الدوحة- اختتم الملتقى العلمي الأول لتلاميذ الإمام الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بإعلان تأسيس "رابطة تلاميذ القرضاوي" كوسيلة تواصل دائم بين تلاميذه يعملون من خلالها على تعميق فكر القرضاوي وتقوية التواصل فيما بينهم، وذلك ضمن عدد من المشاريع والتوصيات تضمنها البيان الختامي لنشر منهج القرضاوي.

وأكد الشيخ القرضاوي أن هذه الرابطة هي "رابطة للأمة الإسلامية كلها" محددا معالمها بأنها "إسلامية، علمية، أخلاقية، دعوية"، وأوصى تلاميذه بالالتزام بتلك الأطر بما تتضمنه من الاهتمام بقضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين.

وقال القرضاوي في كلمة له في ختام الملتقى مساء الخميس 11/2/2010: إن اللقاءات العلمية الإيمانية الربانية المباركة أثمرت إنشاء "رابطة تلاميذ القرضاوي".

ووصف الرابطة بأنها "رابطة إسلامية"، مشددا على أنها "لا ترتبط بشخص القرضاوي فالإسلام لا يقدس الأشخاص"، مشيرا إلى أن هذا المنهج هو الإسلام، ثم ما نضيفه للإسلام من المنهج الوسطي، المنهج التجديدي، المنهج الشمولي، هذا كله فرع عن الإسلام.

وأوضح كذلك أنها "ليست رابطة قطر أو إقليم وإنما رابطة الأمة"، وفي هذا الصدد دعا تلاميذه أن يهتموا بكل قضايا الأمة الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وتابع القرضاوي: ثم هي رابطة (علمية) وينبغي أن يكون همنا في هذه الرابطة نشر العلم وتقوية اتصالنا بالعلم وخدمة العلم، ونصح تلاميذه في الرابطة "أن ينهلوا من العلم ولا يشبعوا منه، وأن يعملوا بعلمهم".

المعلم الثالث للرابطة، حدده الشيخ القرضاوي في أنها "رابطة أخلاقية"، ودعا تلاميذه "أن يكون كل منهم نموذجا أخلاقيا يتعلم منه الناس حسن الخلق، نريد من تلاميذ القرضاوي أن يقتبسوا من المشكاة المحمدية، من خلق رسول الله".

وأوضح كذلك أنها "(رابطة دعوية) فلا بد لنا أن نحمل الدعوة إلى العالم كله، وأوصي إخوتي وتلاميذي أن يكونوا حملة الدعوة، والدعوة طريقها ليس مفروشا بالورود والرياحين، بل طريق مفرش بالجثث والدماء أحيانا فلا بد أن نوطن أنفسنا على ما يصيبنا في سبيل الدعوة".

وفي هذا الشأن نصحهم بالدعوة إلى الإسلام بأسلوب العصر، مشيرا إلى أن أهل القرن الحادي والعشرين يجب أن يكون هناك خطاب دعوي لهم.

وقال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إن الفتوى تتغير بتغير المكان والزمان والعرف والحال، وكذلك الدعوة تتغير بتغير هذه الأشياء، فأنا أوصيهم أن يراعوا ظروف الدعوة وأن يتسلحوا لها.

كما دعاهم إلى تعلم اللغات الأجنبية للدعوة إلى الإسلام، قائلا: "أنا لدي نقص في وسائل الدعوة، وأرجو من أبنائي أن يتداركوه، أنا لا أعرف اللغات، ولذلك أوصي أبنائي من أتيحت له فرصة أن يعرف لغة أجنبية لحد الإتقان فليفعل، فتعلموا اللغات".

كما أوصى الشيخ القرضاوي تلاميذه بارتباط بعضهم ببعض، وسؤال بعضهم عن بعض والتعارف والتواصل بينهم عبر الهواتف والإنترنت.

ووجه الشكر لقطر وأميرها الشيخ حمد بن خليفة بن ثاني الذي "فسح لي الطريق ولم يقف عائقا في سبيل حرية القول، أقول ما أشاء في خطبي ودروسي وبرامجي في الإذاعة والتلفزيون، وما قال لي أحد إن هناك خطا أحمر لا تتجاوزه".

وأوضح قائلا: "لولا أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة لكنت في قائمة الإرهابيين"، كاشفا أن "الأمريكان كانوا مصرين على إدخالي في هذه القائمة، ومن وقف بقوة وشجاعة ضد هذا الأمر هو الشيخ حمد بن خليفة".

واقترح القرضاوي على وزير الثقافة القطري د.حمد الكواري "نشر آثار هذا الملتقى من لقاءات ومحاضرات"، فأجابه الوزير بأنه سيتم نشره ضمن إصدارات الدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010، مشيرا إلى أنه سيكون هناك عدد من الأعمال على مدار العام في إطار فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة العربية سيكون محورها الشيخ القرضاوي.

قطر تفخر بالقرضاوي

ومن جانبه قال د. حمد الكواري: إن "قطر تفخر بالشيخ القرضاوي، وتفخر بأن معظم نشاطه في نصرة الإسلام والمسلمين كان من قطر ومن جامع عمر بن الخطاب".

وأعرب عن سعادته بأن يكون هذا الملتقى في بداية احتفال بالدوحة عاصمة للثقافة العربية عام 2010، مشيرا إلى أن الثقافة العربية لا قيمة لها دون الإسلام، بل هي الإسلام.

وقال: إن شعار "الثقافة العربية وطنا والدوحة عاصمة" كنا نقصد به الثقافة العربية الإسلامية، فنحن لا نفرق بين العروبة والإسلام، ونقول إن الدوحة عاصمة لهذه الثقافة العربية الإسلامية.

وأردف قائلا: "وما يجعل منها عاصمة هو هذا العملاق المؤسسة، الرجل في أمة، والأمة في رجل، الشيخ يوسف القرضاوي".

وأشار إلى ما تحمله قيادة قطر من تقدير وامتنان للدور الذي يقوم به الشيخ القرضاوي، مشيرا إلى أن "قطر كبيرة بمواقفها، ومن مواقفها أن يكون هذا الرجل العظيم موجودا فيها، ويتخذ هذه المواقف الكبرى في نصرة القضايا العربية الإسلامية، وفي مقدمتها قضية فلسطين".

"عالم رباني"

بدوره ألقى الداعية القطري د.علي محيي الدين القرة داغي كلمة، وصف فيها القرضاوي بأنه من "العلماء الربانيين المجددين"، مشيرا إلى أن تجديد الدين يزيل عنه "تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".

وبيّن أن الشيخ القرضاوي "جاهد لتقديم الإسلام على حقيقته الناصعة وبمنهجيته الوسطية، بالإضافة لترشيد الصحوة وتأصيل معظم القضايا الفقهية والسياسة والاقتصادية والفكرية طوال أكثر من نصف قرن، ناهيك عن أنه ضمير الأمة الحي في التفاعل واتخاذ المواقف المناسبة".

وبيّن: "إن الله حفظ هذه الأمة وكيانها الخالد بالمجددين من الأمراء والعلماء الذين هم أولو الأمر"، مشيرا إلى أنه "في تاريخنا الإسلامي قام العلماء على رأسهم الغزالي بإصلاح التعليم وتزكية النفوس وإحياء الدين في النفوس".

وتابع: "ثم جاء غيره من العلماء الربانيين لتطوير هذه المدارس لتصبح مدرسة جامعة بين إصلاح التعليم وتزكية النفس وبين الجهاد المنضبط الموجه، فخرج أمثال نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي".

وأعرب الشيخ القرة داغي عن أمله في أن تكون "المدرسة الوسطية التي جددها شيخنا القرضاوي شبيهة بالمدرسة الصلاحية، ونواة لهذه المدرسة الإصلاحية الشاملة التي تعيد الأمة لعزتها وكرامتها، وتنجب المبدعين والأبطال في كل فروع الحياة؛ ليقودوا الأمة إلى الخير".

بشير الوحدة

بدوره وصف المفكر الإسلامي التونسي الشيخ راشد الغنوشي القرضاوي بأنه "شيخ الإسلام"، واعتبر هذه المناسبة "حدثا قابلا أن يكون فارقا في تاريخ هذه الأمة"، وقال: "نحن نشهد حدث تدشين هذه المدرسة المباركة وتحولها من كونها فكرا لعالم كبير، لكونها مدرسة تعيد لذاكرتنا قصة أصحاب أبي حنيفة وأصحاب مالك".

وأوضح أن "الأمة أحوج ما تكون إلى هذا؛ لأمرين: أولهما: من أجل استعادة وحدتها الفكرية، وقد مزقتها مذاهب متلاطمة متصادمة صوب التميع من جهة، وصوب التشدد والتطرف من جهة أخرى"، معتبرا أن "المدرسة الوسطية تبشر بعودة الوحدة الفكرية الضرورية لوحدة الأمة وتدشن ولادتها".

وتابع: "الأمر الثاني هو أنه حدث فكري.. نعم، ولكن الفكر والسياسة في عقيدة التوحيد لا ينفصلان، وأمتنا بعد أن فقدت رمز وحدتها السياسية بسقوط الخلافة ظلت تعيش وضعا من اليتم، الشيخ القرضاوي رمز وبشير بأن هذه الوحدة على الأقل من الناحية الرمزية بصدد أن تستعاد".

وأشار إلى أن "شيخ الإسلام يوسف القرضاوي مثل نوعا من عودة الوحدة الإسلامية، والوسطية هي الساحة التي تلتقي فيها كل التيارات الإسلامية التي جمعها القرضاوي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين".

وتابع: "اليوم نستطيع أن نقول هناك ضمير للأمة إذا حدثت مذبحة في فلسطين أو فتنة في العراق، الناس يلتفتون: ماذا يقول الشيخ القرضاوي؟ فلنا أن نستبشر، وأن نتفاءل، وأن نستشعر أننا على أبواب مرحلة جديدة"، معربا عن أمله أن "تتسع هذه المدرسة لتستوعب الأمة كلها".

كما ألقى مصعب توران -من تركيا- كلمة التلاميذ شكر فيها الشيخ القرضاوي "الذي أكرمنا بصحبته، وأفاض علينا من علمه، وأجاد علينا من وقته خلال أسبوع كامل".

وأشار إلى أنه "كانت الفائدة كبيرة جدا في هذا اللقاء، حيث توثقت صلتنا بشيخنا الإمام، وتعرفنا على نخبة مصطفاة من أبناء الشيخ وتلاميذه من شتى البلاد، وحققنا التعارف".

وقال: "ونأمل أن نكون مبلغين لمنهج الإسلام الوسطي الذي دعانا إليه شيخنا، وأن نكون أوفياء لهذا المنهج الذي نحتاج إليه في هذا العصر".

البيان الختامي

وألقى الشيخ أكرم كساب البيان الختامي للملتقى، أشار فيه إلى أن تلاميذ العلامة القرضاوي توصلوا إلى مشروع تواصل دائم بينهم، تمثل في "تأسيس رابطة تلاميذ العلامة القرضاوي".

وأعلن –خلال كلمته- انتخابه أمينا عاما لـ"رابطة تلاميذ العلامة القرضاوي"، مشيرا إلى انتخاب 4 آخرين غيره كمجلس أمناء للرابطة هم: "الشيخ عبد السلام البسيوني، والقاضي محمد طايس الجميلي، والشيخ مجدي مكي، والأستاذ محمد مختار الشنقيطي".

وأشار كساب – بحسب البيان الختامي- إلى أن أهم أولويات هذه الرابطة ما يلي: "التواصل من خلال منتدى إلكتروني خاص بالتلاميذ، وتفعيل التعارف والتواصل من خلال مجموعة بريد إلكتروني، وتعميق فكر الشيخ القرضاوي من خلال مجلة إلكترونية، وتقوية التواصل بين التلاميذ في كل قطر من خلال عقد لقاءات وندوات دورية".

هذا بالإضافة إلى "تفعيل مركز القرضاوي للوسطية بقطر، ليقوم بدوره في توطيد الصلة بين تلاميذ الشيخ، وتهيئة فرص اللقاءات المباشرة، من خلال إعلام التلاميذ بعضهم بعضا بالمؤتمرات العلمية المنعقدة في بلدانهم".

كما بيّن أن "ملتقى تلاميذ العلامة القرضاوي توصلوا إلى أفكار ومشاريع عملية لنشر منهج العلامة القرضاوي تتمثل فيما يلي: ترجمة كتب الشيخ إلى غير العربية، وتطوير موقع الشيخ على الإنترنت، وإصدار إصدارات حول الشبهات المثارة ضد فكر الشيخ، وإنشاء جائزة عالمية لفكر الشيخ، وعقد مؤتمرات دورية بين تلاميذ الشيخ، والتنسيق مع مركز القرضاوي للوسطية التابع لكلية الدراسات الإسلامية؛ لجمع أعماله الكاملة".

وتضمنت أيضا: "تلخيص كتب الشيخ ونشرها، ومدارسة خمسة كتب للشيخ بين تلاميذه وطلابهم في كل سنة، وجمع الرسائل العلمية المكتوبة عن الشيخ من جامعات العالم لعرضها عن طريق موقع الشيخ".

وكذلك "إدراج كتب الشيخ –ما أمكن– ضمن مقررات الجامعات والمدارس والمنظمات وغيرها، ورصد الموضوعات التي لم يكتب فيها الشيخ أو لم يتمها ليتسنى له إنجازها".

توصيات

كما تضمن البيان الختامي عددا من التوصيات: حيث "أوصى الأمة الإسلامية، حكومات ومنظمات ومراكز بحوث وعلماء، وعموم المسلمين بالالتزام بمنهج الوسطية والاعتدال ونبذ كل مظاهر التطرف والعنف".

و"أوصى البيان علماء الأمة وطلبة العلم والدعاة والمثقفين بالاستفادة من تراث العلامة القرضاوي الخصب المتنوع الذي بناه على منهج الاعتدال والوسطية، بخاصة كتابه الأخير (فقه الجهاد) الذي يمثل مرجعا هاما لتصحيح مفهوم الجهاد".

ودعا الملتقى "تلاميذ الشيخ إلى التمسك بمنهج شيخهم، المنهج الذي يمثل الوسطية الإسلامية نظرية وتطبيقا، والاجتهاد في نشره بكل الوسائل المتاحة".

و"التمس تلاميذ العلامة القرضاوي –بحسب البيان- من شيخهم وإمامهم إنجاز ما وعد به من تأليف كتاب جامع في علم أصول الفقه، يضع فيه كل ما تناثر في كتبه، ويزيد عليه ما وصل إليه فضيلته من جديد في هذه المادة، بالإضافة إلى التفسير على هامش المصحف الشريف، وكذلك السيرة النبوية الموضوعية".

وأخيرا "يتوجه ملتقى تلاميذ الإمام القرضاوي بالحمد لله والشكر له أن جعل شيخنا وإمامنا العلامة يوسف القرضاوي ممن جدد بهم الدين في هذا العصر، كما جعله على رأس القادة والدعاة إلى الاعتدال والوسطية، لما حباه به من دقة النظر وسعة الفقه الفهم وحسن التأصيل والتنزيل، مما يجعله مؤهلا بحق أن يلقب بفقيه الأمة وعلامة العصر وشيخ الإسلام". ووجه الشكر لقطر وأميرها ووزارة الأوقاف ووزارة الثقافة.

وحضر الحفل الختامي الذي شارك في إدارته الدكتور محمد الشيب أستاذ أصول الفقه بجامعة قطر -جمع غفير من العلماء والمفكرين وتلامذة الشيخ، إضافة إلى محمد نزال القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والذي أكد لـ"إسلام أون لاين.نت" أنه قدم خصيصا لقطر للمشاركة في هذا الملتقى.

وعقد الملتقى العلمي الأول لتلاميذ القرضاوي على مدار أسبوع كامل في الفترة من 5-إلى 11 فبراير 2010 تحت عنوان "نحو منهجية راشدة في التأصيل والتنزيل"، وركزت أعمال الملتقى على الأصول المنهجية للاجتهاد والتنزيل لدى الإمام العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، كما تناول الشيخ القرضاوي طيلة أيام الملتقى في العديد من الجلسات مجموعة من المحاور الأصولية الهامة.

وقد ألقي على هامش الملتقى العديد من المحاضرات المتخصصة حول معالم منهج الشيخ القرضاوي، ومنها: "القرضاوي الفقيه الداعية" للداعية السعودي الشيخ سلمان العودة، و"التجديد عند القرضاوي" لوزير الأوقاف السوداني الأسبق د.عصام البشير، و"النظرة المقاصدية عند القرضاوي" للفقيه المغربي الدكتور أحمد الريسوني، و"دورة مختصرة حول كيف تكون قائدا مميزا" للداعية الكويتي د.طارق سويدان، و"فقه الأولويات عند الإمام القرضاوي" للشيخ راشد الغنوشي، و"الاجتهاد عند القرضاوي من خلال كتابه فقه الزكاة" للدكتور على القرة داغي.