الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه

(وبعد)

فما تزال حكومة حزب رابطة عوامي، برئاسة الشيخة حسينة واجد، سادرة في غيها، ومصرة على المضي قدما في التخلص من قادة العمل الإسلامي والوطني الذين عارضوا انفصال بنجلاديش عن باكستان سنة 1971م، أي قبل (45) عامًا، أداتها في ذلك محكمة الحرب الدولية التي أنشأتها الحكومة للتخلص من المعارضين السياسيين.

 

وها هي محكمة الحرب تصدر حكمها بإعدام الزعيم المسلم مير قاسم علي، وهو خامس قائد لحزب الجماعة الإسلامية وثامن إسلامي يُنفذ فيه حكم الإعدام منذ عام 2010م، في قضية يعود تاريخها إلى أكثر من أربعة عقود، كان عمره في وقت هذه الأحداث لا يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، ولا أدري كيف يحاكم الإنسان على أحداث مضى عليها أكثر من خمسة وأربعين عاما؟ وكيف استطاعت المحكمة أن تجد من يشهد على ما ادُعِيَ عليه من تهم بعد كل هذه السنين؟ فكل البراهين دالة على أن هذه المحاكمات صورية، ولأغراض سياسية واضحة.

 

والشهيد بإذن الله مير قاسم علي الذي رفض تقديم التماس بإلغاء حكم الإعدام، هو مؤسس البنك الإسلامي المحدود أول بنك إسلامي في بنجلاديش، والذي كان له دور كبير في مساعدة الملايين من الفقراء، وهو أيضا أمين صندوق الجماعة الإسلامية، وعضو مجلسها التنفيذي، وممثلها لدى رابطة العالم الإسلامى بالسعودية، ومؤسس لعدد من المنظمات الإعلامية الناجحة.

 

وأذكر حكومة بنجلاديش بعاقبة إزهاق أرواح العباد بدون وجه حق، وبأنه لا يجوز تلفيق تهم باطلة لا يقبلها عقل ولا منطق، وأحذرها من إراقة دماء المظلومين، وإزهاق أرواحهم بالباطل، فعاقبة ذلك وخيمة في الدنيا والآخرة، على من يريق هذه الدماء ويتجرأ على هدم بنيان الله في الأرض، وهو الإنسان، قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:93].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراما". قال ابن عمر -راوي الحديث-: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله". (رواه البخاري) ، وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا وموقوفا: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم". رواه النسائي والترمذي، ورجح الموقوف. والنصوص في هذا كثيرة.

 

وها أنا أكرر ما طالبت به رئيسة الوزراء الشيخة حسينة قبل، فأطالبها بإعمال العقل، وعدم إدخال البلاد في دوامة الصراعات الداخلية التي لا تنتهي، والتصدي للانقسام الداخلي، وكما أطالبها بالبدء في حوار وطني، وخطة شاملة للمصالحة الوطنية، وليست خطة لإقصاء المعارضين أو سجنهم أو قتلهم أو حظر أنشطتهم.

 

وأدعو السلطات في بنجلاديش إلى الوقف الفوري لتلك الأحكام العبثية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين على ذمة هذه القضايا المفتعلة، والبدء في إجراءات المصالحة الوطنية الشاملة التي نتوقع أن تأتي بالخير على بنجلاديش وأهلها، إذا تم تنفيذها بنوايا حسنة من الجميع.

 

وأدعو المسلمين في كل مكان حكاما ومحكومين وأدعو المجتمع الدولي وأحرار العالم إلى أن يسعوا في وقف الحملة الانتقامية المسعورة ضد فادة العمل الإسلامي في بنغلاديش.

وأسأل الله أن يرحم الشهيد المظلوم: مير قاسم علي وإخوانه، وأن يقبل جهدهم وجهادهم في سبيل إبلاغ دعوته، وخدمة عباده، وأن يهيئ لهذه الأمة أمرًا رشدًا، تجتمع فيه كلماتها على القرآن والسنة، وأسأله تعالى أن يحق الحق ويزهق الباطل، ويمن على أمة الإسلام بأن تمتلك شعوبها إرادتها، وأن يخلصها من الطغاة الظالمين المتكبرين في الأرض.

 

يوسف القرضاوي

 رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين