حسناء الجريسى - هيا بنا نفتح صندوق العالم د. يوسف القرضاوى، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، لنتعرف على رؤيته لما يحدث فى العالم العربى اليوم..

فى البداية قلت له نعلم جيداً ما بينك وبين رئيس تحرير الأهرام اليومى من خلاف، وبرغم ذلك لم تمانع فى إجراء الحوار معنا؟

فقال أود أن أحيى مجلتكم إن كان لى عتاب على الأهرام كصحيفة كبرى معروفة لكن لا أحب أن أحملكم مسئوليتها.

تعتبر نفسك جندياً فى ثورات الربيع العربى وترى أنها ثوراتك.. ما تعليقك؟

أعتبر نفسى جنديا لكل ثورات الأمة العربية والإسلامية، ما تتطلبه الأمة العربية والإسلامية من عمل للنهوض بها ولوقوفها فى مصاف الأمم المتقدمة، ولخروجها من الكبوات التى أصابتها خلال عقود من السنين، انتهت بها إلى الحالة التى رأيناها والتى لا نزال نعانى آثارها إلى اليوم، أعتبر نفسى جنديا فى هذه الثورات ولا أطلب منصبا غير منصب الجندى، فلا أريد أن أكون لواء ولا عقيداً ولا أى شىء، إنما أكون جنديًا أنفذ ما تتطلبه ثورات هذه الأمة، ومتطلبات هذه الأمة من شعوبها، والتى تتطلب من شعوبها الكثير من بذل الجهد والتضحية والفداء، وبالتالى أرى نفسى هنا فى هذا الموقف وما أرادته الأمة منى أنفذه بكل راحة ضمير وبكل بسالة وشجاعة.

وفعلاً أرى أن هذه الثورات كلها ثوراتى، لا أفرق بين بلد وآخر ، إن هذه كلها بلاد عربية إسلامية، وكل منا له فيها نصيب ويؤثر بعضها فى بعض، ولهذا من أول يوم بدأت مع ثورة تونس وقال لى بعضهم: هل أنت تونسى؟ نعم أنا تونسى أنا تونسى، وأنا مصرى، وأنا قطرى، وأنا عربى، وأنا مسلم، أنا أحمل كل جنسيات البلدان الإسلامية، ويهمنى أهلها وكأنهم أهلى، وأعتبرهم أهلى فعلاً، ولست أدرى سوى الإسلام لى وطنًا، الشام فيه ووادى النيل سيان ، وحيثما ذكر اسم الله فى بلدٍ عددت أوطانه من لُبِّ أوطانى.

فأنا مهتم بهذه البلاد كلها وأعتبر نفسى جندياً لهم، خادماً لهذه الثورات كلها، التى هى المحرك الأساسى أو المحرك الأول أو المحرك الأكبر لها، لا شك أنها الروح الإسلامية والفكرة الإسلامية والعاطفة الإسلامية التى حركت هذه الجماهير، هذه الجماهير وافقت أو قبلت أو خنعت للذل الذى ضرب عليها سنين طويلة ولم تشارك فى حكم بلدها وهى الأغلبية الساحقة..

هذه الأغلبية الساحقة كانت مهمشة ومحنطة ومجمدة، والذين يحكمونها فئة قليلة من الناس تتحكم فى أرزاقها وتتحكم فى رقابها وتتحكم فى أمورها كلها، وهم يعيشون كأنما هم عبيد للطائفة الأخرى أو كأنما هم ماشية للأمة، فكان لا بد أن يرفض، هناك كانت ثورة تغلى فى النفوس، كانت تنتظر من يشعل هذه. الثورة تحتاج إلى عود ثقاب لتشتعل، فكان عود الثقاب الأول فى تونس وانتقل بعده إلى مصر ومن مصر إلى البلاد الأخرى .

فى الوقت الذى يشهد فيه العالم أن «الفيس بوك» هو المفجر لثورات الربيع العربى، فضيلتكم تقول إن الفكر الإسلامى وراء هذه الثورات لماذا من وجهة نظركم؟

أعتبر فعلاً أن الشىء الجديد الذى غير من اتجاه الأمة السابق هو الفكر الإسلامى الحقيقى ليس المزور على الإسلام، هناك أناس يدعون أنهم إسلاميون وأن أفكارهم تمثل الإسلام والسنة، وهذا غير صحيح ولا نقبله، إنما نقول الفكر الإسلامى المنبثق من كتاب الله ومن سنة رسول الله، ومن عمل الصحابة والتابعين لهم بإحسان، والأفكار الأساسية للقرون الأولى، التى اعتبرها النبى خير قرون الأمة، فهؤلاء الذين يمثلون فكر الأمة، ونحن مع هذا الفكر بقلوبنا وعقولنا وألسنتنا، ومشاعرنا وكل مانملكه ملك لهذه الأمة التى نحن جزء منها، وهى أمتنا التى ينبغى أن نوقرها وأيضاً نعتمد عليها ونستند إليها بعد الاعتماد على الله تعالى.

وفضيلتكم تحمل الجنسية القطرية نود أن نتعرف على نظرة قطر لثورات الربيع العربى، خصوصا البعض يرى أنها لعبت دوراً واضحاً فى هذه الثورات من خلال «قناة الجزيرة»؟

أحمل الجنسية القطرية ولا أعتبر ذلك منافياً للجنسية المصرية، فلا أعتبر البلاد العربية، بلاداً يتعارض بعضها مع بعض، ولا أرى ضرراً من أن أحمل الجنسية القطرية، ما حملتها باختيارى، إنما أجبرتنى مصر على ذلك، كان معى الجواز القطرى عندما خرجت من مصر معاراً إلى قطر، وبعد أن أكملت الأربع سنوات، شعرت بأن مصر فى خطر، وكان من ينزل من قطر إلى مصر، يسألنى ماذا فعلت؟فالداخلية تتحرى عنك، وبالتالى لم أعد إلى مصر فى تلك الأثناء التى تعرض فيها الإخوان لهجمة شرسة من السلطات المصرية.

والحمد لله نجوت من هذه المحنة التى أصابتنى، كثير من الإخوان «الذين كانوا فى قطر ورجعوا إلى مصر «أخذوا من الدار إلى النار كما يقولون ونجونا بعون الله، كنا نجتمع فى قطر كل يوم جمعة لإلقاء بعض الدروس الدينية، ولتذكر المعانى الإسلامية والروابط الإخوانية لتقوية الصلات بين بعضنا البعض، لذلك نجونا من محنة سنة 1965، وعلى الإنسان أن يحمد الله إذا نجا من البلاء ونسأل الله العفو والعافية، اللهم أسألك العفو والعافية فى ديننا ودنيانا، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا هذا ما علمنا إياه النبى صلى الله عليه وسلم.

تعرضت لتجربة السجن ثلاث مرات فى ثلاثة عقود مختلفة لانتمائك إلى جماعة الإخوان المسلمين ، لماذا رفضت منصب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين إذن ؟ ولماذا خرجت من عباءة الجماعة ؟

سافرت إلى قطر لست مجبراً، فكل المصريين كانوا يسافرون، فكان يحق لكل أزهرى بعد ثلاث سنوات من التوظف أن يسافر إلى الخارج، عندما أكملت السنوات الثلاث فى الأزهر، أجروا لنا امتحاناً شفهياً، كان العلماء يطرحون بعض الأسئلة ومن حسن حظى حصلت على المركز الأول فى الامتحان، لذلك كان من حقى أن أختار أى بلد لأسافر إليه، وكانت أحسن بلد فى ذلك الوقت الكويت، حيث الرواتب المرتفعة، لكن قطر طلبتنى فاخترتها..

ذهبت إلى قطر وظللت بها سنوات طويلة وبعد ذلك عرض على أكثر من مرة منصب "المرشد العام"، عرضه الهضيبى - رحمة الله عليه - ثم عرضه على الأستاذ مصطفى مشهور، وأيضا مأمون الهضيبى، الذى قرر أن يتنازل عن منصبه لى، لكنى وجدت أن أفضل شىء لى أن أتفرغ للعلم والدعوة والفقه فهى شغلى الشاغل، فعملى فى هذا الجانب أنفع للأمة العربية والإسلامية، كما رأيت تفرغى فى هذا الجانب يفيد أكثر، و له تأثير أكبر على الأمة الإسلامية، فلا أريد أن أكون مرشداً لجماعة الإخوان إنما مرشداً للأمة، أرى أن إرشاد الأمة فى سعتها وعمومها فى كل مكان فى أنحاء العالم الإسلامى، أفضل وأوسع من أن أكون محصورا فى جماعة الإخوان فقط، والإخوان عندهم من يختارونه وما كان منى إلا أن اعتذرت وقلت لهم اسمحوا لى أن أختار لنفسى هذا الأمر، والله يعوضكم بمن هو خير منى فى هذا الجانب.

نود أن نعرف سبب خروجك من عباءة جماعة الإخوان المسلمين؟

خرجت من تنظيم الإخوان المسلمين لأننى لا أريد أن أحصر جهودى فى جماعة معينة، وأريد أن أخدم الأمة بأكملها.

ما رأى فضيلتك فى الأنظمة التى جاءت بعد ثورات الربيع العربى؟

أهم ما فى هذه الثورات أنها خلصتنا من حكم الأسر المتحكمة حكماً دائماً، كأسرة زين العابدين التى جاءت وفرضت نفسها على تونس، وأصبحت هى الوارثة للحكم وكانت ترغب فى توريث الحكم لأبنائها وأحفادها، والبلد غائب عن هذا الأمر وهذا ما رفضنا، وأسرة حسنى مبارك فى مصر، والقذافى فى ليبيا، وعلى صالح فى اليمن والأسد فى سوريا، وهى أقدم هذه الأسر..

جاءت هذه الثورات لتحرر الأمة من تلك الأسر التى تحكم هذه البلاد، وتريد أن تورثها لأبنائها، وكأنها عزب «كأن البلد عزبة» كما حدث فى سوريا وورث حافظ الأسد الحكم لابنه «بشار» ولم يترك البلد ليحكمها أهله، وهكذا يظل مسلسل التوريث يحكم هذه البلاد أسرة واحدة ، هذا خطأ كبير فى بلاد جمهورية المفترض أن تكون مدة الحكم اثنتى عشرة سنة، وهنا ضحك ساخراً: إنما ظل حسنى مبارك 12سنة، 18سنة، 24سنة و30سنة، وكان سيستمر لولا الثورة، «إيش هذه البلاد» .

فضيلة الشيخ هل الأنظمة التى تحكم البلاد فى ثورات الربيع العربى تحمل عناصر القوة لهذه البلاد أم تجلب لها الانتكاسة؟

لا المفروض أنها تحمل القوة، وتحمل الحرية والكرامة والشورى وتنتقل هذه البلاد التى كانت تحكمها الأسر إلى حكم الشعوب، «مافيش حد يحكم حد» ما فيش فى مصر إخوان مسلمين يحكمون البلد إلا أهل البلد نفسه، كل شعب يحكم نفسه، وعلى كل الشعوب أن تسعى إلى هذا، ولا تترك أحدا يتحكم فى مصيرها إلى الأبد، ولابد أن يتم ذلك عن طريق الانتخاب الحر الشريف، ومن تأتى به صناديق الانتخاب الحر هو من يحكم البلد، أيا كان صاحب هذا الانتخاب.

وهذا هو الذى يجب أن نسعى إليه، لا نترك بلادنا لمجموعة صغيرة تمشى آراءها علينا، يؤسفنى جداً أنى لا أرى الديمقراطية الحقيقية التى سعينا من أجلها تتحقق، انتشرت البلطجة للأسف من يحكم الشوارع الآن ليسوا الديمقراطيين ولا الثائريين، إنما يأتى أناس من البلطجية ومعهم قليل من الشباب الثائرين يتبعونهم وينفذون ما يريدون.

 أحكى لك جاء ناشر ممن ينشرون كتبى فى «مكتبة وهبة» لزيارتى حكى لى قائلاً: أوقفنى شاب عمره 14ربيعاً يشرب السجائر وبيده المطواه، فرض عليه أن يلف من مكان آخر، وقال له “أنتم ملكوش ثمن عندنا" لابد أن تكون للشرطة وقفة قوية تجاه هؤلاء البلطجية، لكن للأسف الشرطة لا تفعل أى شىء هذه فوضى، الحقيقة لا يجوز أن نترك هؤلاء البلطجية يتحكمون فى البلد.

كل ما نطلبه من أبناء مصر أن يحافظوا على هذا البلد، أحزن كل الحزن على ما يجرى فى المجتمع المصرى، وهنا بكى الشيخ القرضاوى قائلاً: والله أبكى على حال الشعب المصرى ما كنا نود أن تقوم الثورة ليصبح المجتمع المصرى هكذا، نحن صنعنا ثورة من أعظم الثورات التى قامت فى العالم، ثورة كانت معلمة للثورات.

ما حدث فى التحرير كان يعطى نموذجاً للعالم، ثورة تعلم الناس الذين كانوا يجتمعون فى الميدان ليأخذ بعضهم عن بعض، وليحامى بعضهم عن بعض، يجوع الشخص ليشبع أخوه، يسهر الشخص لينام أخوه، يتعرض الشخص للرصاص ليحمى أخاه، وجدنا فى الميدان المسيحى يصب الماء على أخيه المسلم ليتوضأ للصلاة، اجتمع الرجال والنساء والشباب والشيوخ الكل يخاف على بعضه بعضا، فماذا حدث ليصبح المجتمع المصرى بعضه ضد بعض؟!

الشعب الذى وقف ضد من أكلوا أموالهم وضيعوا حقوقهم وثرواتهم حتى أصبح الشعب المصرى مديناً بمئات المليارات، ودائماً أتساءل: لماذا أصبح الشعب المصرى بعضه ضد بعض ؟ هذا والله ما يبكينى، لذلك أدعو شعبى فى مصر أن يقفوا صفاً واحداً لا داعى لأن يقاتل بعضهم بعضا، ويسىء بعضهم الظن ببعض، من الممكن أن يخطىء بعضنا لكن ينبغى علينا أن نصحح لبعضنا ولا يسىء بعضنا الظن بالآخر، حتى لا يفقد البلد مصداقيته، فإذا ظننا فى بعضنا معنى هذا أن يقتل بعضنا الآخر.

مصر بها إمكانات هائلة لتكون فى الصفوف الأولى فى العالم، وسيزداد هذا لو أتيحت لشعبها فرصة العمل، لكن للأسف البعض يعمل، والبعض الآخر يعانى من البطالة، للأسف البلطجية أصبحوا يفرضون أنفسهم على الميادين فى مصر.

 أطالب كل واحد من أبناء مصر أن يشعر بأن القضية قضيته، ليست قضية البيه فلان والباشا علان، كلنا سواء ليس هناك أحد أفضل من أحد، وكلنا لنا الحق فى تسيير هذا البلد، ولا يجوز أن نترك الأمر للآخرين، كما حدث فى السابق مما جرأ عديمى الضمير أن يتقاضوا أمولاً من الآخرين، فهناك أناس لديهم مليارات يريدون إفساد حال مصر ويدفعون للبلطجية ليفسدوا وليزيفوا كل شىء فيها، ولا يليق ذلك بأهل العلم والأخلاق والناس الطيبين، كما رأيتهم فى القرى للأسف القليلون السيئون يريدون أن يجروا مصر إلى شهواتهم، ونسأل الله العفو والعافية.

هل ما يحدث فى المجتمع المصرى من عنف هو ما دفعك للمطالبة بتدريس مادة الأخلاق فى المدارس والجامعات؟

نعم لابد من تدريس الأخلاق فى المدارس والجامعات، وأهم من الأخلاق الإسلام أن يدرس هو والدين المسيحى معاً، حتى تنبثق الناس عن دين تؤمن به، ومن خلال الدين تدرس الأخلاق، فلا أخلاق بدون دين، وغير ذلك عبث، لابد من ربط الأخلاق بالدين، الرسول حينما أراد الله أن يمدحه قال له: «وإنك لعلى خلق عظيم» ولم يقل له صلى حتى تتورم قدماك أو صوم ولا تفطر، إنما مدحه بالأخلاق، وقال الرسول «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»وقال «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى»، أى الأمر بالقلب، فالإنسان قلب وضمير وعلم وأفكار ومعلومات..

إذا كان علم من غير ضمير ستحدث مفسدة كبرى لصاحبها، فالدين يلزم الناس التعاون على البر والتقوى، وبهذا تنتصر الأمة وترتفع رايتها ويصبح أمر الله هو النافذ وحكم الله هو السائر، وهذا ما نتمناه لأمتنا، نسأل الله عزوجل أن يرفع راية الحق لهذه الأمة ويجمع كلمتها على الهدى، ويقوى قلوبها على التقوى ونفوسها على المحبة، وعزائمها على عمل الخير، وأن يعصمها من شر المفسدين، الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون.

ما يحدث فى مصر من صراع بين التيارات المختلفة يجعلنا نتساءل عن كيفية الخروج من هذا المأزق ؟

ضحك.. قبل أن يقول الإسلام دين الدولة، فـ 90% من المصريين مسلمون متمسكون بالإسلام فكيف نحارب الإسلام؟

وبلهجة ملأتها الدهشة يستكمل، ممكن نحارب الإخوان إذا كانوا أفسدوا فى البلد ونقول لهم أنتم مخطئون، لكن لماذا نحارب؟ ولماذا نمسك الخرطوش والمولوتوف والأسلحة البيضاء، ونقاتل، هذه ليست مصر ولا هذه الثورة، الثورة قامت لتلم شمل البلد، لابد أن نهدىء الأمور وننتظر عدة أسابيع دون شغب أو عنف، حتى تستقر الأمور، لو اجتمعت البلاد التى قامت فيها ثورات الربيع العربى سنفعل شيئا عظيما، بدلاً من حالة الفرقة، الأجانب قديما كانوا يقولون «فرق تسد» أى فرق الشعب تصبح سيداً عليهم.

فضيلة الشيخ هل يعنى صعود التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم فى بلدان الربيع العربى عودة لنظرية الحق الإلهى التى كانت سائدة فى الحضارة المسيحية فى القرون الوسطى، ويصبح من حق الحاكم التفرد بقراراته دون مشورة أحد من أهل العلم والاختصاص؟

نظرية «الحق الإلهى» التى تتحدثين عنها كانت أحد اختراعات الكنيسة الغربية لمزيد من إحكام قبضتها على الشعوب، وكانت النتيجة أن ظهرت العلمانية فى وجه هذه النظرية لتفصل الدين عن الدولة، والمقصود هنا دين الكنيسة التى تحكمت فى الناس ومصائرهم، فحينما جاءت النهضة - التى تدين بالفضل إلى الحضارة الإسلامية - كانت الكنيسة هى التى تقف فى وجه التقدم وتتبنى أفكاراً ضد العلم، وكان العلم والدين فى تعارض دائم. الكنيسة وقفت مع الحكام ضد الشعوب ومع الجهل ضد العلم، ومع الإقطاعيين ضد الفلاحين، فكان لابد من الوقوف فى وجه الدين الذى كان يقف عقبة فى سبيل العلم.

كيف تقيم تجربة ماليزيا التى جمعت بين الليبرالية والعلمانية وتطبيق الشريعة الإسلامية ؟

ماليزيا نموذج له طبيعة خاصة، لأنه يقوم على عناصر مختلفة منهم الملاويون وهم أصل البلاد ويمثلون نحو 55% من عدد السكان، إلى جانب العنصر الصينى والهندوسى وباقى الأقليات، وحتى تنجح فى التعامل مع هذا التآلف وهذه التعددية حكمت بالعلمانية، ولكنها علمانية غير متطرفة وليست ضد الدين الإسلامى، إضافة إلى إخلاص ماليزيا فى التنمية، فقد اتبعت المنهج العلمى واستغلت قوة العنصر الصينى المسيطر حقيقة على معظم ثروات البلاد، رغم أن الملاويين المسلمين هم الأغلبية، فالفنادق والبنوك والأبنية الضخمة ملك الصينيين، وهو ما يجعلنا حذرين من التجربة الماليزية، ولكنها حققت التنمية وإن كانت ليست النموذج الأمثل الذى ننشده، وأتمنى أن نحاول ذلك فى المستقبل.

ما رأيك فى الإعلام المصرى؟

للأسف معظمه سيىء ولايقول الحق، أسمع الإعلاميين وأستغرب وأتساءل كيف يقولون هذا الكلام؟