسلامية - إن أرادت - بما لها من وسائل ضغط سياسية واقتصادية، وعبر استثمار علاقاتها الدولية: أن تضغط على هذه الحكومة الظالمة. وقد رأينا أن أقليات أخرى وجدت لها من يعينها من الدول الكبرى ما ألجأ حكومة ميانمار إلى عقد صلح معهم وترك قتالهم.
إن الإسلام يأمرنا أن ننصر إخواننا المظلومين، ولو بالقتال إلى جانبهم؛ دفعا للظلم، ورفعا للعدوان، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190) ، وقال سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:39-40) . وعلى المحيط الجغرافي لإخواننا الروهينجا من المسلمين أن يقوموا بدور النصرة والإيواء المؤقت للاجئين حتى يجعل الله لهم فرجا قريبا.
وإننا إذ نحيي تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، لما يقوم به من دور كبير، ودبلوماسية فاعلة، ونثمن إيفاده وزير خارجيته إلى الروهينجا، وما تقدمه هيئة الإغاثة التركية من إعانات، وكذلك زيارة سيدة تركيا الأولى للاجئين، والعمل على مواساتهم، وتضميد جراحهم، فإننا نأسف للموقف العربي الذي جاء دون المستوى، والذي انشغل بأمور هامشية وخلافات بينية، عن القيام بواجبه تجاه إخوانه المسلمين هناك.