في فقه الأولويات.. دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلوات الله وتسليماته على رحمته المهداة للعالمين، سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمد، و على آله وصحبه ومَن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد..
فهذه الدراسة التي أقدمها اليوم تتحدث عن موضوع أعتبره غاية في الأهمية لأنه يعالج قضية اختلال النِّسب واضطراب الموازين - من الوجهة الشرعية - في تقدير الأُمور والأفكار والأعمال، وتقديم بعضها على بعض، وأيها يجب أن يُقدّم، وأيها ينبغي أن يُؤخَّر، وأيها ترتيبه الأول، وأيها ترتيبه السبعين، في سلّم الأوامر الإلَهية والتوجيهات النبوية. ولا سيما مع ظهور الخلل في ميزان الأولويات عند المسلمين في عصرنا. وقد كنت أطلقت عليه من قبل اسم "فقه مراتب الأعمال"، واخترت له اليوم ومنذ سنوات مصطلح "فقه الأولويات"؛ لأنه أشمل وأوسع وأدل على المقصود.
وتحاول هذه الدراسة أن تلقي الضوء على مجموعة من الأولويات التي جاء بها الشرع وقامت عليها الأدلة، عسى أن تقوم بدورها في تقويم الفكر، وتسديد المنهج، وتأصيل هذا النوع من الفقه. وحتى يهتدي بها العاملون في الساحة الإسلامية والمنظِّرون لهم، فيحرصوا على تمييز ما قدَّمه الشرع وما أخرَّه، وما شدَّد فيه وما يسَّره، وما عظَّمه الدين وما هوَّن من أمره. لعل في هذا ما يحد من غلو الغالين، وما يقابله من تفريط المفرِّطين، وما يُقرِّب وجهات النظر بين العاملين المخلصين.
ولا أزعم أن هذه دراسة كاملة مستوعبة، فهي فتح للباب، وتمهيد للطريق. وقد يوفق الله لها مَن يزيدها تعميقاً وتأصيلاً. ولكل مجتهد نصيب.
وأختم هذه الكلمات بما قاله نبي الله شعيب عليه السلام فيما حكاه القرآن عنه: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود:88).
الدوحة: في ربيع الآخر 1415 هـ الموافق سبتمبر سنة 1994م
الفقير إلى عفو ربه
يوسف القرضاوي