الإسلام الذي ندعو إليه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأزكى صلوات الله وتسليماته على مَن أرسله الله رحمة للعالمين، ونعمة على المؤمنين، وحجَّة على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغرِّ الميامين، ومَن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(أما بعد)
فقد كان من فضل الله تعالى ورحمته، وتوفيقه وتسديده: أن هيَّأ نخبة من علماء الأمة الإسلامية للدعوة إلى إقامة: (اتحاد عالمي لعلماء المسلمين) يجمع شتاتهم، ويوحِّد كلمتهم، في مواجهة المواقف التي تمسُّ الأمة المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها، ويقول كلمته الإسلامية الخالصة، المعتمِدة على مُحكمات القرآن والسنة، ورؤية الواقع المعيش رؤية صحيحة، مقدِّرا الظروف العالمية، والأوضاع الإقليمية، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا نقمة ظالم، ينصح للسلطان بما يُرضي الله، ويدفع طاقات الأمة في طريق التحرُّر والوحدة والبناء. ولذا جعل شعاره قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39].
والحمد لله أن قام هذا الاتحاد، وبدأ يباشر نشاطه، ويصدر بياناته وفتاواه، ويستكمل سائر مكوناته.
وقد رأى مجلس الأمناء أن يكون للاتحاد (ميثاق) يوضِّح رؤيته الإسلامية للقضايا الكبرى، وموقفه منها، ليكون هو الأساس والمحور الذي ينضمُّ إليه المنضمُّون بِناء عليه، وقد عكف الاتحاد خلال أكثر من سنة على دراسة مشروع ميثاقه، من خلال (لجنة الفتوى والدراسات)، والمكتب التنفيذي، ومجلس الأمناء، وبعد التشاور مع عدد كبير من الإخوة العلماء، ها هو اليوم يقدِّم هذا الميثاق آملاً أن يكون منطلَقًا نحو فقه إسلامي أصيل ومعاصر، وأن يساهم في تسديد الفكر الإسلامي المعاصر ليحافظ على دوره الرائد في حوار الأفكار والحضارات.
إننا نتوجَّه بهذا الميثاق إلى المسلمين خاصَّة ليجتمعوا حوله، وينبذوا كلَّ دعوات التفرُّق والتطرُّف والجمود، كما نتوجَّه به إلى الرأي العام العالمي نعرِّفهم بالخطوط العريضة للإسلام العظيم، خاتم الرسالات السماوية، وموقفه من القضايا المطروحة في هذا العصر.
أما إخواننا العلماء في كلِّ بقاع الأرض الذين يتمتَّعون بسَعَة الأفق، ورحابة الصدر، والسماحة في التعامل مع المخالِف، فإننا نضع بين أيديهم هذه الأصول أو القواعد التي تحدِّد موقعنا، وتميِّز رؤيتنا للقضايا العَقَدية والعملية والفكرية والاجتماعية الكبرى، آملين أن يجتمعوا حولها، وأن تكون المحور الذي يدورون حوله في خطبهم ودروسهم وتوجيهاتهم، لذلك فإننا نرجو دراستها بتأنٍّ، ولا بأس أن يكتبوا إلينا بموافقتهم الإجمالية ورغبتهم في الانضمام للاتحاد، وكذلك بملاحظاتهم التفصيلية حتى نستفيد منها في تعديل في الطبعات اللاَّحقة.
ولا يضير العالم المسلم أن يخالف في بعض هذه القضايا، فبحسبه أن يوافق عليها في الجملة لا في التفصيل، وأن يكون متقبِّلا لمعظمها، فإن اتفاق الناس على الجزئيات أمر عسير، بل يكاد يكون مستحيلا، المهم هو استقامة الاتجاه، {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ...} [هود:112]، وخلوص النية، "وإنما لكل امرئ ما نوى".
نسأل الله تعالى أن يجعل نيَّتنا خالصة لوجهه وابتغاء مرضاته، وأن يجعل هدفنا هو نصرة دينه، وأن تكون كلمة الله هي العليا، {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:4،5].
يوسف القرضاوي
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين