الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه
(وبعد)
فإن الله تعالى قد اختصكم بحمل راية الجهاد، والدفاع عن الإسلام، والذود عن حرمات المسلمين. وإنها لمكانة عظيمة، وعد الله سبحانه من حمل هذه الراية بأن يهديه سواء السبيل، قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. ونوه سبحانه في دستوره الخالد وقرآنه الكريم بفضل المجاهدين فقال: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:95].
ووصف الله المجاهدين الصادقين الذين يحبهم ويحبونه بقوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة:54].
وقد آلمنا وأحزن كل مسلم صادق غيور ما يجري بين إخواننا من فصائل المقاومة في الغوطة الشرقية من مقتلة عظيمة، راح ضحيتها المئات من أطهر الناس وأصدق الناس، ممن باعوا زهرة الحياة الدنيا بما هو خير وأبقى عند الله تعالى. وكذلك ما حدث من أسر بعضهم لبعض، وحصار بعضهم لبعض.
وهذا من نزغ الشيطان الذي نزغه بين هاتين الطائفتين {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}[الإسراء:53]. وهو كما أخبر تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة:91]. وأي عداوة وبغضاء أكثر من أن يسفك بعضنا دماء بعض، وأن يحاصر بعضنا بعضًا، وأن يأسر المسلم أخاه المسلم أو يُجهز عليه؟!!
إن آيات القرآن الكريم تنادينا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. والله تعالى يحذرنا: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].
فيا لسعادة أعدائكم وقد اجتمعوا على إبادتكم، وهم يرونكم تتناحرون وتتقاتلون، حتى تضعف جبهتكم، وتذهب ريحكم، فيميلوا عليكم ميلة واحدة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يشدد في تحريم دم المسلم، فيقول كما في حديث جابر، عند مسلم وأبي داود: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا".
وكما في حديث أبي هريرة عند مسلم وأحمد وأبي داود والترمذي: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه".
وكما في حديث أبي بكرة المتفق عليه عند البخاري ومسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، فقلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصا على قتل صاحبه".
إن المسلمين يتناصرون ويتعاضدون فيما بينهم، وهم يد على من سواهم، يربط بينهم رباط الإسلام، وعروة الإيمان، وفي الصحيحين، من حديث ابن عمر: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته".
وقد امتن الله تعالى عليهم بهذه الرابطة وتلك الأخوة فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103]
وقال سبحانه: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: 63].
وقد أرشدنا الله تعالى إلى أن نصلح بين إخواننا فقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1].
وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة".
وأقول لإخواني من المجاهدين في جيش الإسلام وفي فيلق الرحمن: ينبغي أن يكون فيلق الرحمن جزءا من جيش الإسلام، وأن يكون جيش الإسلام معبرا عن فيلق الرحمن. ينبغي أن يندمج الفصيلان ليزدادوا قوة إلى قوتهم، وبأسا إلى بأسهم، وصلابة إلى صلابتهم، فيكونوا قوة عصية على عدوهم، تتقدم إلى الأمام ولا تتقهقر إلى الخلف، يقاتلون عدوهم صفا واحدا كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:4].
وتسعنا جميعا قاعدة المنار الذهبية: "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".
إن أمة الإسلام في المشارق والمغارب ترقب جهادكم، وتدعو الله أن ينصركم نصرا مؤزرا، ولا تنتظر منكم هذا التناحر، ولا تقبل منكم هذه الأفعال!
وإن دماء الشهداء، وآلام الجرحى، وأعراض الحرائر، وأحزان الثكالى والأرامل، وأنات المعتقلين تصرخ فيكم: أن كفوا عن هذه المعارك الخاسرة!
إن تمكن الخلاف منكم، ومحاولة بعضكم التغلب على البعض يطيل عمر عدوكم، إن لم يكن له في ذلك طوق النجاة؟!
إن المصائب يجمعن المصابينا، فكيف بمصاب أهل الشام وما يتعرضون له من تقتيل وتشريد لهما أكثر من خمس سنوات؟ وكيف وقد رمتكم الدنيا عن قوس واحدة؟!!
إن إخلاص العمل والقبول عند الله تعالى يرتبط بصدق النية، والبراءة من حظوظ النفس. كما في حديث أبي موسى الأشعري عند البخاري ومسلم: قال صلى الله عليه وسلم: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله عز وجل".
نسأل الله تعالى أن يصلح بين إخواننا، وأن يحقن دماءهم، وأن يوحد كلمتهم، وأن يشد أزرهم، وأن يقوي عزائمهم، وأن ينصرهم على الطغاة المتكبرين في الأرض، إنه على كل شيء قدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
يوسف القرضاوي
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين