المبشرات بانتصار الإسلام
مقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، وهادي البشرية إلى الرشد، وقائد الخلق إلى الحق، سيدنا وإمامنا، وأسوتنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد ...
فهذه الرسالة تتحدث عن «المبشرات بانتصار الإسلام» وأعتقد أن حديثنا عن «المبشرات» مطلوب - وخصوصًا في هذه الآوانة - لأكثر من سبب:
1- هو مطلوب؛ لأننا مأمورون بصفة عامة أن نبشر ولا ننفر، كما نحن مأمورون أن نيسر ولا نعسر، فإن النبي صصص حينما أرسل معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن أوصاهما بهذه الوصية الموجز الجامعة: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا»، وكذلك روى صاحبه وخادمه أنس بن مالك أنه أمر الأمة كلها بما أمر به معاذًا وأبا موسى فقال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا». وأحمد الله أن هذا هو المنهج الذي وفقني الله إلى التزامه في الفتوى والدعوة، ففي مجال الفتوى: الترمت التيسير لا التعسير، وفي مجال الدعوى: التزمت التبشير لا التنفير. ولله الفضل والمنة.
2- وهو مطلوب؛ لأن المسلمين عامة، والعاملين للإسلام خاصة، يمرون بمرحلة عصيبة من مراحل تاريخهم المعاصر، وتكاد تغلب في هذه المرحلة عوامل اليأس، ومشاعر الإحباط، وهذا الشعور إذا استسلمت له الأنفس، قتل فيها الهمم، وخدر العزائم، ودمر الطموحات، وهذه المعاني هي التي تحرك الإرادات للعمل، وبذل الجهد.
ومرد هذا الشعور الأسود إلى الضربات المتلاحقة التي توجه بخبث ومكر - من أعداء الإسلام - إلى الصحوة الإسلامية، والحركة الإسلامية، بغية إطفاء نور الإسلام، ووقف حركته، وتمويت يقظته، واستعانوا على ذلك ببعض حكام المسلمين، الذي خافوهم من الصحوة، وحرضوهم على الصفوة، وأمروهم بضرب الدعوة، وللأسف استجاب لهم أولئك الحاكمون، الذين يخافون من انتصار الإسلام أن يحرمهم من شهواتهم، وأن يجردهم من مكاسبهم المحرمة، وأن يجرئ عليهم الشعوب، لتحاسبهم على ما اقترفوا.
3- وهو مطلوب؛ لأن القوى المعادية للإسلام، تريد أن تعلن - بل قد أعلنت بالفعل - على الإسلاميين حربًا نفسية، تيؤسهم من الأمل في غد أفضل، والرجاء في مستقبل مشرق. وبدأت حملات مسعورة، تحركها قلوب موتورة، وتقودها أقلام مأجورة، وأبواق مأمورة، تتهم تلطخ وتشوه، كل ما هو إسلامي، وتتهم دعاة الإسلام وأبنا ءالصحوة بالتطرف حينًا، وبالعنف أحيانًا، وبالإرهاب طورًا، وبالأصولية أطوارًا، مطلقين على الحركة التي تدعو إلى الإسلام المتكامل - عقيدة وشريعة، ودينًا ودولة - «اسم الإسلام السياسي»، والإسلام الحقيقي لا بد أن يكون سياسيًا؛ لهذا كان علينا أن نقاوم هذه الحملات المعادية بسلاح مضاد، وهو نشر الأمل بانتصار الإسلام، وإحياء الرجاء في مستقبله، وشحن نفوس الجيل الصاعد بهذا الشعاع الذي يبدد ظلمات اليأس، وغيوم الإحباط.
4- وهو مطلوب كذلك؛ لأن كثيرًا من المتدينين يشيع بينهم فكر مغلوط عن «آخر الزمان» وبعبارة أخرى: عن مستقبل الأمة، وهو مستقبل أقرب إلى السواد، إن لم يكن أسود حالكًا، وهو فكر مؤسس على أفهام شاعت لبعض الأحاديث التي وردت في سياق الكلام عن الفتن والملاحم وأشراط الساعة، ولكن هذه الأفهام غير سليمة.
لهذا كنا في حاجة إلى تجلية حقيقة «المبشرات» الغائبة عن كثيرين: من القرآن الكريم، ومن السنة المشرفة، ومن التاريخ الحافل، ومن الواقع الماثل، ومن سنن الله الثابتة، التي لن تجد لها تبديلًا، ولن تجد لها تحويلًا. وكل داعية للإسلام يجب أن يكون واثقًا بوعد الله تعالى، مستبشرًا بمستقبل رسالته الخاتمة، ودعوته الخالدة، رافضًا اليأس الذي هو من لوازم الكفر، والقنوط الذي هو من مظاهر الضلال.
وهكذا وجدت إمامنا الشيهد حسن البنا، لم تنطفئ شعلة الأمل في صدره في أشد الأوقات حرجًا، وكم دبج في ذلك المقالات التي يحيي الأمل، وتبعث الرجاء، وكم كرر في رسائله: أن حقائق اليوم هي أحلام الأمس، وأحلام اليوم هي حقائق الغد!
وكتب الشيهد سيد قطب كتابه «المستقبل لهذا الدين»، وهكذا كل الدعاة الأصلاء.
فلنستبشر خيرًا، و لنأمل خيرًا: {وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَتَعۡرِفُونَهَاۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} [النمل: 93].
الدوحة في: (شوال 1416هـ - مارس 1996م)
الفقير إليه تعالى:
يوسف القرضاوي