فقه الزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الخامسة والعشرين
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبتوفيقه تتحقق الغايات، وبعونه تتذلل الصعوبات. وأزكى الصلوات والتسليمات على رحمته للعالمين، وحجته على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. (أما بعد)
فهذه طبعة جديدة من طبعات كتابي (فقه الزكاة)، الذي طبعت منه عشرات الطبعات في مصر وفي بيروت وفي غيرهما، وأحمد الله تعالى أن نفع به الناس في تخصصات شتى؛ في الاقتصاد والمالية والمحاسبة والقانون والاجتماع وخدمة المجتمع وغيرها.
ومن فضل الله تعالى أن وفق كثيرين من إخواننا المسلمين الذين أدركوا أهمية هذا الموضوع، فنقلوه إلى لغات مختلفة، فما ينبغي أن يكون اختلاف اللغات عائقًا عن التبادل الفكري والثقافي.
والذي جعلني أكتب هذه المقدمة لهذه الطبعة أنها تميزت عن غيرها من الطبعات بقراءتها من جديد قراءة مدققة، لاستدراك ما بها من أغلاط مطبعية، أو كلمات سقطت سهوا، أو حرِّفت، وهو ما لا يكاد يخلو منه كتاب، وأرجو ألا تقع في الطبعة الجديدة أخطاء جديدة، فما يزال العمل البشري يعتريه القصور، شئنا أم أبينا. ولعل مما يعين على تحقيق هذا الرجاء أني أشركت معي مكتبي العلمي بالدوحة في هذه القراءة، وعمل الجماعة أقرب إلى الصواب من عمل الفرد.
كما تميزت هذه الطبعة بأمر جد مهم، ألزمت نفسي باتباعه منذ الآن وفيما يستقبل من الزمان، وهو إعادة تخريج أحاديث كتبي وفق منهج جديد، يعتمد على الرجوع إلى الأصول مباشرة، لا إلى كتب التجميع، ولا سيما الكتب المحققة، وقد أصبح لدينا منها عدد غير قليل، وفي هذا التزمت في التخريج بذكر من روى الحديث أو أخرجه من أصحاب الكتب الحديثية، وفي أي كتاب ذكره، مع رقم الحديث إن كان الكتاب مرقمًا، أو بذكر الجزء والصفحة إن لم يكن مرقمًا.
فإن كان في الصحيحين أو أحدهما فلا حاجة إلى بيان درجته، فقد جاز القنطرة، وحكمت الأمة له بالصحة حين تلقته بالقبول، وإن لم يكن الحديث في أحدهما، اجتهدت أن أبحث عمن صححه من الأئمة القدامى، وخصوصًا من لا يتساهلون في التصحيح؛ مثل ما ذكروا عن الترمذي، وكذلك عن ابن حبان، وأكثر منه عن الحاكم في مستدركه، فما صححه الجهابذة من أئمة هذا الشأن، ولم يحدث فيه خلاف، قبلناه على العين والرأس، وما ثبت فيه خلاف فسح لنا فيه المجال للترجيج، وفق المعايير العلمية المعتبرة.
وكثيرًا ما نستعين بالعلماء الثقات المعاصرين في التصحيح والتضعيف، مثل الشيخ الألباني رحمه الله، ولا سيما محققي مسند الإمام أحمد، الذي يمثل عملا علميًّا جماعيًّا يُحتذى، بقيادة الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله.
وإني لأدعو الله تبارك اسمه وتعالى جده أن يوفقني لإعادة تخريج سائر كتبي على هذا النهج الجديد، لإعدادها لتخرج في صورة مجموعة أعمال كاملة، إما في حياتي أو بعد لقائي لربي.
ولم أزد في هذه الطبعة أو أغير فيها شيئًا، إلا أمرًا واحدًا يتعلق بزكاة الأسهم في الشركات المساهمة، فقد كان لي رأي قديم هو الذي سجلته في الكتاب، ثم تغير رأيي منذ سنوات إلى رأي جديد التزمت بالإفتاء به، وهو ما رأيت إضافته إلى هذه الطبعة في موضعه.
وإني لأشكر لإخواني وتلاميذي في مكتبي العلمي بالدوحة الذين أسهموا معي في إتمام هذا الأمر، جزاهم الله خيرًا، ونفع بهم، وسدد خطاهم.
ويسرني أن تقوم مكتبة وهبة بنشر هذه الطبعة المتميزة، متمنيًا لها التوفيق والسداد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدوحة: صفر الخير 1427هـ الفقير إلى عفو ربه
آذار (مارس) 2006م يوسف القرضاوي