الخصائص العامة للإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
أحمدك ربي حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما ينبغي لجلال وجهك وسابغ نعمك. وأصلي وأسلم على محمد عبدك ورسولك، ورحمتك المهداة للعالمين، وعلى ما دعا بدعوته واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
«أما بعد» فمنذ بضعة عشر عامًا كنت شرعت أكتب عن «حتمية الحل الإسلامي» في مواجهة الأصوات التي تعالت في مصر وفي العالم العربي حينذاك، تنادي بما سمّوه: «حتمية الحل الاشتراكي».
وكان من الأبواب التي قررت كتابتها: باب بعنوان: «خصائص الحل الإسلامي» أخذ يطول ويمتد، حتى أصبح - بمساحته التي انتهى إليها – جديرًا أن ينفرد به جزء من أجزاء سلسلة «حتمية الحل الإسلامي»، ولكني عند التأمل والتحقق، وجدت أن هذه الخصائص، ليست إلا خصائص الإسلام ذاته، ولعل الأَوْلى بها أن تفرد في كتاب مستقل عن تلك السلسلة التي لها طابع الرد أو المواجهة، ليبقى للكتاب طابعه الثابت الدائم.
ثم إني منذ حوالي خمس سنوات كنت قد دعيت إلى «ندوة التشريع الإسلامي التي عقدت بمدينة البيضاء في ليبيا الشقيقة، بدعوة من الجامعة الليبية، وبإشراف كلية الدراسات الإسلامية واللغة العربية بالبيضاء، وذلك لإلقاء بحث تحت عنوان: «الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان».
وكان من الموضوعات التي فرضت نفسها عليَّ، لتأييد صلاحية الشريعة وخلودها: موضوع «خصائص الشريعة الإسلامية» الذي تبين لي عند التوغل في كتابته أنه جدير - أيضًا - أن يستقل به كتاب، ثم رجحت فيما بعد أن أدمج خصائص الشريعة - أو التشريع - في الخصائص العامة للإسلام كله، بوصفه عقيدة وعبادة وخلقًا وتشريعًا.
وعلى هذا استقر رأيي، وإن كان هناك من المتصلين بي، من لا يزال يرى إفراد خصائص الشريعة بالنشر مستقلة؛ لأن كثيرًا من المثقفين المشتغلين بالفقه والقانون، يهمهم الاطلاع على هذا الجانب خاصة.
وقد يعوقهم عن الاستفادة به، على الوجه الأكمل، اندماجه في الخصائص العامة التي قد لا يلتفت بعضهم إليها كثيرًا، وقد أفكر في ذلك فيما بعد، إذا يسر الله تعالى.
ولما أُنشئت كليتا التربية للمعلمين والمعلمات في قطر، ونيط بي تأسيس قسم الدراسات الإسلامية، وتدريس مادة «الثقافة الإسلامية» لجميع أقسام الكليتين، وكان ضمن منهج هذه المادة «خصائص الإسلام العامة» كانت فرصة لي لإنضاج ما كتبته من قبل وإعداده للنشر.
هذا، وكان الشهيد سيد قطب: قد أخرج - وهو في سجنه - كتابه القيم: «خصائص التصور الإسلامي»، وهو - كما يبدو من عنوانه - يُعنَى بجانب واحد من جوانب الإسلام الرحب، وهو جانب التصور والاعتقاد، أي ما يوضح خصائص الفكرة الكلية للإسلام، عن الله والكون والحياة والإنسان.
أما خصائص المنهج أو المذهب أو «النظام» الإسلامي كله - بما في ذلك العقائد والعبادات والأخلاق والشرائع - فلم يكن ذلك هدفه في الكتاب، وإن عرض لشيء منه في بعض الأحيان، تبعًا لا قصدًا؛ لهذا كان هذا الكتاب تتمة لكتاب الشهيد رحمه الله ، ولا عجب أن اقتبست بعض العناوين الرئيسية منه، مثل: الربانية، والشمول، والواقعية، والتوازن، وإن لم ألتزم تفسيره لها تمامًا. فقد أُوَسِّع أو أُضَيِّق، وقد أزيد أو أنقُص.
مثال ذلك: أنه تحدث عن خصيصة «الربانية» بمعنى ربانية المصدر والأساس، وأفاض في ذلك إفاضة بليغة، ولكنه رحمه الله لم يلتفت إلى المعنى الآخر للربانية، وهو ما سميناه: «ربانية الغاية والوجهة»، وهو معنى أساسي وخطير، وربما كان هو المتبادر إلى ذهن المسلم عندما تذكر كلمة «الربانية» أو «الرباني».
كما أنه رحمه الله ركّز على معنى «الثبات» في الإسلام، وأكده تأكيدًا قويًّا، وهذا مقبول في جانب التصور والاعتقاد، كما أنه كان لازمًا لمواجهة دعاة «التطور» المطلق في عالمنا، ولكن إذا تحدثنا عن الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، أجد أن خصيصة الإسلام هي الجمع بين الثبات والمرونة معًا، وهذا ما أثبته هنا.
وقد تناولت بالشرح والتحليل هنا سبع خصائص، هي:
1- الربانية.
2- الإنسانية.
3- الشمول، ونعني به: شمول الزمان والمكان والإنسان، وهو في الواقع يضم خصائص ثلاثًا هي: الخلود، والعالمية، والاستيعاب.
4- الوسطية، أو التوازن.
5- الواقعية.
6- الوضوح.
7- الجمع بين الثبات والمرونة.
ولا أزعم أن هذه هي كل خصائص الإسلام العامة، فمن الممكن أن يزاد عليها، وربما فعلت ذلك في طبعة لاحقة، إن شاء الله.
كما لا أزعم أني وفيت كل خصيصة منها حقها، ولكني اجتهدت وحاولت، ولكل مجتهد نصيب، {وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ} (هود:88)
يوسف القرضاوي
القاهرة في (23) من صفر سنة (1397هـ)
الموافق: (11) فبراير سنة (1977م)